الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)
.كِتَابُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَهُمْ، رُجُوعُهُمْ إلَى نَجْرَانَ: فَرَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ يُلَاعِنْهُمْ حَتّى إذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ أَتَوْهُ فَكَتَبَ لَهُمْ فِي الْكِتَابِ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ هَذَا مَا كَتَبَ مُحَمّدٌ النّبِيّ رَسُولُ اللّهِ لِنَجْرَانَ إذْ كَانَ عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ فِي كُلّ ثَمَرَةٍ وَفِي كُلّ صَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ وَسَوْدَاءَ وَرَقِيقٍ فَأَفْضَلَ عَلَيْهِمْ وَتَرَكَ ذَلِكَ كُلّهُ عَلَى أَلْفَيْ حُلّةٍ فِي كُلّ رَجَبٍ أَلْفُ حُلّةٍ وَفِي كُلّ صَفَرٍ أَلْفُ حُلّةٍ وَكُلّ حُلّةٍ أُوقِيّةٌ مَا زَادَتْ عَلَى الْخَرَاجِ أَوْ نَقَصَتْ عَلَى الْأَوَاقِيِ فَبِحِسَابٍ وَمَا قَضَوْا مِنْ دُرُوعٍ أَوْ خَيْلٍ أَوْ رِكَابٍ أَوْ عَرَضٍ أُخِذَ مِنْهُمْ بِحِسَابٍ وَعَلَى نَجْرَانَ مُثْوَاةُ رُسُلِي وَمَتّعْتهمْ بِهَا عِشْرِينَ فَدُونَهُ وَلَا يُحْبَسُ رَسُولٌ فَوْقَ شَهْرٍ وَعَلَيْهِمْ عَارِيَةٌ ثَلَاثِينَ دِرْعًا وَثَلَاثِينَ فَرَسًا وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا إذَا كَانَ كَيْدٌ بِالْيَمَنِ وَمَغْدَرَةٌ وَمَا هَلَكَ مِمّا أَعَارُوا رَسُولِي مِنْ دُرُوعٍ أَوْ خَيْلٍ أَوْ رِكَابٍ فَهُوَ ضَمَانٌ عَلَى رَسُولِي حَتّى يُؤَدّيَهُ إلَيْهِمْ وَلِنَجْرَانَ وَحَسْبُهَا جِوَارُ اللّهِ وَذِمّةُ مُحَمّدٍ النّبِيّ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَمِلّتِهِمْ وَأَرْضِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَغَائِبِهِمْ وَشَاهِدِهِمْ وَعَشِيرَتِهِمْ وَتَبَعِهِمْ وَأَنْ لَا يُغَيّرُوا مِمّا كَانُوا عَلَيْهِ وَلَا يُغَيّرُ حَقّ مِنْ حُقُوقِهِمْ وَلَا مِلّتِهِمْ وَلَا يُغَيّرُ أُسْقُفٌ مِنْ أُسْقُفِيّتِهِ وَلَا رَاهِبٌ مِنْ رَهْبَانِيّتِهِ وَلَا وَافِهٍ عَنْ وَفَهِيّتِهِ وَكُلّ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ رِيبَةٌ وَلَا دَمُ جَاهِلِيّةٍ وَلَا يُحْشَرُونَ وَلَا يُعْشَرُونَ وَلَا يَطَأُ أَرْضَهُمْ جَيْشٌ وَمَنْ سَأَلَ مِنْهُمْ حَقّا فَبَيْنَهُمْ النّصْفُ غَيْرَ ظَالِمِينَ وَلَا مَظْلُومِينَ وَمَنْ أَكَلَ رِبًا مِنْ ذِي قَبْلُ فَذِمّتِي مِنْهُ بَرِيئَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ رَجُلٌ مِنْهُمْ بِظُلْمِ آخَرَ وَعَلَى مَا فِي هَذِهِ الصّحِيفَةِ جِوَارُ اللّهِ وَذِمّةُ مُحَمّدٍ النّبِيّ رَسُولِ اللّهِ حَتّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ مَا نَصَحُوا وَأَصْلَحُوا فِيمَا عَلَيْهِمْ غَيْرَ مُنْقَلِبِينَ بِظُلْم شَهِدَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَغَيْلَانُ بْنُ عَمْرٍو وَمَالِكُ بْنُ عَوْفٍ وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيّ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَكُتِبَ حَتّى إذَا قَبَضُوا كِتَابَهُمْ انْصَرَفُوا إلَى نَجْرَانَ فَتَلَقّاهُمْ الْأُسْقُفُ وَوُجُوهُ نَجْرَانَ عَلَى مَسِيرَةِ لَيْلَةٍ وَمَعَ الْأَسْقُفِ أَخٌ لَهُ مِنْ أُمّهِ وَهُوَ ابْنُ عَمّهِ مِنْ النّسَبِ يُقَالُ لَهُ بِشْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَلْقَمَةَ فَدَفَعَ الْوَفْدُ كِتَابَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْأُسْقُفِ فَبَيْنَا هُوَ يَقْرَؤُهُ وَأَبُو عَلْقَمَةَ مَعَهُ وَهُمَا يَسِيرَانِ إذْ كَبَتْ بِبِشْرٍ نَاقَتُهُ فَتَعّسَ بِشْرٌ غَيْرَ أَنّهُ لَا يُكَنّي عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ الْأَسْقُفُ عِنْدَ ذَلِكَ قَدْ تَعّسْت وَاَللّهِ نَبِيّا مُرْسَلًا فَقَالَ بِشْرٌ لَا جَرَمَ وَاَللّهِ لَا أَحُلّ عَنْهَا عُقَدًا حَتّى آتِيَهُ فَضَرَبَ وَجْهَ نَاقَتِهِ نَحْوَ الْمَدِينَةِ وَثَنَى الْأُسْقُفُ نَاقَتَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ افْهَمْ عَنّي إنّمَا قُلْتُ هَذَا لِتُبَلّغَ عَنّي الْعَرَبَ مَخَافَةَ أَنْ يَقُولُوا: إنّا أُخِذْنَا حُمْقَةً أَوْ نَخَعْنَا لِهَذَا الرّجُلِ بِمَا لَمْ تَنْخَعْ بِهِ الْعَرَبُ وَنَحْنُ أَعَزّهُمْ وَأَجْمَعُهُمْ دَارًا فَقَالَ لَهُ بِشْرٌ لَا وَاَللّهِ لَا أُقِيلُك مَا خَرَجَ مِنْ رَأْسِك أَبَدًا فَضَرَبَ بِشْرٌ نَاقَتَهُ وَهُوَ مُوَلّ ظَهْرَهُ لِلْأُسْقُفِ وَهُوَ يَقُولُ:حَتّى أَتَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ يَزَلْ مَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى اُسْتُشْهِدَ أَبُو عَلْقَمَةَ بَعْدَ ذَلِكَ. وَدَخَلَ الْوَفْدُ نَجْرَانَ فَأَتَى الرّاهِبُ ابْنُ أَبِي شِمْرٍ الزّبَيْدِيّ وَهُوَ فِي رَأْسِ صَوْمَعَةٍ لَهُ فَقَالَ لَهُ إنّ نَبِيّا قَدْ بُعِثَ بِتِهَامَةَ وَإِنّهُ كَتَبَ إلَى الْأُسْقُفِ فَأَجْمَعَ أَهْلُ الْوَادِي أَنْ يُسَيّرُوا إلَيْهِ شُرَحْبِيلَ بْنَ وَدَاعَةَ وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ شُرَحْبِيلَ وَجَبّارَ بْنَ فَيْضٍ فَيَأْتُونَهُمْ بِخَبَرِهِ فَسَارُوا حَتّى أَتَوْهُ فَدَعَاهُمْ إلَى الْمُبَاهَلَةِ فَكَرِهُوا مُلَاعَنَتَهُ وَحَكّمَهُ شُرَحْبِيلُ فَحَكَمَ عَلَيْهِمْ حُكْمًا وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا ثُمّ أَقْبَلَ الْوَفْدُ بِالْكِتَابِ حَتّى دَفَعُوهُ إلَى الْأُسْقُفِ فَبَيْنَا الْأُسْقُفُ يَقْرَؤُهُ وَبِشْرٌ مَعَهُ حَتّى كَبَتْ بِبِشْرٍ نَاقَتُهُ فَتَعّسَهُ فَشَهِدَ الْأُسْقُفُ أَنّهُ نَبِيّ مُرْسَلٌ فَانْصَرَفَ أَبُو عَلْقَمَةَ نَحْوَهُ يُرِيدُ الْإِسْلَامَ فَقَالَ الرّاهِبُ أَنْزِلُونِي وَإِلّا رَمَيْتُ بِنَفْسِي مِنْ هَذِهِ الصّوْمَعَةِ فَأَنْزَلُوهُ فَانْطَلَقَ الرّاهِبُ بِهَدِيّةٍ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهَا هَذَا الْبُرْدُ الّذِي يَلْبَسُهُ الْخُلَفَاءُ وَالْقَعْبُ وَالْعَصَا وَأَقَامَ الرّاهِبُ بَعْدَ ذَلِكَ يَسْمَعُ كَيْفَ يَنْزِلُ الْوَحْيُ وَالسّنَنُ وَالْفَرَائِضُ وَالْحُدُودُ وَأَبَى اللّهُ لِلرّاهِبِ الْإِسْلَامَ فَلَمْ يُسْلِمْ وَاسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الرّجْعَةِ إلَى قَوْمِهِ وَقَالَ إنّ لِي حَاجَةً وَمَعَادًا إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى فَرَجَعَ إلَى قَوْمِهِ فَلَمْ يَعُدْ حَتّى قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. وَإِنّ الْأُسْقُفَ أَبَا الْحَارِثِ أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَعَهُ السّيّدُ وَالْعَاقِبُ وَوُجُوهُ قَوْمِهِ وَأَقَامُوا عِنْدَهُ يَسْتَمِعُونَ مَا يُنْزِلُ اللّهُ عَلَيْهِ فَكَتَبَ لِلْأُسْقُفِ هَذَا الْكِتَابَ وَلِلْأَسَاقِفَةِ بِنَجْرَانَ بَعْدَهُ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ مِنْ مُحَمّدٍ النّبِيّ إلَى الْأُسْقُفِ أَبِي الْحَارِثِ وَأَسَاقِفَةِ نَجْرَانَ وَكَهَنَتِهِمْ وَرُهْبَانِهِمْ وَأَهْلِ بِيَعِهِمْ وَرَقِيقِهِمْ وَمِلّتِهِمْ وَسُوقَتِهِمْ وَعَلَى كُلّ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ جِوَارُ اللّهِ وَرَسُولِهِ لَا يُغَيّرُ أُسْقُفٌ مِنْ أُسْقُفَتِهِ وَلَا رَاهِبٌ مِنْ رَهْبَانِيّتِهِ وَلَا كَاهِنٌ مِنْ كَهَانَتِهِ وَلَا يُغَيّرُ حَقّ مِنْ حُقُوقِهِمْ وَلَا سُلْطَانِهِمْ وَلَا مِمّا كَانُوا عَلَيْهِ عَلَى ذَلِكَ جِوَارُ اللّهِ وَرَسُولِهِ أَبَدًا مَا نَصَحُوا وَأَصْلَحُوا عَلَيْهِمْ غَيْرَ مُنْقَلِبِينَ بِظَالِمٍ وَلَا ظَالِمِينَ وَكَتَبَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَلَمّا قَبَضَ الْأُسْقُفُ الْكِتَابَ اسْتَأْذَنَ فِي الِانْصِرَافِ إلَى وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ أَنّ السّيّدَ وَالْعَاقِبَ أَتَيَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَرَادَ أَنْ يُلَاعِنَهُمَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ لَا تُلَاعِنْهُ فَوَاَللّهِ إنْ كَانَ نَبِيّا فَلَاعَنْته لَا نُفْلِحُ نَحْنُ وَلَا عَقِبُنَا مِنْ بَعْدِنَا قَالُوا لَهُ نُعْطِيَك مَا سَأَلْت فَابْعَثْ مَعَنَا رَجُلًا أَمِينًا وَلَا تَبْعَثْ مَعَنَا إلّا أَمِينًا فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَأَبْعَثَنّ مَعَكُمْ رَجُلًا أَمِينًا حَقّ أَمِينٍ فَاسْتَشْرَفَ لَهَا أَصْحَابُهُ فَقَالَ قُمْ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرّاحِ فَلَمّا قَامَ قَالَ هَذَا أَمِينُ هَذِهِ الْأُمّة وَرَوَاهُ الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بِنَحْوِهِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى نَجْرَانَ فَقَالُوا فِيمَا قَالُوا: أَرَأَيْتَ مَا يَقْرَءُونَ {يَا أُخْتَ هَارُونَ} وَقَدْ كَانَ بَيْنَ عِيسَى وَمُوسَى مَا قَدْ عَلِمْتُمْ قَالَ فَأَتَيْتُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرْته قَالَ أَفَلَا أَخْبَرْتَهُمْ أَنّهُمْ كَانُوا يُسَمّونَ- بِأَسْمَاءِ أَنْبِيَائِهِمْ وَالصّالِحِينَ الّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُم وَرُوِينَا عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ قَالَ وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ إلَى أَهْلِ نَجْرَانَ لِيَجْمَعَ صَدَقَاتِهِمْ وَيَقْدَمَ عَلَيْهِ بِجِزْيَتِهِمْ. .فَصْلٌ فِي فِقْهِ هَذِهِ الْقِصّةِ: فَفِيهَا:جَوَازُ دُخُولِ أَهْلِ الْكِتَابِ مَسَاجِدَ الْمُسْلِمِينَ..تَمْكِينُ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَلَاتِهِمْ بِحَضْرَةِ الْمُسْلِمِينَ: وَفِيهَا: تَمْكِينُ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَلَاتِهِمْ بِحَضْرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي مَسَاجِدِهِمْ أَيْضًا إذَا كَانَ ذَلِكَ عَارِضًا وَلَا يُمَكّنُونَ مِنْ اعْتِيَادِ ذَلِكَ..إقْرَارُ الْكَاهِنِ الْكِتَابِيّ لَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَنّهُ نَبِيّ لَا يُدْخِلُهُ فِي الْإِسْلَامِ مَا لَمْ يَلْتَزِمْ طَاعَتَهُ وَاخْتِلَافُ النّاسِ فِي ذَلِكَ: وَفِيهَا: أَنّ إقْرَارَ الْكَاهِنِ الْكِتَابِيّ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَنّهُ نَبِيّ لَا يُدْخِلُهُ فِي الْإِسْلَامِ مَا لَمْ يَلْتَزِمْ طَاعَتَهُ وَمُتَابَعَتَهُ فَإِذَا تَمَسّكَ بِدِينِهِ بَعْدَ هَذَا الْإِقْرَارِ لَا يَكُونُ رِدّةً مِنْهُ وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُ الْحَبْرَيْنِ لَهُ وَقَدْ سَأَلَاهُ عَنْ ثَلَاثِ مَسَائِلَ فَلَمّا أَجَابَهُمَا قَالَا: نَشْهَدُ أَنّك نَبِيّ قَالَ فَمَا يَمْنَعُكُمَا مِنْ اتّبَاعِي؟ قَالَا: نَخَافُ أَنْ تَقْتُلَنَا الْيَهُودُ وَلَمْ يُلْزِمْهُمَا بِذَلِكَ الْإِسْلَامَ. وَنَظِيرُ ذَلِكَ شَهَادَةُ عَمّهِ أَبِي طَالِبٍ لَهُ بِأَنّهُ صَادِقٌ وَأَنّ دِينَهُ مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ الْبَرِيّةِ دِينًا وَلَمْ تُدْخِلْهُ هَذِهِ الشّهَادَةُ فِي الْإِسْلَامِ. وَمَنْ تَأَمّلَ مَا فِي السّيَرِ وَالْأَخْبَارِ الثّابِتَةِ مِنْ شَهَادَةِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ لَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالرّسَالَةِ وَأَنّهُ صَادِقٌ فَلَمْ تُدْخِلْهُمْ هَذِهِ الشّهَادَةُ فِي الْإِسْلَامِ عَلِمَ أَنّ الْإِسْلَامَ أَمْرٌ وَرَاءَ ذَلِكَ وَأَنّهُ لَيْسَ هُوَ الْمَعْرِفَةَ فَقَطْ وَلَا الْمَعْرِفَةُ وَالْإِقْرَارُ فَقَطْ بَلْ الْمَعْرِفَةُ وَالْإِقْرَارُ وَالِانْقِيَادُ وَالْتِزَامُ طَاعَتِهِ وَدِينِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. وَقَدْ اخْتَلَفَ أَئِمّةُ الْإِسْلَامِ فِي الْكَافِرِ إذَا قَالَ أَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ وَلَمْ يَزِدْ هَلْ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِذَلِكَ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ وَهِيَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ إحْدَاهَا: يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِذَلِكَ.وَالثّانِيَةُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ حَتّى يَأْتِيَ بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ.وَالثّالِثَةُ أَنّهُ إذَا كَانَ مُقِرّا بِالتّوْحِيدِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقِرّا لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ حَتّى يَأْتِيَ بِهِ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ اسْتِيفَاءِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَإِنّمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ إشَارَةً وَأَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنّ نَبِيّا يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزّمَانِ وَهُمْ يَنْتَظِرُونَهُ وَلَا يَشُكّ عُلَمَاؤُهُمْ فِي أَنّهُ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَإِنّمَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الدّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ رِئَاسَتُهُمْ عَلَى قَوْمِهِمْ وَخُضُوعُهُمْ لَهُمْ وَمَا يَنَالُونَهُ مِنْهُمْ مِنْ الْمَالِ وَالْجَاهِ..جَوَازُ مُجَادَلَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ: وَمِنْهَا: جَوَازُ مُجَادَلَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمُنَاظَرَتِهِمْ بَلْ اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ بَلْ وُجُوبُهُ إذَا ظَهَرَتْ مَصْلَحَتُهُ مِنْ إسْلَامِ مَنْ يُرْجَى إسْلَامُهُ مِنْهُمْ وَإِقَامَةُ الْحُجّةِ مُجَادَلَتِهِمْ إلّا عَاجِزٌ عَنْ إقَامَةِ الْحُجّةِ فَلْيُوَلّ ذَلِكَ إلَى أَهْلِهِ وَلْيُخَلّ بَيْنَ الْمَطِيّ وَحَادِيهَا وَالْقَوْسِ وَبَارِيهَا وَلَوْلَا خَشْيَةُ الْإِطَالَةِ لَذَكَرْنَا مِنْ الْحُجَجِ الّتِي تُلْزِمُ أَهْلَ الْكِتَابَيْنِ الْإِقْرَارَ بِأَنّهُ رَسُولُ اللّهِ بِمَا فِي كُتُبِهِمْ وَبِمَا يَعْتَقِدُونَهُ بِمَا لَا يُمْكِنُهُمْ دَفْعُهُ مَا يَزِيدُ عَلَى مِائَةِ طَرِيقٍ وَنَرْجُو مِنْ اللّهِ سُبْحَانَهُ إفْرَادَهَا بِمُصَنّفٍ مُسْتَقِلّ..مُنَاظَرَةُ الْمُصَنّفِ لِأَحَدِ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي نُبُوّتِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: وَدَارَ بَيْنِي وَبَيْنَ بَعْضِ عُلَمَائِهِمْ مُنَاظَرَةٌ فِي ذَلِكَ فَقُلْت لَهُ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ وَلَا يَتِمّ لَكُمْ الْقَدْحُ فِي نُبُوّةِ نَبِيّنَا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا بِالطّعْنِ فِي الرّبّ تَعَالَى وَالْقَدْحِ فِيهِ وَنِسْبَتِهِ إلَى أَعْظَمِ الظّلْمِ وَالسّفَهِ وَالْفَسَادِ تَعَالَى اللّهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ كَيْفَ يَلْزَمُنَا ذَلِكَ؟ قُلْت: بَلْ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ لَا يَتِمّ لَكُمْ ذَلِكَ إلّا بِجُحُودِهِ وَإِنْكَارِ وُجُودِهِ تَعَالَى وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنّهُ إذَا كَانَ مُحَمّدٌ عِنْدَكُمْ لَيْسَ بِنَبِيّ صَادِقٍ وَهُوَ بِزَعْمِكُمْ مَلِكٌ ظَالِمٌ فَقَدْ تَهَيّأَ لَهُ أَنْ يَفْتَرِيَ عَلَى اللّهِ وَيَتَقَوّلَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْهُ ثُمّ يُتِمّ لَهُ ذَلِكَ وَيَسْتَمِرّ حَتّى يُحَلّلَ وَيُحَرّمَ وَيَفْرِضَ الْفَرَائِضَ وَيُشَرّعَ الشّرَائِعَ وَيَنْسَخَ الْمِلَلَ وَيَضْرِبَ الرّقَابَ وَيَقْتُلَ أَتْبَاعَ الرّسُلِ وَهُمْ أَهْلُ الْحَقّ وَيَسْبِي نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ وَيَغْنَمَ أَمْوَالَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَيُتِمّ لَهُ ذَلِكَ حَتّى يَفْتَحَ الْأَرْضَ وَيَنْسُبَ ذَلِكَ كُلّهُ إلَى أَمْرِ اللّهِ تَعَالَى لَهُ بِهِ وَمَحَبّتِهِ لَهُ وَالرّبّ تَعَالَى يُشَاهِدُهُ وَمَا يَفْعَلُ بِأَهْلِ الْحَقّ وَأَتْبَاعِ الرّسُلِ وَهُوَ مُسْتَمِرّ فِي الِافْتِرَاءِ عَلَيْهِ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ كُلّهِ يُؤَيّدُهُ وَيَنْصُرُهُ وَيُعْلِي أَمْرَهُ وَيُمَكّنُ لَهُ مِنْ أَسْبَابِ النّصْرِ الْخَارِجَةِ عَنْ عَادَةِ الْبَشَرِ وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنّهُ يُجِيبُ دَعَوَاتِهِ وَيُهْلِكُ أَعْدَاءَهُ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ مِنْهُ نَفْسِهِ وَلَا سَبَبٍ بَلْ تَارَةً بِدُعَائِهِ وَتَارَةً يَسْتَأْصِلُهُمْ سُبْحَانَهُ مِنْ غَيْرِ دُعَاءٍ مِنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَعَ ذَلِكَ يَقْضِي لَهُ كُلّ حَاجَةٍ سَأَلَهُ إيّاهَا وَيَعِدُهُ كُلّ وَعْدٍ جَمِيلٍ ثُمّ يُنْجِزُ لَهُ وَعْدَهُ عَلَى أَتَمّ الْوُجُوهِ وَأَهْنَئِهَا وَأَكْمَلِهَا هَذَا وَهُوَ عِنْدَكُمْ فِي غَايَةِ الْكَذِبِ وَالِافْتِرَاءِ وَالظّلْمِ فَإِنّهُ لَا أَكْذَبَ مِمّنْ كَذَبَ عَلَى اللّهِ وَاسْتَمَرّ عَلَى ذَلِكَ وَلَا أَظْلَمَ مِمّنْ أَبْطَلَ شَرَائِعَ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ وَسَعَى فِي رَفْعِهَا مِنْ الْأَرْضِ وَتَبْدِيلِهَا بِمَا يُرِيدُ هُوَ وَقَتَلَ أَوْلِيَاءَهُ وَحِزْبَهُ وَأَتْبَاعَ رُسُلِهِ وَاسْتَمَرّتْ نُصْرَتُهُ عَلَيْهِمْ دَائِمًا وَاللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ كُلّهِ رَبّهِ أَنّهُ أَوْحَى إلَيْهِ أَنّهُ لَا {أَظْلَمُ مِمّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللّهُ} [الْأَنْعَامِ 93] فَيَلْزَمُكُمْ مَعَاشِرَ مَنْ كَذّبَهُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ لَابُدّ لَكُمْ مِنْهُمَا: إمّا أَنْ تَقُولُوا: لَا صَانِعَ لِلْعَالَمِ وَلَا مُدَبّرَ وَلَوْ كَانَ لِلْعَالَمِ صَانِعٌ مُدَبّرٌ قَدِيرٌ حَكِيمٌ لَأَخَذَ عَلَى يَدَيْهِ وَلَقَابَلَهُ أَعْظَمَ مُقَابَلَةٍ وَجَعَلَهُ نَكَالًا لِلظّالِمِينَ إذْ لَا يَلِيقُ بِالْمُلُوكِ غَيْرُ هَذَا فَكَيْفَ بِمَلِكِ السّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ؟.الثّانِي: نِسْبَةُ الرّبّ إلَى مَا لَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ الْجَوْرِ وَالسّفَهِ وَالظّلْمِ وَإِضْلَالِ الْخَلْقِ دَائِمًا أَبَدَ الْآبَادِ لَا بَلْ نُصْرَةِ الْكَاذِبِ وَالتّمْكِينِ لَهُ مِنْ الْأَرْضِ وَإِجَابَةِ دَعَوَاتِهِ وَقِيَامِ أَمْرِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَإِعْلَاءِ كَلِمَاتِهِ دَائِمًا وَإِظْهَارِ دَعْوَتِهِ وَالشّهَادَةِ لَهُ بِالنّبُوّةِ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ فِي كُلّ مَجْمَعٍ وَنَادٍ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ فِعْلِ أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ وَأَرْحَمِ الرّاحِمِينَ فَلَقَدْ قَدَحْتُمْ فِي رَبّ الْعَالَمِينَ أَعْظَمَ قَدْحٍ وَطَعَنْتُمْ فِيهِ أَشَدّ طَعْنٍ وَأَنْكَرْتُمُوهُ بِالْكُلّيّةِ وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنّ كَثِيرًا مِنْ الْكَذّابِينَ قَامَ فِي الْوُجُودِ وَظَهَرَتْ لَهُ شَوْكَةٌ وَلَكِنْ لَمْ يَتِمّ لَهُ أَمْرُهُ وَلَمْ تَطُلْ مُدّتُهُ بَلْ سَلّطَ عَلَيْهِ رُسُلَهُ وَأَتْبَاعَهُمْ فَمَحَقُوا أَثَرَهُ وَقَطَعُوا دَابِرَهُ وَاسْتَأْصَلُوا شَأْفَتَهُ. هَذِهِ سُنّتُهُ فِي عِبَادِهِ مُنْذُ قَامَتْ الدّنْيَا وَإِلَى أَنْ يَرِثَ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا. فَلَمّا سَمِعَ مِنّي هَذَا الْكَلَامَ قَالَ. مَعَاذَ اللّهِ أَنْ نَقُولَ إنّهُ ظَالِمٌ أَوْ كَاذِبٌ بَلْ كُلّ مُنْصِفٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يُقِرّ بِأَنّ مَنْ سَلَكَ طَرِيقَهُ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ النّجَاةِ وَالسّعَادَةِ فِي الْأُخْرَى. قُلْتُ لَهُ فَكَيْفَ يَكُونُ سَالِكُ طَرِيقِ الْكَذّابِ وَمُقْتَفِي أَثَرِهِ بِزَعْمِكُمْ مِنْ أَهْلِ النّجَاةِ وَالسّعَادَةِ؟ فَلَمْ يَجِدْ بُدّا مِنْ الِاعْتِرَافِ بِرِسَالَتِهِ وَلَكِنْ لَمْ يُرْسِلْ إلَيْهِمْ. قُلْت: فَقَدْ لَزِمَك تَصْدِيقَهُ وَلَابُدّ وَهُوَ قَدْ تَوَاتَرَتْ عَنْهُ الْأَخْبَارُ بِأَنّهُ رَسُولُ رَبّ الْعَالَمِينَ إلَى النّاسِ أَجْمَعِينَ كِتَابِيّهِمْ وَأُمّيّهِمْ وَدَعَا أَهْلَ الْكِتَابِ إلَى دِينِهِ أَقَرّوا بِالصّغَارِ وَالْجِزْيَةِ فَبُهِتَ الْكَافِرُ وَنَهَضَ مِنْ فَوْرِهِ. وَالْمَقْصُودُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَزَلْ فِي جِدَالِ الْكُفّارِ عَلَى اخْتِلَافِ مِلَلِهِمْ وَنِحَلِهِمْ إلَى أَنْ تُوُفّيَ وَكَذَلِكَ أَصْحَابُهُ مِنْ بَعْدِهِ وَقَدْ أَمَرَهُ اللّه سُبْحَانَهُ بِجِدَالِهِمْ بِاَلّتِي هِيَ أَحْسَنُ فِي السّورَةِ الْمَكّيّةِ وَالْمَدَنِيّةِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَهُمْ بَعْدَ ظُهُورِ الْحُجّةِ إلَى الْمُبَاهَلَةِ وَبِهَذَا قَامَ الدّينُ وَإِنّمَا جَعَلَ السّيْفَ نَاصِرًا لِلْحُجّةِ وَأَعْدَلُ السّيُوفِ سَيْفٌ يَنْصُرُ حُجَجَ اللّهِ وَبَيّنَاتِهِ وَهُوَ سَيْفُ رَسُولِهِ وَأُمّتِهِ..فصل مَنْ عَظّمَ مَخْلُوقًا بِحَيْثُ أَخْرَجَهُ عَنْ مَنْزِلَةِ الْعُبُودِيّةِ الْمَحْضَةِ فَقَدْ أَشْرَكَ: وَمِنْهَا: أَنّ مَنْ عَظّمَ مَخْلُوقًا فَوْقَ مَنْزِلَتِهِ الّتِي يَسْتَحِقّهَا بِحَيْثُ أَخْرَجَهُ عَنْ مَنْزِلَةِ الْعُبُودِيّةِ الْمَحْضَةِ فَقَدْ أَشْرَكَ بِاَللّهِ وَعَبَدَ مَعَ اللّهِ غَيْرَهُ وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِجَمِيعِ دَعْوَةِ الرّسُلِ. وَأَمّا قَوْلُهُ إنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَتَبَ إلَى نَجْرَانَ بِاسْمِ إلَهِ إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوب فَلَا أَظُنّ ذَلِكَ مَحْفُوظًا وَقَدْ كَتَبَ إلَى هِرَقْلَ: بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيم وَهَذِهِ كَانَتْ سُنّتَهُ فِي كُتُبِهِ إلَى الْمُلُوكِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذِهِ الرّوَايَةِ هَذَا وَقَالَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ {طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ} [النّمْلِ 1] وَذَلِكَ غَلَطٌ عَلَى غَلَطٍ فَإِنّ هَذِهِ السّورَةَ مَكّيّةٌ بِاتّفَاقٍ وَكِتَابُهُ إلَى نَجْرَانَ بَعْدَ مَرْجِعِهِ مِنْ تَبُوكَ..جَوَازُ إهَانَةِ رُسُلِ الْكُفّارِ: وَفِيهَا: جَوَازُ إهَانَةِ رُسُلِ الْكُفّارِ وَتَرْكِ كَلَامِهِمْ إذَا ظَهَرَ مِنْهُمْ التّعَاظُمُ وَالتّكَبّرُ فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يُكَلّمْ الرّسُلَ وَلَمْ يَرُدّ السّلَامَ عَلَيْهِمْ حَتّى لَبِسُوا ثِيَابَ سَفَرِهِمْ وَأَلْقَوْا حُلَلَهُمْ وَحُلَاهُمْ..الْمُبَاهَلَةُ سُنّةٌ فِيمَنْ أَصَرّ عَلَى الْعِنَادِ مِنْ أَهْلِ الْبَاطِلِ: وَمِنْهَا: أَنّ السّنّةَ فِي مُجَادَلَةِ أَهْلِ الْبَاطِلِ إذَا قَامَتْ عَلَيْهِمْ حُجّةُ اللّهِ وَلَمْ يَرْجِعُوا بَلْ أَصَرّوا عَلَى الْعِنَادِ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إلَى الْمُبَاهَلَةِ وَقَدْ أَمَرَ اللّهُ سُبْحَانَهُ بِذَلِكَ رَسُولَهُ وَلَمْ يَقُلْ إنّ ذَلِكَ لَيْسَ لِأُمّتِك مِنْ بَعْدِك وَدَعَا إلَيْهِ ابْنُ عَمّهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبّاسٍ لِمَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ بَعْضَ مَسَائِلِ الْفُرُوعِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الصّحَابَةُ وَدَعَا إلَيْهِ الْأَوْزَاعِيّ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ فِي مَسْأَلَةِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَهَذَا مِنْ تَمَامِ الْحُجّةِ.
|