الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **
ووالدته من ذرية شمس الدين الحنفي وهو أخو الشيخ أحمد البكري الصديقي الذي كان متوليًا على سجادتهم ولما مات أخوه لم يلها المترجم لما فيه من الرعونة واتكابه أمورًا غير لائقة بل تولاها ابن عمه السيد محمد أفندي مضافة لنقابة الأشراف فتنازع مع ابن عمه المذكور وقسموا البيت الذي هو مسكنهم بالأزبكية نصفين وعمر منابه عمارة متقنة وزخرفه وأنشأ فيه بستانًا زرع فيه أصناف الأشجار والفواكه فلما توفي السيد محمد أفندي تولى المترجم مشيخة السجادة وتولى نقابة الأشراف السيد عمر مكرم الأسيوطي فلما طرق البلاد الفرنساوية تداخل المترجم فيهم وخرج السيد عمر مع من خرج هاربًا من الفرنساوية إلى بلاد الشام وعرف المترجم الفرنساوية أن النقابة كانت لبيتهم وأنهم غصبوها منه فقلدوه إياها واستولى على وقفها وإبرادها وانفرد بسكن البيت وصار له قبول عند الفرنساوية وجعلوه من أعاظم رؤساء الديوان الذي كانوا نظموه لإجراء الأحكام بين المسلمين فكان وافر الحرمة مسموع الكلمة مقبول الشفاعة عندهم فازدحم بيته بالدعاوي والشكاوي واجتمع عنده مماليك من مماليك الأمراء المصرية الذين كانوا خائفين ومتغيبين وعدة خدم وقواسة ومقدم كبير وسراجين وأجناد واستمر على ذلك إلى أن حضر يوسف باشا الوزير في المرة الأولى التي انتقض فيها الصلح ووقعت الحروب في البلدة بين العثمانية والفرنساوية والأمراء المصرية وأهل البلدة فهجم على داره المتهورون من العامة ونهبوه وهتكوا حريمه وعروه عن ثيابه وسحبوه بينهم مكشوف الرأس من الأزبكية إلى وكالة ذي الفقار بالجمالية وبها عثمان كتخدا الدولة فشفع فيه الحاضرون وأطلقوه بعد أن أشرف على الهلاك وأخذه الخواجا أحمد بن محرم إلى داره وأسكن روعه وألبسه ثيابًا وأكرمه وبقي بداره إلى أن انقضت أيام الفتنة وظهرت الفرنساوية على المحاربين لهم وخرجوا من البلدة واستقر بها الفرنساوية فعند ذلك ذهب إليهم وشكا لهم ما حل به بسبب موالاته لهم فعرضوا عليه ما نهب ورجع إلى الحالة التي كان عليها معهم وكانت داره أخربها النهابون فسكن ببيت البارودي بباب الخرق ثم انتقل منه إلى بيت عبد الرحمن كتخدا القازدغلي بحارة عابدين وجدد بها عمارة وكان له ابنة خرجت عن طورها في أيام الفرنسيس فلما أشيع حضور الوزير والقبودان والإنكليز وظهر على الفرنساوية الخروج من مصر فقتل ابنته المذكورة بيد حاكم الشرطة فلما استقرت العثمانية بالديار المصرية عزل المترجم عن نقابة الأشراف وتولاها السيد عمر مكرم كما كان قبل الفرنساوية ولما حضر محمد باشا خسرو أنهى إليه لكارهون له بأنه مرتكب للموبقات ويعاقر الشراب وغير ذلك وأن ابنته كانت تذهب إلى الفرنسيس بعلمه وأنه قتلها خوفًا وتبرئة لنفسه من الشهرة التي لا يمكنه سترها ولا يقبل عذره فيها ولا التنصل منها وإنه لا يصلح لمشيخة سجادة السادة البكرية وعرفوه أن هناك شخصًا من سلسلتهم يقال له الشيخ محمد سعد وهو من جملة أتباع المترجم ولكنه فقير لا يملك شيئًا ولا دابة يركبها فقال الباشا أنا أواسيه وأعطيه فأحضروه له بعد أن ألبسوه تاجًا كبيرًا وثيابًا وهو رجل مبارك طاعن في السن فألبسه فروة سمور وقدم له حصانًا معددًا وقيد له ألف قرش وسكن دارًا بناحية باب الخرق وتريش حاله وخمل أمر المترجم واشترى دارًا بدرب الجماميز بعطفة الفرن وكان بظاهرها قطعة جنينة فاشتراها وغرس بها أشدارًا وحسنها وأتقنها وبنى له مجلسًا مطلًا عليها وبالأسفل مياطب ولواوين جلوس لطيفة واشترى دارين من دور الأمراء المتقدمينن بظاهر ذلك وهدمهما وبنى بأنقاضهما وأخشابهما وباع ما كان تحت يده من حصص الالتزام وسد بأثمانها ديونه واقتصر على إيراده فيما يخصه من وقف جده لأنه الأستاذ الحنفي وتصدى لمفاقمته وأذيته أنفار من المتظاهرين مثل السيد عمر مكرم النقيب والشيخ محمد وفا السادات وخلافهما حتى أنه كان عقد لابنه سيدي أحمد على بنت المرحوم محمد أفندي البكري فتعصبوا عليه بعد عزله من المشيخة والنقابة وأبطلوا العقد وفسخوا النكاح ببيت القاضي ةتسلط عليه من له دين أو دعوى أو مطالبة حتى بيعوه حصصه وكان قد أشترى مملوكًا في أيام الفرنساوية جميل الصورة فلما حصل له ما حصل ادعى عليه البائع أنه أخذه بدون القيمة ولم يدفع له الثمن فلم يثبت عليه ذلك وكان المملوك ذهب من عنده وتم الأمر والمصالحة على أن عثمان بك المرادي أخذ ذلك المملوك لنفسه وقد تقدم ذكر قصته في الحوادث السابقة ولم يزل المترجم على حالة خموله حتى تحرك عليه داء الفتق ومات على حين غفلة في منتصف شهر ذي الحجة وصلي عليه بمسجد جده لأمه الشيخ شمس الدين أبو محمد الحنفي ودفن عند أسلافه بمشهد السادة البكرية بالقرافة رحمه الله وعفا عنا وعنه. سنة أربع وعشرين ومائتين وألف استهل شهر المحرم بيوم الخميس وفي تلك الليلة أعني ليلة الجمعة ثانيه مرت سحابة سوداء مظلمة في وقت العشاء وحصل فيها رعد مزعج وبرق مستنير شديد اللمعان وأمطرت في محلات قليلًا وفي أخرى كثيرًا ثم انجلت السماء سريعًا فظهرت النجوم وبعد أيام أخبر الواردون من ناحية السماحات بالغربية أنها أمطرت بتلك الناحية في تلك الليلة بردًا كبيرًا وصغيرًا والكبير في مقدار حجر الطاحون والصغير في مقدار بيض الدجاج وتهدمت منها دور وقتلت مواشي وآدمية وأهلكت زروعًا كثيرة. وفي يوم الأحد رابعه قتل الباشا حسين بن الخبيري وهو بترعة الفرعونية وأرسل رأسه إلى مصر فعلقت بباب زويلة. وفي أواخره حضر الباشا من ترعة الفرعونية وقد عجز عن سدها بعد أن بذل جهده وفرض الفرض العظيمة على البلاد وأشغلوا المراكب في نقل الأحجار ليلًا ونهارًا والسيد محمد المحروقي متقيد لذلك ومقيم بمسجد الآثار لتشهيل الحجارين ووسقها بالمراكب وقطعها من الجبل قطعًا وصخورًا فكانوا يشقون الجبل بألغام البارود مثل عمل الإفرنج وظهر في قطعهم كهوف وممغارات وتجاويف وتحدث الناس بذلك بأنواع الأكاذيب والخرافات كقولهم ظهر في الجبل باب من حديد وعليه أقفال ففتحوه ونظروا من داخله أشخاصًا على خيول إلى غير ذلك. وفيه حضر قاصد من قبودان باشا بطلب عوائده بالإسكندرية فقال له حاكم الإسكندرية ينبغي أن تذهب إلى الباشا بالترعة وتقابله فذهب إليه وقابله عند السد فبات تلك الليلة وأصبح ميتًا فأخرجوه إلى المقبرة ثم حضر قاصد آخر يخبر بوصول قابجي وعلى يده مرسومان أحدهما الأخبار عن صلح الدولة مع الإنكليز والموسكوب وانفتاح البحر وأمن المسافرين والثاني الأمر بالسفر والخروج إلى فتح الحرمين وطرد الوهابية عنهما وأن يوسف باشا الصدر السابق المعروف بالمعدن تعين بالسفر للحرمين على طريق الشام وكذلك سليمان باشا والي بغداد متعين أيضًا بالسفر من ناحيته على الدرعية وأحضر للباشا تقريرًا بالولاية مجددًا وخلعة وسيفًا. ودخلت سنة 1224 واستهل شهر صفر بيوم السبت سنة 1224 فيه حضر الآغا الواصل إلى بولاق فركب لملاقاته آغات الينكجرية والوالي وأرباب العكاكيز فأركبوه في موكب ودخلوا به من باب النصر وطلع إلى القلعة وقرؤوا المراسيم بحضرة الجمع وبعد الفراغ من قراءتها ضربوا مدافع وشنكًا. وفي ذلك اليوم غيمت السماء بالسحاب وأمطرت كثيرًا ونزل مطر ببركة الحاج وجدوا فيه سمكًا صغيرًا من جنس السمك الذي يعرف بالقاروص وصار يتنطط على الأرضص وأحضروا منه إلى مصر وشاهدناه وهو في غاية البرودة. وفيه اهتم الباشا بإخراج تجريده إلى الأمراء القبليين وذلك أنه تقدم بالإرسال إليهم يطالبهم بالغلال والأموال الميرية المرار العديدة ويعدون ولا يوفون ووصل إليه من عندهم رضوان كتخدا البرديسي وهو بالترعة ومعه أجوبة وهدية وفيها خيول وجوار وعبيد وسكر وخصيان فاغتاظ الباشا من قال أنا لست أطلب إحسانهم وصدقاتهم حتى أنهم يضحكون على ذقني بهذه الأمور وحيث أنهم لا يرجعون عن الكامن في رؤوسهم فلا بد من خروجي إليهم ومحاربتهم وأرسل إلى من بمصر من الأكبر يأمرهم بالبراز والخروج فخرج حسن باشا وصالح آغا قوج وطاهر باشا وأحمد بك والكثير من أعيانهم بعساكرهم وعدوا إلى بر الجيزة ونصبوا وطاقهم وخيانهم ثم أن رضوان كتخدا لم يزل يلاطفه حتى توافق معه على وعد مقدار مسافة ذهاب الجواب ورجوعه أيامًا معدودة فلما حضر من الترعة أخذ في التشهيل والخروج فانتقلت العساكر إلى البر الغربي وأخذ يستحث في المطلوبات وخروج الخيام وجمع المراكب وسافر قبودان بولاق إلى جهة بحري لجمع المراكب وفرضوا على القرى غلالًا وجمالًا وذلك في عقب ما فرضه عليهم في مهمات الترعة المتقدمة وخلافها من بشارة القبطان والتقرير وما في ضمن ذلك من حق طرق المباشرين والمعينين مع ما الناس فيه من القحط والغلاء في الغلال وغيرها وعدم وجود الغلة والذين لا يقدرون على تحصيل الغلة يلزمونهم بدفع ثمنها بأقصى القيمة بعد مصانعة المباشرين لذلك وإعطائهم الرشوات وحضر أيضًا نعمان سراج باشا من عند إبراهيم بك وقابل الباشا على الترعة فلم ينفع حضوره أيضًا ولم يسمع له قول ورجع مزيفًا. وفي خامسه حضر علي بك أيوب وصحبته آخر يقال له رضوان بك البرديسي فطلعا إلى القلعة وتقابلا مع الباشا وانخضع له علي بك أيوب وقبل رجله وترجى عنده في عدم خروج التجريدة وكلمه في أمر الغلال المنكسرة والجديدة وعلى أنهم يقومون بدفع الغلال القديمة بالثمن والجديدة بالكيل وليس عندهم مخالفة والقصد الإمهال إلى حصاد الغلال فقال أنهم إذا حصدوا الغلال أخذوها وفروا إلى الجبال واستمر هذا القيل والقال نحو أربعة أيام ثم أشيع في ثامنه الصلح وفرح الناس واستبشروا بذلك لما يترتب وما يحصل من الفساد وأكل المزروعات وخراب البلدان فإنهم أكلوا في الأربعة أيام التي ترددوا فيها بالجيزة نيفًا وخمسمائة فدان ولما أشيع بالجهة القبلية خروج العساكر للتجريدة انزعجوا وأيسوا من زروعاتهم وخرجوا من أوطانهم على وجوههم لا يدرون أين يذهبون بأولادهم ونسائهم وقصاعهم وتفرقوا في مصر والبلاد البحرية. وفي صبحها أعيد أمر التجريدة وأشيع خروج العساكر ثانيًا فانقبضت النفوس ثانيًا وباتوا في نكد وطلبت السلف من المساتير والملتزمين وكتبت الدفاتر وحولت الأكياس وانبثت المعينون للطلب. وفي عاشره بطل أمر التجريدة وانقضى أمر الصلح على شروط وهي أنهم التزموا بثلث ما عليهم من غلال الميري وقدره مائة ألف أردب وسبعة آلاف أردب بعد مناقشات ومحققات والذي تولى المناقشات معهم مساعدًا للباشا شاهين بك الألفي والموعد أحد وثلاثون يومًا وسافر علي بك أيوب ورضوان بك البرديسي وأكرمهما الباشا وخلع عليهما. وفي حادي عاشره قتل الباشا مصطفى آغا تابع حسن بك في قصبة رضوان ظلمًا وسبب ذلك أنه لما نزل قبودان لجمع المراكب المطلوبة لسفر التجريدة فصادف شخصًا من الأرنؤد الذين يتسببون في بيع الغلال في مركب ومعه غلة وذلك عند قرية تسمى سهرجت فحجزه ليأخذ منه السفينة فقال كيف تأخذها وفيها غلتي قال أخرج غلتك منها على البر واتركها فإنه مطلوبة لمهمات الباشا فلم يرض وخاف على تبددها ولم يجد سفينة أخرى لأن جميع السفن مطلوبة مثلها وقال له عندما أصل بها إلى مصر وأنقل منها الغلة أرسل معي من يأخذها فقال القبودان لا سبيل إلى ذلك وتشاجرا فحنق القبودان على الأرنؤدي وسل عليه سيفه ليضربه فعاجله الأرنؤدي وضربه بالطبنجة فقتله فأراد أتباع القبودان القبض عليه ففر منهم إلى البلدة وبها جماعة من الدلاة معينون لقبض الفرضة فالتجأ إليهم فمانعوا عنه وتنازع الفريقان وكان مصطفى آغا المذكور ملتزم البلدة هناك وغائبًا في بعض شؤونه فبلغه الخبر فحضر إليهم وخاف من وقوع قتل أو شر يقع بالبلدة فيكون سببًا لخراب الناحية فقال يا جماعة اذهبوا بنا إلى الباشا ليرى رأيه فرضوا بذلك وحضر بصحبتهم والقاتل معهم وطلعوا إلى ساحل بولاق فعندما وصلوا إلى البر هرب القاتل وذهب عند عمر بك الأرنؤدي الساكن ببولاق فتبعه الأمير مصطفى المذكور فقال له عمر بك اذهب إلى الباشا وأخبره أنه عندي وأنت لا بأس عليك ففعل فقال له الباشا ولأي شيء لم تحتفظ عليه وتتركه حتى يهرب فاعتذر بعدم قدرته على ذلك من الدلاتية الملتجئ إليهم وكأنهم هم الذين أفلتوه فأمر بحبسه فأرسل إلى عمر بك فحضر إلى الباشا وترجى في إطلاقه فوعده أنه في غد يطلقه إذا حضر القاتل فقال أنه عند أزمير آغا وهو لا يسلم فيه وركب إلى داره فلما كان في الصباح أمر بقتل الأمير مصطفى المذكور فأنزلوه إلى الرميلة ورموا رقبته عند باب القلعة ظلمًا. وفي صبحها أيضًا قتلوا شخصًا من الدلاة بسبب هذه الحادثة. وفي ثاني يوم قتل الأرنؤد شخصين من الدلاة أيضًا. وفي يوم الخميس ثالث عشره أرسل الباشا وطلب الأرنؤدي القاتل للقبودان من عمر بك وشدد في طلبه وقال إن لم يرسله وإلا أحرقت عليه داره فامتنع من إرساله وجمع إليه طائفة من الأرنؤد وصالح آغا قوج جاره وركب الباشا وذهب إلى ناحية الشيخ فرج وحصل ببولاق قلقة وانزعاج ثم ركب الباشا راجعًا إلى داره بالأزبكية وقت الغروب وكثرت الأرجاف والقلقة بين الأرنؤد والدلاتية. وفي خامس عشره قتل الأرنؤد شخصين من الدلاتية أيضًا جهة قناطر السباع ثم أن القاتل الذي قتل القبودان التجأ إلى كبير من كبار الأرنؤد فأرسل الباشا إلى حسن باشا يطلب منه ذلك الكبير وأكد في طلبه أو أنه بقطع رأس القاتل ويرسلها فكأنه فعل وأرسل إليه برأس ملفوفة في ملاية تسكينًا لحدته وبردت القضية وسكنت الحدة وراحت على من راحت عليه. وفي أواخره أمر الباشا بتحرير دفاتر فرضة الأطيان وزادوا فيها عن عام الشرقي الماضي الثلث وربطوها ورتبوها أربع مراتب تزيد كل ضريبة عن الأخرى مائة نصف فضة أعلاها يبلغ ثمانمائة نصف فضة على أن الفرضة الماضية بقي الكثير منها بالذمم لخراب القرى وعجزهم واختلى لتنظيم ذلك من الأفندية والأقباط بجهات متباعدة الأفندية بربع أيوب ببولاق والأقباط بدير مصر العتيقة حتى حرروا ذلك وتمموه ورتبوه في عد أيام ووقع الطلب في جانب معجلًا سموه الترويجة. وفيه أمر الباشا عمر بك الأرنؤدي بالسفر من مصر وقطع خرجه وراتبه هو وعسكره فلم تسعه المخالفة وحاسب على المنكسر له ولعسكره من العلائف وكذلك حلوان البلاد التي في تصرفه فبلغ نحو ستمائة كيس وزعت على دائرة الباشا وخلافهم وكان الباشا ضبط جملة من حصص الناس واستولى عليها من بلاد القليوبية بحري شبرا واختصها لنفسه فلما استولى على حصص عمر بك ودفع حلوانها وهي بالمنوفية والغربية والبحيرة عوض بعض من يراعي جانبه من ذلك وأخذ عمر بك ومن يلوذ به في تشهيل أنفسهم وقضاء حوائجهم. واستهل شهر ربيع الأول سنة 1224 فيه شرع السيد عمر مكرم نقيب الأشراف في عمل مهم لختان ابن ابنته ودعا الباشا والأعيان وأرسلوا إليه الهدايا والتعابي وعمل له زفة يوم الاثنين سادس عشره مشى فيها أرباب الحرف والعربات والملاعيب وجمعيات وعصب صعايدة وخلافهم من أهالي بولاق والكفور والحسينية وغيرها من جميع الأصناف وطبول وزمور وجوع كثيرة فكان يومًا مشهودًا اكتريت فيه الأماكن للفرجة وكان هذا الفرح هو آخر طنطنة السيد عمر بمصر فإنه حصل له عقيب ذلك ما سيتلى عليك قريبًا من النفي والخروج من مصر. وفيه كمل سد ترعة الفرعونية واستمر العمل فيها وفي تأييد السد بالأحجار والمشمعات والأتربة نحو ستة أشهر وصرف عليها من الأموال ما لا يحصى وجرى مجرى البحر الشرقي وغزر ماؤه وجرت فيه السفن من دمياط بعد أن كان مخاضة وملحت عذوبة النيل بما انعكس فيه وخالطه من ماء البحر الملح إلى قبلي فارس كور وأقام بالسد عمر بك تابع الأشقر لخفارته وتعهد الخلل وكتم الجسر من النشع والتنفيس وسكن هناك ولم يفارقه واستمر في هذه الوظيفة والخدمة ولم يقم بمصر. وفي هذا الشهر وما قبله تشحطت الغلال وغلا سعرها حتى بلغ الأردب القمح ألفًا وستمائة نصف فرضة وعز وجوده بالرقع والعرصات وأما السواحل فلا يكاد يوجد بها شيء من الغلة بطول السنة ولولا لطف الله بوجود الذرة لهلكت الخلائق ومع ذلك استمرار المغارم والفرض حتى فرض الغلة عين وكذلك تبن وجمال وما ينضاف إلى ذلك مما سمعته غير مرة مما يطول شرحه. وليه نودي على صرف الفراسة والمحبوب والمجر كما نودي في العام الماضي لأنه لما نودي بنقص صرفها ومضى نحو الشهر أو الشهرين رجع الصرف إلى ما كان عليه وزيادة فأعيد النداء كذلك وسيعود الخلاف ما دام الكرب والضيق بالناس على أن هذه المناداة والأوامر بالنقص والزيادة ليست من باب الشفقة على الناس ولا الرحمة وإنما هي بحسب أغراضهم وزيادة طمعهم فإنه إذا توجهت المطالبات بالفرض والمغارم نودي بالنقص ليزيد الفرط وتتوفر لهم الزيادة ويحصل التشديد والمعاقبة على من يقبض بالزيادة من أهل الأسواق وإذا كان الدفع من خزانتهم في علائف العسكر أو لوازمهم الكبيرة قبضوها بأزيد من الزيادة التي نادوا عليها من غير مبالاة ولا احتشام تناقض ما لنا إلا السكوت عنه. وفي أواخره تواجدت الغلال وانحل سعرها وحضر الفلاحون ببداري الغلة وانحط السعر والحمد لله. واستهل شهر ربيع الثاني سنة 1224 في سادسه وردت مراسيم من الروم وبشارة بمولودة ولدت للسلطان وسموها فاطمة وفي المراسيم الأمر بالزينة فاقتضى الرأي أن يعملوا شنكًا ومدافع من القلعة تضرب في الأوقات الخمسة سبعة أيام وهذا شيء لم يسمع بمثله فيما سبق أن يعملوا للأنثى شنكًا أو زينة أو يذكر ذلك مطلقًا وإنما يعمل ذلك للمولود الذكر من بدع الأعاجم. وفي يوم الثلاثاء ثامنه حضر من الأمراء المصريين القبالي مرزوق بك ابن إبراهيم بك وسليم آغا مستحفظان وقاسم بك سلحدار مراد بك وعلي بك أيوب حسب الاتفاق المتقدم في تقرير الصلح ولكن لم يكن سليم آغا مذكورًا في الحضور بل كان منجمعًا وممتنعًا عن التداخل في هذه الأحوال والسبب في حضوره أن زوجته توفيت من نحو نصف شهر فحضر لأجل تركتها ومتاعه إلى عندها وحصصها ولما حضر وجد الباشا استولى على ذلك وأخذ المتاع والمصاغ والجواهر والعقار وأخذ الحصص وأخذ حلوانها وذلك بيد محمود بك الدويدار فلما حضر سليم آغا لم يجد شيئًا لا دار ولا عقار ولا نافخ نار فنزل عند علي بك أيوب بمنزله بشمس الدولة فحضر إليه محمود بك الدويدار والترجمان وأخذ بخاطره وطمناه وأخبراه أن الباشا سيعوض عليه ما ذهب منه وزيادة وزرعا له فوق السطوح فلم يسعه إلا التسليم. وفيه سقط سقف القصر الذي أنشأه الباشا بشبرا وشرعوا في تعميره ثانيًا. وفيه وصل الخبر بحضور زوجة الباشا أم أولاده وابنه الصغير واسمه إسماعيل وابن بونابارته الخازندار وكثير من أقاربهم وأهاليهم حضر الجميع من بلدهم قوله إلى الإسكندرية فإنهم لما طابت لهم مصر واستوطنوها وسكنوها وتنعموا فيها أرسلوا إلى أهاليهم وأولادهم وأقاربهم بالحضور فكانوا في كل وقت يأتون أفواجًا أفواجًا نساء ورجالًا وأطفالًا فلما وصل خبر وصولهم إلى اسكندرية سافر لملاقاتها ابنها إبراهيم بك الدفتردار وذلك حادي عشره. وفي ثالث عشره حضر المذكور قبل حضور الواصلين ولما وصلوا نزل الباشا لملاقاتهم إلى بولاق. وفي يوم الاثنين رابع عشره نبهوا على جميع النساء والخوندات وكل من كانت لها اسم في الالتزام أن يركبن بأسرهن ويذهبن إلى ملاقاة امرأة الباشا ببولاق وذلك صبح يوم الأربعاء واعتذرت الست نفيسة المرادية بأنها مريضة ولا تقدر على الحركة والخروج فلم يقبلوا لها عذرًا فلما كان صبح يوم الأربعاء اجتمع السواد الأعظم من النساء بساحل بولاق على الحمارة المكارية وهم أزيد من خمسمائة مكاري حتى ركبت زوجة الباشا وساروا معها إلى الأزبكية وضربوا لوصولها وحلولها بمصر عدة مدافع كثيرة من القلعة والأزبكية ثم وصلت الهدايا والتقادم وأقبلت من كل ناحية الهدايا المختصة بالأولاد والمختصة بالنساء. واستهل شهر جمادى الأولى سنة 1224 في ثالثه يوم السبت نزل عمر بك الأرنؤد إلى المراكب من بيته من بولاق وسافر على طريق دمياط ليذهب إلى بلاده وسافر معه نحو المائة وهم الذين جمعوا الأموال واجتمع لعمر بك المذكور من المال والنوال أشياء كثيرة عبأها في صناديق كثيرة وأخذها معه وذلك خلاف ما أرسله إلى بلاده في دفعات قبل تاريخه. وفي يوم الخميس خامس عشره سافر علي بك أيوب وسليم آغا مستحفظان إلى ناحية قبلي وفيه طلب الباشا ألف كيس من لمعلم غالي وألزمه بها فوزعها على المباشرين والكتبة وجمعها في أقرب زمن. وفيه حضر سلحدار الوزير يوسف باشا وعلى يده مرسوم مضمونه طلب ما كان أحدثه حين كان بمصر على أوراق الإقطاعات والفراغات وتقاسيط الالتزام الذي سموه قصر اليد وخرج القلم وجعل إيراد ذلك لنفسه فأرسل يطلب ذلك من تاريخ سنة 1217 سبعة عشر ومائتين وألف إلى وقت تاريخه حسب قدر ذلك فبلغ نيفًا وأربعة آلاف كيس. وفيه شرعوا في تحرير دفتر بنصف فائظ الملتزمين ودفتر آخر بفرض مال على الرزق الإحباسية المرصدة على المساجد والأسبلة والخيرات وجهات البر والصدقات وكذلك أطيان الأوسية المختصة أيضًا بالملتزمين وكتبوا مراسيم إلى القرى والبلاد وعينوا بها معينين وحق طرق من طرف كشاف الأقاليم بالكشف على الرزق المرصدة على المساجد والخيرات وتقدموا إلى كل متصرف في شيء من هذه الأطيان وواضع عليها يده بأن يأتي بسنده إلى الديوان ويجدد سنده ويقوى بمرسوم جديد وإن تأخر عن الحضور في ظرف أربعين يومًا يرفع عنه ذلك ويمكن منه غيره وذكروا في مرسوم الأمر علة وحجة لم يطرق الأسماع نظيرها بأنه إذا مات السلطان أو عزل بطلت تواقيعه ومراسيمه وكذلك نوابه ويحتاج إلى تجديد تواقيع من نواب المتولي الجديد ونحو ذلك ثم ليعلم أن هذه الإرصادات والأطيان موضوعة من أيام الملك الناصر يوسف صلاح الدين الأيوبي في القرن الخامس من مصاريف بيت المال ليصل إلى المستحقين بعض استحقاقهم من بيت المال بسهولة ثم اقتدى به في ذلك الملوك والسلاطين والأمراء إلى وقتنا هذا فيبنون المساجد والتكايا والربط والخوانق والأسبلة ويرصدون عليها أطيانًا يخرجونها من زمام أو سيتهم فيستغل أخراجها أو غلالها لتلك الجهة وكذلك يربطون على بعض الأشخاص من طلبة العلم والفقراء على وجه البر والصدقة ليتعيشوا بذلك ويستعينوا به على طلب العلم وإذا مات المرصد عليه ذلك قرر القاضي أو الناظر خلافه ممن يستحق ذلك وقيد اسمه في سجل القاضي ودفتر الديوان السلطاني عند الأفندي المقيد بذلك الذي عرف بكاتب الرزق فيكتب له ذلك الأفندي سندًا بموجب التقرير يقال له الإفراج ثم يضع عليه علامته ثم علامة الباشا والدفتردار ولكل إقليم من الأقاليم القبلية والبحرية دفتر مخصوص عليه طرة من خارج مكتوب فيها اسم ذلك الإقليم ليسهل الكشف والتحرير والمراجعة عند الاشتباه وتحرير مقادير حصص أرباب الاستحقاقات ولم يزل ديوان الرزق الأحباسية محفوظًا مضبوطًا في جميع الدول المصرية جيلًا بعد جيل لا يتطرفه خلل إلا ما ينزل عنه أرباب لشدة احتياجهم بالفراغ لبعض الملتزمين بقدر من الدراهم معجل ويقرر للمفرغ على نفسه قدرًا مؤجلًا دون القيمة الأصلية في نظير المعجل الذي دفعه للمفرغ ويسمونها حينئذ داخل الزمام لم تزل على ذلك بطول القرون الماضية وتملك الفرنساوية الديار المصرية فلم يتعرضوا الشيء من ذلك ولما حضر شريف أفندي الدفتردار بعد دخول يوسف باشا الوزير ووجه الطلب على الملتزمين بأن يدفعوا للدولة حلوانًا جديدًا على النظام والنسق الذي ابتدعوه للتحيل على تحصيل المال بأي وجه زاعمين أن أرض مصر صارت دار حرب بتملك الفرنساوية وأنهم استنقذوها منهم واستولوا عليها باستيلاء جديد وصارت جميع أراضيها ملكًا لهم فمن يريد الاستيلاء على شيء من أرض وغيرها فليشتره من نائب السلطان بمبلغ الحلوان الذي قدروه واطلعوا عليه على التقاسيط وفي بعضها ما رفع عنه الميري الذي يقبض للخزينة بإذن الولاة بعد المصالحات والتعويض من المصاريف والمصارف الميرية كالعلائف والغلال والبعض تمم ذلك بمراسيم سلطانية كما يقولون شريفة بحيث يصير الالتزام مثل الرزق الأحباسية ويسمونه خزينة بند ومنهم من أبقى على التزامه شيئًا قليلًا سموه مال الحماية فلم يسهل بهم إبطال ذلك بل جعل عليها الدفتردار الميري الذي كان مقيدًا عليها أو أقل أو زيد بحسب واضع اليد وإكرامه إن كان ممن يكرم وضمه إلى مال الحماية الأصلي أو المستجد فقط وضيع على الناس سعيهم وما بذلوه من مرتباتهم وعلائفهم التي وضعوها وقيدوها في نظير جعلها بند كما ذكر تقي لكتابة الإعلامات عبد الله أفندي رامز القبودان وقاضي باشا وسمي في ذلك الوقت بكاتب الميري وتوجه نحوه الناس لأجل كتابة الإعلامات لثبوت رزقهم الأحباسية وتجديد سنداتها فتعنت عليهم بضروب من التعنت كأن يطلب من صاحب العرضحال إثبات استحقاقه فإذا ثبت له لا يخلو إما أن يكون ذلك بالفراغ أو المحلول فيكلفه إحضار السنجات وأوراق الفرآغات القديمة فربما عدمت أو بليت لتقادم السنين أو تركها واضع اليد لاستغنائه عنها بالسند الجديد أو كان القديم مشتملًا على غير المفروغ عنه فيخصم بهامشه بالمنزول عنه ويبقى القديم عند صاحب الأصل فإن أحضره إليه تعلل بشيء آخر واحتج بشبهة أخرى فإذا لم يبق له شبهة طالبه بحلوانها عن مقدار إيرادها ثلاث سنوات وإلا فخمس سنوات وذلك خلاف المصاريف فضج الناس واستغاثوا بشريف أفندي دفتردار فعزل عبد الله أفندي رامز المذكور عن ذلك وقيد أحد كتابه الإعلامات وقرر على كل فدان عشرة أنصاف فضة فما دونها يرسمها في السند الجديد وجعلها مال حماية وأوهم الناس أن مال الحماية يكون زيادة في تأكيد الأحباس وحماية له من تطرق الخلل فاستسهل الناس ذلك وشاع في الإقليم المصري فأقبل الناس من البلاد القبلية والبحرية لتجديد سنداتهم فطفقوا يكتبون السندات على نسق تقاسيط الالتزام لا على الوضع القديم ويعلم عليها الدفتردار فقط وأما الصورة القديمة فكانت تكتب في كاغد كبير بخط عربي مجرد وعليها طرة بداخلها اسم والي مصر وممهورة بختمه الكبير وعليها علامة الدفتردار وبداخلها صورة أخرى تسمى التذكرة مستطيلة على صورة التقسيط الفرمة ممهورة أيضًا وعليها العلامة والختم وهي متضمنة ما في الكبيرة وعلى ذلك كان استمرار الحال في هذا الأوان من قرون خلت ومدد مضت. وفيه أيضًا حرروا دفتر الإقليم البحيرة بمساحة الطين الري والشارقي وأضافوا إليه طين الأوسية والرزق وكتبوا بذلك مناشير وأخرج المباشرون كشوفاتها بأسماء الملتزمين فضج الناس واجتمعوا إلى مشايخ الأزهر وتشكوا فوعدوهم بالتكلم في شأن ذلك بعد التثبت. وفيه قبض آغات التبديل على شخص من أهل العلم من أقارب السيد حسن البقلي وحبسه فأرسل المشايخ يترجون في إطلاقه فلم يفعل وأرسله إلى القلعة. وفيه سعى محمد أفندي طبل ناظر المهمات لصديقه السيد سلامة النجاري عند الباشا في العام ووظيفة وسبب ذلك أن المذكور أرسل جملة طاقات من الأقمشة الهندية الغريبة المقصبة وغيرها وحصانًا من أعظم خيول المصريين كان اشتراه منهم هدية إلى محمد أفندي المذكور فاقتضت مروءته أنه أخذها وقدمها للباشا وقال له أن السيد سلامة أحضر هذه الهدية لأفندينا شكرًا لأنعامه السابق عليه فقبلها الباشا وأنعم عليه بعشرة أكياس وأمر محمد أفندي بأن يجعله في وظيفة معه.
|