الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **
الذي تولى المشيخة بعده وألبسه خلعة وتاجًا وجعله وكيلًا عنه في نقابة الأشراف وأركبه فرسًا بعباءة وأرسله إلى الباشا صحبة سيدي محمد المعروف بأبي دفية وأمامه جاويشية النقابة على العادة فلما دخلا إلى الباشا وعرفه المرسول بأن عمه أقامه وكيلًا عنه فقال مبارك فأشارك إليه أن يلبسه خلعة فقال ان موكله ألبسه ولم يتقلدها بالأصالة ولو كنت قلدته أنا كنت أخلع عليه وألبسه فقال ونزل إلى داره التي أسكنه بها عمه وهي الدار التي عند المشهد الحسيني وحضر إليه الناس للسلام والتهنئة وفي هذه السنة أيضًا عن للمترجم أن يزيد في المسجد الحسيني زيادة مضافة لزيادته الأولى التي كان زادها في سنة ست ومائتين وألف فهدم الحائط التي كان بناها الجنوبية وأدخل القطعة التي كان عمل بها الميضاة وزاد باكية أخرى وصف عواميد وصارت مع القديمة ليوانًا جديدًا وشرع في بناء دار عظيمة لينزل فيها وقت مجيئه هناك في أيام المولد وغيره عوضًا عن الدار التي نزل عنها لابن أخيه فتكون هذه بعيدة عن روائح الميضاة القديمة وتكون بالشارع وتمر من تحتها مواكب الأشاير ولا يحتاجون إلى تعديهم المسجد ودخولهم من طريق باب القبة وجعل بالحائط الفاصل بين الزيادة والدار المستجدة شبابيك مطلة على المسجد لينظر منها المجالس والوقودات من يكون بالدار من الحريم وغيرهم فما هو إلا وقد قرب إتمام ذلك إلا وقد زاد به الإعياء والمرض وانقطع عن النزول من الحريم وتمت الزيادة ولم يبلق إلا إتمام الدار فيستعجل ويشتم المشد والمهندس وينسب إليهم إهمال استحثاث العمال ويقول قد قرب المولد ولم تكمل الدار فأين نجلس أيام المولد هذا كل يوم يزيد مرضه وتورمت قدماه وضعف عن الحركة وهو يقول ذلك ويؤمل الحياة فلما زاد به الحال وتحقق الرحيل إلى مغفرة المولى الجليل أوصى لأتباعه بدارهم ولذي الفقار الذي كان كتخدا الألفي والآن في خوالة بستان الباشا الذي بشبرا بخمسمائة ريال لكون زوجته خشداشة حريمه هما من جواري إسمعيل بك الكبير وليكون معينًا لها ومساعدًا في مهماتها ولسيدي محمد أبي دفية مثلها في نظير خدمته وتقيده وملازمته له وأوصى أن لا يغسل إلا على سريره الهندي الذي كان ينام عليه في ليكون مخالفًا للناس حتى في حال الموت فلما كان يوم الأحد ثامن عشر ربيع الأول من السنة انقضى نحبه وتوفي إلى رحمة الله تعالى وقت العصر وبات بالمنزل ميتًا فلما أصبح يوم الاثنين غسل وكفن كما أوصى على السرير وخرجوا بجنازته من المنزل ووصلوا بها إلى الأزهر فصلى عليه بعد ما أنشد المنشد مرثية من إنشاء العلامة الشيخ حسن العطار وجعل براعة استهلالها الإشارة إلى ما كان عليه المترجم من التعاظم والتفاخر فقال: سلام على الدنيا فقد ذهب الفخر ثم حمل إلى مشهد أسلافه بالقرافة ودفن في التربة التي أعدها لنفسه بجانب مقام جدهم وتقلد مشيخة سجادتهم في ذلك اليوم الشيخ أحمد بن الشيخ يوسف وهو ابن عمه وعصبته وكنيته أبو الإقبال بإجماع من الخاص والعام وجلس هو وأخوه سيدي يحيى لتلقي العزاء وفي الصباح حضر إلى الرباط بالخرنفش وكان بزاوية الرباط المذكور خلوة جدهم أقام بها حين حضر من الغرب إلى مصر وعادتهم إذا تولى شخص منهم المشيخة لا بد أن يأتي في الصباح ويدخل الخلوة فيجلس بها حصة لطيفة فيتروحن وتلبش الولاية فلما كان المترجم هدم حائط تلك الخلوة زاعمًا أنه خاتمة أوليائه وأنه لم يأتي من يصلح للمشيخة سواه وكأنه أخذه بذلك عهدًا وميثاقاُ ولم يعلم أن ربه لم يزل خلاقًا وأن الولاية ليست بفعل العبد ولا بالسعي والقصد قال تعالى في محكم آياته الله أعلم حيث يجعل رسالاته وقال سبحانه إلا أن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون وإن أولياءه إلا المتقون نسأله التوفيق والهدايا والحفظ على أسباب الغواية ولما كان القديمة حضر المتولي وصحبته أشياخ الوقت والسيد محمد المحروقي وجماعة الحزب وغيرهم من المتفرجين وقد جعلوا على محل الخلوة سائرًا بدل الحائط المهدوم ودخل المتولي خلفها وقرأ جماعة الحزب شيئًا من القرآن ثم قام النقيب مع الشيخ البكري فتلقوا الشيخ فخرج على الحاضرين متطيلسًا وصافحهم وركب بصحبتهم إلى القلعة فخلع عليه كتخدا بك خلعة سمور ونزلوا إلى زاويتهم بالقرافة وأمامهم جماعة الحزب وجاويشية النقابة فجلسوا حصة وقرؤوا أحزابهم ثم ركب ورجع إلى المنزل وجلس مع أخيه لعمل المأتم والقراءة الجمعية على العادة وأرسل كتخدا بك ساعيًا يخبر موته إلى الباشا بالفيوم لأنه لما سافر إلى جهة قبلي ووصل إلى ناحية بني سويف ركب بغلة سريعة العدو وركب خلفه خواصه بالهجن والبغال فوصلها في أربع ساعات وانقطع أكثر المتوجهين معه ومات منهم سبعة عشر هجينًا رجع الساعي بعد ثلاثة أيام بجواب الرسالة ومضمونها عدم التعرض لورثة المتوفي حتى يقدم الباشا من غيبته فبقي الأمر على السكوت أربعة عشر يومًا وحضر الباشا ليلة الأحد ثامن ربيع الآخر فبمجرد وصوله إلى الجيزة أرسل بالختم على منزلهم فما يشعرون إلا وحسين كتخدا الكتخدا بك وبيت المال واصل إليهم ومعهم آخرون فختموا على المجالس التي بالحريم ومجلس الجلوس الرجالي ختموا على خزائنه وقبضوا على الكاتب القبطي المسمى عبد القدوس والفراش وحبسوهما وعدى الباشا من ليلته إلى بر مصر وطلع إلى القلعة فركب إليه في صبحها المشايخ وصحبتهم ابن أخي المتوفي وهو الذي تولى المشيخة فخاطبوه وقالوا له كلامًا معناه أن بيوت الأشياخ مكرمة ولم تجر العادة بالختم على أماكنهم وخصوصًا أن هذا المتوفي كان عظيمًا في بابه وأنتم أخبر به وكان لكم به مزيد عناية ومراعاة فقال نعم أني لا أريد إهانة بيتهم ولا أطمع في شيء مما يتعلق بمشيختهم ولا وظائفهم القديمة ولا يخفاكم أن المتوفي كان طماعًا وجماعًا للمال وطالت مدته وحاز التزامات وإقطاعات وكان لا يحب قرابته ولا يخصهم بشيء بل كتب ما حازه لزوجته وهي جارية نهاية ثمنها ألفا قرش أو أقل أو أكثر ولم يكتب لأولاد أخيه شيئًا فلا يصح أن أمه تختص بذلك كله والخزينة أولى به لاحتياجات مصاريف العساكر ومحاربة الخوارج واستخلاص الحرمين وخزينة السلطان وأنا أرفع الختم رعاية لخواطركم فدعوا له وقاموا إلى مجلس الكتخدا وخلع على الشيخ المتولي فروة سمور أخرى قلد السيد محمد الدواخلي نقابة الأشراف وخلع عليه فروة سمور عوضًا عن سيدي أحمد أبي الإقبال المتولي على خلافة السادات فانفصل من النقابة ونزلت الجاويشية ولوازم النقابة مثل باش جاويش والكاتب أما الدواخلي وخلفه وقلد السيد المحروقي نظارة المشهد الحسيني عوضًا عن المتوفي وكان فراغ بها لابن أخيه فلم ينفذ الباشا ذلك وفي ثاني يوم حضر الأعوان إلى بيت السادات وفكوا الختوم وطلبوا سقاء الحريم فأخذوه معهم وأوجعوه بالضرب وأحضروا البناء وسألوهما عن محل الخبايا ثم رجعوا إلى المنزل ففتحوا مخبأة مسدودة بالبناء فوجدوا بها قوالب مساند قطيفة غير محشوة ووجدوا نحاسًا وقطنًا وأواني صيني فتركوا ذلك وذهبوا وأبقوا بالدار عدة من العسكر فباتوا بها ثم رجعوا في ثالث يوم وفتحوا مخبأة أخرى فوجدوا بها أكياسًا مربوطة فظنوا بداخلها المال ففتحوها فوجدوا بها بن قهوة وبغيرها صابون وشموع عسل ولم يجدوا شيئًا من المال فتركوا تلك الأشياء ونزلوا إلى قاعة جلوسه وفتحوا خزانة فوجدوا بها نقودًا فعدوها وحصروها فبلغت مائة وسبعة وعشرين كيسًا فأخذوها ثم سعى السيد محمد المحروقي في مصالحة الباشا حتى قرر عليهم ألف كيس وخمسين كيسًا وخمسة أكياس براني لبيت المال وخصموا منها الذي وجدوه بالخزانة وطولبوا بالباقي وذلك بعد التشديد والتهديد على الزوجة وتوعدها بالتغريق في البحر إن لم تظهر المال وأمر الكاتب بحساب إيراده ومصرفه في كل سنة وما صرفه في الأبنية وينظر ما يتبقى بعد ذلك في مدة سنين ماضية فلم يزل السيد محمد المحروقي يدافع ويسعى حتى تقرر القدر المذكور والتزم هو بدفعه وحولت عليه الحوالات وضبط الباشا حصص الالتزام التي كتبت باسم الزوجة ومنها قلقشندة بالقليوبية وسوادة ودفرانية بالجهة القبلية وغير ذلك وبعد انقضاء عدة الزوجة استأذن السيد المحروقي الباشا في عقد نكاحها على ابن أخي المتوفي الذي هو السيد أحمد أبو الإقبال الذي تولى خلافة بيتهم فأذن بذلك فحضر في الحال وأجرى العقد بعد أن حكمت عليه بطلاق التي في عصمته وهي جاريتها زوجته في حياة عمه ورزق منها أولاد واستقر المشار إليه في المنزل خليفة وشيخًا على سجادتهم وسكن معه أخوه سيدي يحيى زادهما الله توفيقًا وخيرًا واتفاقًا وأشرق نجم المتصدر على أفق السعادة إشراقًا فهو أبو الإقبال المتحلي بالجمال والكمال في المهد ينطق عن سعادة جده أثر النجابة واضح البرهان أن الهلال إذا رأيت نموه أيقنت إن سيزيد في اللمعان. ومات الشيخ الناسك محمد بن عبد الرحمن اليوسي المغربي ورد إلى مصر وحج ورجع ونزل بدار الحاج مصطفى الهجين العطار منجمعًا عن خلطة الناس والسعي على طريقة حميدة ومذاكرة حسنة ويأتي إليه الناس يزورونه ويتبركون به ويسألونه الدعاء ويستفهمون منه مسائل فجيب كل إنسان بما ينسر منه بتواضع وانكسار وتزهيد في الدنيا وتمرض سنينًا وتوفي يوم الثلاثاء عشرين المحرم وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل ودفن بجانب الخطيب الشربيني بتربة المجاورين وهي القرافة الكبرى. ثم دخلت سنة تسع وعشرين ومائتين وألف استهل المحرم بيوم الجمعة فيه في ليلة الجمعة ثامنه وردت مكاتبات من الديار الحجازية وفيها الأخبار بأن الباشا قبض على الشريف غالب أمير مكة وقبض على أولاده الثلاثة وأربعة عبيد طواشية من عبيده وأرسلهم إلى جدة وأنزلهم في مركب من مراكبه وهي واصله بهم والذي وصل في مركب صغير تسمى السبحان سبقتهم في الحضور إلى السويس وأخبروا أيضًا في المكاتبة أنه لما قبض عليهم أحضر يحيى ابن الشريف سرور وقلده الأمارة عوضًا عن عمه غالب وقبضوا أيضًا على وزيره الذي بجدة وأصحبوه معهم وقلد مكانه في الكمارك شخصًا من الأتراك يسمى علي الوجاقلي فلما وصل الهجان بهذه المكاتبة إلى السيد محمد المحروقي ليلًا ركب من وقته إلى كتخدا بك في بيته وأطلعه على المكاتبات فلما طلع النهار نهار يوم الجمعة ضربوا عدة مدافع من القلعة إعلامًا وسرورًا بذلك. وفيه احتفل كتخدا بك بعمل مهم أيضًا لزواج إسمعيل باشا ابن محمد علي باشا ومحمد بك الدفتردار على ابنة الباشا وإسماعيل باشا على ابنة عارف بم ابن خليل باشا التي أحضرها صحبته من إسلامبول وقد ذكر العقد عليهما في ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان من السنة الماضية قبل توجه الباشا إلى الحجاز فألزم كتخدا بك السيد محمد المحروقي بتنظيم الفرح والاحتياجات واللوازم واتفقوا على ان يكون نصبة الفرح ببركة الأزبكية تجاه بيت حريم الباشا وطاهر باشا تعمل الولائم واجتماع المدعوين ببيت طاهر باشا والمطبخ بخرائب بيت الصابونجي وأرسلوا أوراق التنابيه للمدعوين على طبقات الناس بالترتيب ونصبوا بوسط البركة عدة صواري لأجل الوقدات والقناديل التي تعمل عليها التصاوير من القناديل فترى من البعد صورة مركب أو سبعين متقابلين أو شجرة أو محمل على جمل أو كتابة مثل ما شاء الله ونحو ذلك وصفوا بوسط البركة عدة مدافع صفين متقابلين ونصب بهلوان الحبل حبله أوله من تجاه بيت الباشا وآخره برأس المنارة التي جهة حارة الفوالة خلف رصيف الخشاب حيث الأبنية المتخربة في الحوادث الماضية بالقرب من القشلة وعمارات محمد باشا خسرو التي لم تكمل وبهلوان آخر شامي بالناحية الأخرى وانتقل السيد محمد المحروقي من داره إلى بيت الشرايبي تجاه جامع أزبك لأجل مباشرة المهمات فلما أصبح يوم السبت وهو يوم الابتداء ودعوة الأشياخ رتبوهم فرقتين فرقة تأني ضحوة النهار وأخرى بعد العصر واجتمع بالأزبكية أصناف أرباب الملاعيب والمغزلكين والجنباذية والحببظية والحواة والقرداتية والرقاصين والبرامكة وغير ذلك أصناف وأشكال فاحتفلت وأقبل من كل ناحية أصناف الناس رجال ونساء وأقارب وأباعد وأكابر وأصاغر وعساكر وفلاحون ويهود ونصارى وأروام لأجل التفرج حتى ازدحمت الطرق الموصلة إلى الأزبكية من جميع النواحي بأصناف الناس الذاهبين والراجعين والمترددين واستمر ضرب المدفع من ليلة السبت المذكور إلى ليلة الجمعة التالية الأخرى ليلًا ونهارًا والحرائق والنفوط والسواريخ في الليل ولعبت أرباب الملاعيب والبهلوانات على الحبال وكذلك احتفل النصارى وعملوا وقدات وحراقات تجاه حاراتهم ومساكنهم وصادف ذلك عيد الميلاد وعملوا لهم مراجيح وملاعيب. وفي أثناء ذلك وقع التنبيه على أصحاب الحرف والصنائع بعمل عربات مشكلة وممثلة بحرفتهم وصنائعهم ليمشوا بها في زفة العروس فاعتنى أهل كل حرفة وصناعة بتنميق وتزيين شكله وتباهوا وتناظروا وتفاخروا على بعضهم البعض فكان كل من سولت له نفسه وحدثه الشيطان بأحدث شيء فعله وذهب إلى المتعين لذلك فيعطيه ورقة لأن ذلك لم يكن لأناس مخصوصة أو عدد مقدر بل بتحكماتهم وإلزام بعضهم البعض فيفرض رئيس الحرفة على أشخاص أهلها فرائض ودراهم يجمعها منهم وينفقها على العربة وما يلزمها من أخشاب وحبال وحمير أو خيل أو رجال يسحبونها وما يكتريه أو يستعيره لزينتها من المزركشات والمقصبات والطليعات وأدوات الصنعة التي تتميز بها عن غيرها فتصير في الشكل كأنها حانوت والبائع جالس فيها كالحلواني وأمامه الأواني فيها أنواع الحلو والسكري وحوله أواني الملبس وأقماع السكر معلقة حوله والشربات والشربتلي والعطار والحريري والعقاد البلدي والرومي والزيات والحداد والنجار والخياط والقزاز والحباك والنشار وهو ينشر الخشب بمنشاره المعلق والطحان والفران وعه الفرن وهو يخبز فيه والفطاطري والجزار وحوله لحم الغنم ومثله جزار الجاموس والكبابجي والنيفاوي وقلاء الجبن والسمك والجيارين والجباسين بالبحر والثور يدور به وهو ماش بالعربة والبناء والمبلط والمبيض النحاس وللبناء والسمكري تتمته إحدى وتسعون عربة وفيهم حتى المراكبي في قنجة كبيرة كامل العدة والقلوع تمشي على الأرض على العجل خلاف أربع عربات المختصة بالعروس فلما كان يوم الأربعاء سحبوا تلك العربات وانجروا بمواكبهم وطبولهم وزمورهم وأمام كل عربة أهل حرفتها وصناعتها مشاة خلف الطبول والزمور وهم مزينون بالملابس وملابسهم الفاخرة وأكثرها مستعارة فكانوا ينزلون إلى البركة من ناحية باب الهواء ويمون من تحت بيت الباشا إلى ناحية رصيف الخشاب ويأتي كبير الحرفة بورقته إلى المتعين لملاقاتهم فينعم عليه بخلعة ودراهم فيعطي البعض شال كشميري وألفين فضة والبعض طاقة تفصيلة قطني أو أربعة أذرع جوخ على قدر مقام الصنعة وأهلها واستمر مرورهم من أول النهار إلى بعد الغروب واصطفوا بأسرهم عند رصيف الخشاب ولما أصبح يوم الخميس رتبوا مرور الزفة وعيت لترتيبها أشخاصًا ومنهم السيد محمد درب الشمسي وهو كبير المنظمين وكان خروجها من بيت الحريم وهو الذي كان سكن الشيخ خليل البكري وذهبوا وانجروا على طريق الموسكي على تحت الربع إلى باب زويلة إلى الغورية إلى بين القصرين إلى سوق مرجوش إلى باب الحديد إلى بولاق إلى سراية إسمعيل باشا التي جددوها قبلي بولاق قريبًا من الشون فلم تصل إلى منزلها إلا عند الغروب وكان في أول الزفة طائفة من العسكر الدلاة ثم والي الشرطة ثم المحتسب ثم موكب أغات الينكجرية وبعدهم المساخر والنقاقير وعدتها عشرة نقاقير وعلى كل نقارة تفصيلة ثم العربات المذكورة وفيها أيضًا تجار الغورية وطائفة تجار خان الخليلي في موكب حفل وتجار الحمزاوي من نصارى الشوام وغيرهم وكان يومًا مشهودًا اجتمعت فيه الخلائق للفرجة في طرقها حتى طريق بولاق واكترى الناس الأماكن المطلة على الشارع والحوانيت بأغلى الأثمان ولما وصلت العروس إلى قصرها ضربوا عدة مدافع من بولاق والأزبكية والجيزة وكان العزم على المهم الثاني والابتداء فيه من يوم السبت الذي بعد الجمعة فرسموا بتأخيره إلى الجمعة الأخرى لتأخر أم العريس ومن يصحبها من النساء وأقمن ببولاق تلك الجمعة واستمرت قصبة الصواري والحبال والآلات على حالها بالأزبكية. وفي يوم الأحد سابع عشره وصل السيد غالب شريف مكة إلى مصر القديمة وقد أتت به السفينة من القلزم إلى مرساة ثغر القصير فتلقاه إبراهيم باشا وحضر صحبته إلى قنا وقوص ثم ركب النيل بمن معه من أولاده وعبيده والعسكر الواصلين صحبته وحضر إلى مصر القديمة فلما وصل الخبر إلى الكتخدا بك ضربوا عدة مدافع من القلعة إعلامًا بوصوله وإكرامًا على حد قوله تعالى ذق إنك أنت العزيز الكريم ركب صالح بك السلحدار وأحمد آغا أخو كتخدا بك في طائفة لملاقاته وإحضاره وهيئوا له مكانًا بمنزل أحمد آغا أخي كتخدا بك بعطفة ابن عبد الله بك بخط السروجية لينزل فيه وانتظره الكتخدا هناك وصحبته بونابارته الخازندار ومحمود بك ومحو بك وإبراهيم أغا أغات الباب والسيد محمد المحروقي فلما وصل إلى الدار نزل الكتخدا والجماعة ولاقوه عند سلم الركوبة وقبلوا يده ولزم الكتخدا بيده تحت إبطه حتى صعد إلى محل الجلوس الذي أعدوه له واستمر الكتخدا قائمًا على قدميه حتى أذن له في الجلوس هو وباقي الجماعة وعرفه الكتخدا عن السيد محمد المحروقي فتقدم وقبل يده فقام له وسلم عليه وجلس بحذاء الكتخدا ليترجم عنه في الكلام ويؤانسوه ويطمنوا خاطره ثم أن الكتخدا اعتذر له باشتغاله بأحوال الدولة واستأذنه في الذهاب إلى ديوانه وعرفه أن أخاه ينوب عنه في الخدمة ولوازمه فقبل عذره وقام منصرفًا هو وباقي الجماعة ما عدا السيد محمد المحروقي ومحمود بك فإن الكتخدا أمرهما بالتخلف عنده ساعة فجلسا معه وتغديا صحبته ومعه أولاده الثلاثة وعبيده ثم انصرفا إلى منزلهما ولم يأذن الكتخدا لأحد من الأشياخ أو غيرهم من التجار بالسلام عليه والاجتماع به والذي بلغنا في كيفية القبض عليه أنه لما ذهب الباشا إلى مكة واستمر هو وابنه طوسون باشا مع الشريف غالب على المصادقة والمسالمة والمصافاة وجدد معه العهود والإيمان في جوف الكعبة بأن لا يخون أحد صاحبه وكان الباشا يذهب إليه في قلة وهو الآخر يأتي إليه وإلى ابنه واستمروا على ذلك خمسة عشر يومًا من ذي القعدة دعاه طوسون باشا إليه فأتى إليه كعادته في قلة فوجد بالدار عساكر كثيرة فعندما استقر به المجلس وصل عابدين بك في عدة وافرة وطلع إلى المجلس فدنا منه وأخذ الجنبية من حزامه وقال له أنت مطلوب للدولة فقال سمعًا وطاعة ولكن حتى أقضي أشغالي في ظرف ثلاثة أيام وأتوجه فقال لا سبيل إلى ذلك والسفينة حاضرة في انتظارك فحصل في جماعة الشريف وعبيده رجة وصعدوا على أبراج سرايته وأرادوا الحرب فأرسل إليهم الباشا يقول لهم عن وقع منكم حرب أحرقت البلدة وقتلت أستاذكم وأرسل لهم أيضًا الشريف يكفهم عن ذلك وكان بها أولاده الثلاثة فحضر إليهم الشيخ أحمد تركي وهو من خواص الشريف وخدمهم وقال لهم لم يكن هناك بأس وإنما والدكم مطلوب في مشاورة مع الدولة ويعود بالسلامة وحضرة الباشا يريد أن يقلد كبيركم نيابة عن أبيه إلى حين رجوعه ولم يزل حتى انخدع كبيرهم إلى كلامه وقاموا معه فذهب بهم إلى محل خلاف الذي به والدهم محتفظًا بهم وفي الوقت أحضر الباشا الشريف يحيى بن سرور وهو ابن أخي الشريف غالب وخلع عليه وقلده أمارة مكة ونودي في البلدة باسمه وعزل الشريف غالبًا حسب الأوامر السلطانية واستمر الشريف غالب أربعة أيام عند طوسون باشا ثم أركبوه وأصحبوا معه عدة من العسكر وذهبوا به وبأولاده إلى بندر جدة وأنزلوهم السفينة وساروا بها إلى ناحية القصير من صعيد مصر وحضر كما ذكر. وفي يوم الأربعاء وصل قاصد من الديار الرومية وعلى يده مثالان فعمل كتخدا بك ديوانًا في صبحية يوم الخميس حادي عشرينه وقرئ ذلك وهما مثالان يتضمن أحدهما التقرير لمحمد علي باشا على ولاية مصر على السنة الجديدة والثاني الأخبار والبشارة باستيلاء العثمانيين على بلاد الصرب ولما فرغوا من قراءتهما ضربوا عدة مدافع من القلعة وفي عصرية ذلك اليوم حضر حريم الباشا من بولاق إلى الأزبكية في عربات فضربوا لحضورهن مدافع من الأزبكية وشرعوا في عمل المهم الثاني لابنة الباشا علي الدفتردار وافتتحوا ذلك من ليلة السبت على النسق المتقدم وعملوا العزائم والولائم واحتفلوا زيد من المهم الأول وأحضروا الشريف غالبًا وأعدوا له مكانًا بيت الشرايبي على حدته هو وأولاده ليتفرجوا على الملاعيب والبهلوانات نهارًا والشنك والحراقات ليلًا وعلى الشريف وأولاده الحرس ولا يجتمع بهم أحد على الوجه والصورة التي كانوا عليها بالمنزل الذي أنزلوا فيه فلما كان يوم الأربعاء اجتمع أرباب العربات وأصحابها وقد زادوا عن الأولى خمسة عشر عربة وفيهم معمل الزجاج وباتوا بنواحي البركة على النسق المتقدم ونصبوا لهم خيامًا تقيهم من البرد والمطر لأن الوقت شات ولما أصبح يوم الخميس انجرت العربات وموكب الزفة من ناحية باب الهواء على قنطرة الموسكي على باب الخرق على درب الجماميز وعطفوا من الصليبة على المظفر على السروجية على قصبة رضوان بك على باب زويلة على شارع الغورية على الجمالية على سوق مرجوش على بين السورين على الأزبكية على باب الهواء إلى المنزل الذي أعدوه لها وهو بيت ابن إسمعيل بك وهي بنت إبراهيم بك وكانت متزوجة بإسمعيل بك ولما مات تزوج بها مملوكه محمد أغا ويعرف بالألفي وقد تولى أغاوية مستحفظان في هذه الدولة واعتنى بهذا الدار وعمر بها مكانين بداخل الحريم وزخرفها ونقشها نقشًا بديعًا صناعة صناع العجم واستمروا في نقشها سنتين ولما ماتت المذكورة في أوائل هذه السنة واستمر هو ساكنًا فيها وأنزل الباشا عنده القاضي المنفصل عن قضاء مصر المعروف ببهجة أفندي وقاضي مكة صادق أفندي حين حضر من إسلامبول ثم أمره الباشا بالخروج منها وإخلائها لأجل أن يسكن ابنته هذه المزفوفة فخرج منها في أوائل شوال وكذلك سافر القاضيان إلى الحجاز بصحبة الباشا وعند ذلك بيضوها وزادوا في زخرفتها وفرشوها بأنواع الفرش الفاخرة ونقلوا إليها جهاز العروس والصناديق وما قدم إليها من الهدايا والأمتعة والجواهر والتحف من الأعيان وحريماتهم حتى من نساء الأمراء المصريين المنكوبين وقد تكلفوا فوق طاقتهم وباعوا واستدانوا وغرموا في النقوط والتقادم والهدايا في هذين المهمين ما أصبحوا به مجردين ومديونين وكان إذا قدمت إحدى المشهورات منهن هديتها عرضوها على أم العروسين التي هي زوجة الباشا فقلبت ما فيها من المصاغ المجوهر والمقصبات وغيرها فإن أعجبتها تركتها وإلا أمرت بردها قائلة هذا مقام فلانة التي كانت بنت أمير مصر أو زوجته فتتكلف المسكينة للزيادة ونحو ذلك مع ما يلحقها من كسر الخاطر وانكساف البال ثم أدخلوا العروس إلى تلك الدار عندما وصلت بالزفة. ومما حصل أنه قبل مرور موكب الزفة بيومين طاف أصحاب الشرطة ومعهم رجال وبأيديهم مقياس فكلما مروا بناحية أو طريق يضيق عن القياس هدموا ما عارضهم من مساطب الدكاكين أو غيرها من الجهتين لاتساع الطريق لمرور العربات والملاعيب وغيرها فأتلفوا كثيرًا من الأبنية ونودي في يوم الأربعاء بزينة الحوانيت والطرق التي تمر عليها الزفة بالعروس ومما حصل من الحوادث السماوية أن في يوم الخميس المذكور عندما توسطت الزفة في مرورها بوسط المدينة أطبق الجو بالغيام وأمطرت السماء مطرًا غزيرًا حتى تبخرت الطرق وتوحلت الأرض وابتلت الخلائق من النساء والرجال المجتمعين للفرجة وخصوصًا الكائنين بالسقائف وفوق الحوانيت والمساطب وأما المتعينون للمشي في الموكب ولا بد الذين لا مفر لهم من ذلك ولا مهرب فاختل نظامهم وابتلت ثيابهم وتكدرت طباعهم وانتقضت أوضاعهم وزادت وساوسهم وتلفت ملابسهم وهطل الغيث على الإبريسم والحرير والشالات الكرخانة والسليمي والكشمير وما زينت به العربات من أنواع المزركش والمقصبات ونفذت على من بداخلها من القيان والأغاني الحسان وكثير من الناس وقع بعدها تزحلق وصار نوبه بالوحل أبلق ومنهم من ترك الزفة وولى هاربًا في عطفه يمسح يديه في الحيط بما تلطخ بها من الرطريط وتعارجت الحمير وتعثرت البياجير وانهدم تنور الزجاج ولم ينفع به العلاج وتلف للناس شيء كثير ولا يدفع قضاء الله حيلة ولا تدبير ولم تصل العروس إلى دارها إلا قبيل دنو الشمس من غروبها وعند ذلك انجلى الجو وانكشفت بيوت النو ووافق ذلك اليوم ثالث عشر طوبه من شهور القبط المحسوبة وحصل بذلك الغيث العميم النفع لمزارع الغلة والبرسيم. وفيه وردت مكاتبات من العقبة فيها الأخبار بوصول قافلة الحج صحبة المحمل وأميرها مصطفى بك دالي باشا. وفي يوم الجمعة تاسع عشرينه وصل كثير من الحجاج الأتراك وغيرهم وردوا في البحر إلى بندر السويس ووصل تابع قهوجي باشا وأخبر عنه أنه فارق مخدومه من العقبة ونزل في مركب مع أم عابدين بك وحضر إلى السويس. واستهل
|