فصل: فصل: من غير في سمع الله لمن حمده

صباحاً 7 :20
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
3
الأربعاء
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة

‏[‏فإذا فرغ كبر للركوع‏]‏ أما الركوع فواجب بالنص والإجماع قال الله تعالى‏:‏‏{‏ يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا‏}‏ وأجمعت الأمة على وجوبه في الصلاة على القادر عليه وأكثر أهل العلم يرون أن يبتدئ الركوع بالتكبير وأن يكبر في كل خفض ورفع‏,‏ منهم‏:‏ ابن مسعود وابن عمر وجابر‏,‏ وأبو هريرة وقيس بن عباد ومالك‏,‏ والأوزاعي وابن جابر والشافعي‏,‏ وأبو ثور وأصحاب الرأي وعوام العلماء من الأمصار وروي عن عمر بن عبد العزيز وسالم‏,‏ والقاسم وسعيد بن جبير أنهم كانوا لا يتمون التكبير ولعلهم يحتجون بأن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يعلمه المسيء في صلاته‏,‏ ولو كان منها لعلمه إياه ولم تبلغهم السنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏.‏

ولنا ما روى أبو هريرة قال‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم‏,‏ ثم يكبر حين يركع ثم يقول‏:‏ سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع ثم يقول‏,‏ وهو قائم‏:‏ ربنا ولك الحمد ثم يكبر حين يهوي ثم يكبر حين يرفع رأسه‏,‏ ثم يكبر حين يسجد ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ إنما جعل الإمام ليؤتم به‏,‏ فإذا كبر فكبروا‏)‏ متفق عليهما وكان أبو هريرة يكبر في كل خفض ورفع ويقول أنا أشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم- رواه البخاري وعن ابن مسعود قال‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يكبر في كل خفض ورفع‏,‏ وقيام وقعود وأبو بكر وعمر‏)‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن صحيح وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏صلوا كما رأيتمونى أصلي‏)‏ ولأنه شروع في ركن‏,‏ فشرع فيه التكبير كحالة ابتداء الصلاة ولأنه انتقال من ركن إلى ركن‏,‏ فشرع فيه ذكر يعلم به المأموم انتقاله ليقتدى به كحالة الرفع من الركوع‏.‏

فصل

ويسن الجهر به للإمام ليسمع المأموم فيقتدى به في حال الجهر والإسرار جميعا‏,‏ كقولنا في تكبيرة الإحرام فإن لم يجهر الإمام بحيث يسمع الجميع استحب لبعض المأمومين رفع صوته ليسمعهم‏,‏ كفعل أبي بكر رضي الله عنه حين صلى النبي - صلى الله عليه وسلم- بهم في مرضه قاعدا‏,‏ وأبو بكر إلى جنبه يقتدى به والناس يقتدون بأبى بكر‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ويرفع يديه كرفعه الأول‏]‏ يعنى يرفعهما إلى حذو منكبيه أو إلى فروع أذنيه‏,‏ كفعله عند تكبيرة الإحرام ويكون ابتداء رفعه عند ابتداء تكبيره وانتهاؤه عند انتهائه وبهذا قال ابن عمر‏,‏ وابن عباس وجابر وأبو هريرة‏,‏ وابن الزبير وأنس والحسن وعطاء‏,‏ وطاوس ومجاهد وسالم‏,‏ وسعيد بن جبير وغيرهم من التابعين وهو مذهب ابن المبارك‏,‏ والشافعي وإسحاق ومالك في إحدى الروايتين عنه وقال الثوري‏,‏ وأبو حنيفة‏:‏ لا يرفع يديه إلا في الافتتاح وهو قول إبراهيم النخعي لما روي عن ‏(‏عبد الله بن مسعود أنه قال‏:‏ ألا أصلى لكم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فصلى فلم يرفع يديه إلا في أول مرة‏)‏ قال الترمذي‏:‏ حديث ابن مسعود حسن روى يزيد بن زياد‏,‏ عن ابن أبي ليلى عن البراء بن عازب ‏(‏أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ثم لا يعود‏)‏ قالوا والعمل بهذين الحديثين أولى لأن ابن مسعود كان فقيها‏,‏ ملازما لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- عالما بأحواله وباطن أمره وظاهره‏,‏ فتقدم روايته على رواية من لم يكن حاله كحاله قال إبراهيم النخعي لرجل روى حديث وائل بن حجر‏:‏ لعل وائلا لم يصل مع النبي - صلى الله عليه وسلم- إلا تلك الصلاة فترى أن نترك رواية عبد الله الذي لعله لم يفته مع النبي - صلى الله عليه وسلم- صلاة ونأخذ برواية هذا أو كما قال ولنا‏,‏ ما روى الزهري عن سالم عن أبيه قال‏:‏ ‏(‏رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا استفتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه وإذا أراد أن يركع وبعدما يرفع رأسه من الركوع‏,‏ ولا يفعل ذلك في السجود‏)‏ قال البخاري‏:‏ قال على بن المدينى - وكان أعلم أهل زمانه -‏:‏ حق على المسلمين أن يرفعوا أيديهم لهذا الحديث وحديث أبي حميد الذي ذكرنا في أول الباب وقد رواه في عشرة من الصحابة‏,‏ منهم أبو قتادة فصدقوه وقالوا‏:‏ هكذا كان يصلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ورواه سوى هذين عمر‏,‏ وعلى ووائل بن حجر ومالك بن الحويرث‏,‏ وأنس وأبو هريرة وأبو أسيد‏,‏ وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة وأبو موسى‏,‏ وجابر بن عمير الليثى فصار كالمتواتر الذي لا يتطرق إليه شك مع كثرة رواته وصحة سنده‏,‏ وعمل به الصحابة والتابعون وأنكروا على من لم يعمل به قال الحسن‏:‏ رأيت أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- يرفعون أيديهم إذا كبروا وإذا ركعوا‏,‏ وإذا رفعوا رءوسهم كأنها المراوح قال أحمد وقد سئل عن الرفع فقال‏:‏ أي لعمرى ومن يشك في هذا كان ابن عمر إذا رأى من لا يرفع‏,‏ حصبه وأمره أن يرفع فأما حديثاهم فضعيفان فأما حديث ابن مسعود فقال ابن المبارك‏:‏ لم يثبت وحديث البراء قال ابن عيينة‏:‏ حدثنا يزيد بن أبي زياد‏,‏ عن ابن أبي ليلى ولم يقل‏:‏ ثم لا يعود فلما قدمت الكوفة سمعته يحدث به فيقول‏:‏ لا يعود فظننت أنهم لقنوه وقال الحميدي‏,‏ وغيره‏:‏ يزيد بن أبي زياد ساء حفظه في آخر عمره وخلط ثم لو صحا كان الترجيح لأحاديثنا أولى لخمسة أوجه‏:‏ أحدها‏:‏ أنها أصح إسنادا وأعدل رواة‏,‏ فالحق إلى قولهم أقرب الثاني‏:‏ أنها أكثر رواة فظن الصدق في قولهم أقوى والغلط منهم أبعد الثالث‏:‏ أنهم مثبتون‏,‏ والمثبت يخبر عن شيء شاهده ورواه فقوله يجب تقديمه لزيادة علمه والنافى لم ير شيئا فلا يؤخذ بقوله ولذلك قدمنا قول الجارح على المعدل الرابع‏:‏ أنهم فصلوا في روايتهم‏,‏ ونصوا على الرفع في الحالتين المختلف فيهما والمخالف لهم عمم بروايته المختلف فيه وغيره‏,‏ فيجب تقديم أحاديثنا لنصها وخصوصها على أحاديثهم العامة التي لا نص فيها كما يقدم الخاص على العام‏,‏ والنص على الظاهر المحتمل الخامس‏:‏ أن أحاديثنا عمل بها السلف من الصحابة والتابعين فيدل ذلك على قوتها وقولهم‏:‏ إن ابن مسعود إمام قلنا‏:‏ لا ننكر فضله لكن بحيث يقدم على أميرى المؤمنين عمر وعلى وسائر من معهم‏,‏ كلا ولا يساوى واحدا منهم فكيف يرجح على جميعهم‏؟‏ مع أن ابن مسعود قد ترك قوله في الصلاة في أشياء‏,‏ منها أنه كان يطبق في الركوع يضع يديه بين ركبتيه فلم يؤخذ بفعله‏,‏ وأخذ برواية غيره في وضع اليدين على الركبتين وتركت قراءته وأخذ بقراءة زيد بن ثابت وكان لا يرى التيمم للجنب‏,‏ فترك ذلك برواية من هو أقل من رواة أحاديثنا وأدنى منهم فضلا فهاهنا أولى‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ثم يضع يديه على ركبتيه ويفرج أصابعه‏,‏ ويمد ظهره ولا يرفع رأسه ولا يخفضه‏]‏ وجملته أنه يستحب للراكع أن يضع يديه على ركبتيه ثبت ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وفعله عمر‏,‏ وعلى وسعد وابن عمر‏,‏ وجماعة من التابعين وبه يقول الثوري ومالك والشافعي‏,‏ وإسحاق وأصحاب الرأي وذهب قوم من السلف إلى التطبيق وهو أن يجعل المصلى إحدى كفيه على الأخرى‏,‏ ثم يجعلهما بين ركبتيه إذا ركع وهذا كان في أول الإسلام ثم نسخ قال مصعب بن سعد‏:‏ ‏(‏ركعت فجعلت يدي بين ركبتى فنهانى أبي‏,‏ وقال‏:‏ إنا كنا نفعل هذا فنهينا عنه وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب‏)‏ متفق عليه وذكر أبو حميد في صفة صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏رأيته إذا ركع أمكن يديه من ركبتيه‏,‏ ثم هصر ظهره يعنى عصره حتى يعتدل ولا يبقى محدودبا وفي لفظ‏:‏ ثم اعتدل فلم يصوب ولم يقنع‏,‏ ووضع يديه على ركبتيه‏)‏ وقالت عائشة‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا ركع لم يرفع رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك‏)‏ متفق عليه قال أحمد‏:‏ ينبغي له إذا ركع أن يلقم - صلى الله عليه وسلم- راحتيه ركبتيه‏,‏ ويفرق بين أصابعه ويعتمد على ضبعيه وساعديه ويسوى ظهره‏,‏ ولا يرفع رأسه ولا ينكسه وقد جاء الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا ركع لو كان قدح ماء على ظهره ما تحرك وذلك لاستواء ظهره والواجب من ذلك الانحناء‏,‏ بحيث يمكنه مس ركبتيه بيديه لأنه لا يخرج عن حد القيام إلى الركوع إلا به ولا يلزمه وضعهما وإنما ذلك مستحب‏,‏ فإن كانتا عليلتين لا يمكنه وضعهما انحنى ولم يضعهما‏,‏ وإن كانت إحداهما عليلة وضع الأخرى‏.‏

فصل

ويستحب أن يجافى عضديه عن جنبيه فإن أبا حميد ذكر ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- وضع يديه على ركبتيه كأنه قابض عليهما ووتر يديه فنحاهما عن جنبيه‏)‏ حديث صحيح‏.‏

فصل

ويجب أن يطمئن في ركوعه ومعناه أن يمكث إذا بلغ حد الركوع قليلا وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ الطمأنينة غير واجبة لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏اركعوا واسجدوا‏)‏ ولم يذكر الطمأنينة‏,‏ والأمر بالشيء يقتضي حصول الإجزاء به ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم- للمسيء في صلاته‏:‏ ‏(‏ثم اركع حتى تطمئن راكعا‏)‏ متفق عليه وروى أبو قتادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال ‏(‏أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته قيل‏:‏ وكيف يسرق من صلاته‏؟‏ قال‏:‏ لا يتم ركوعها ولا سجودها وقال‏:‏ لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل صلبه فيها في الركوع والسجود‏)‏ رواه البخاري والآية حجة لنا لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- فسر الركوع بفعله وقوله‏,‏ فالمراد بالركوع ما بينه النبي - صلى الله عليه وسلم-‏.‏

فصل

وإذا رفع رأسه وشك هل ركع أو لا أو هل أتى بقدر الإجزاء أو لا‏؟‏ لم يعتد به‏,‏ وعليه أن يعود فيركع حتى يطمئن راكعا لأن الأصل عدم ما شك فيه إلا أن يكون ذلك وسواسا فلا يلتفت إليه‏,‏ وهكذا الحكم في سائر الأركان‏.‏

مسألة

قال : ( ويقول : سبحان ربي العظيم ثلاثا . وهو أدنى الكمال ، وإن قال مرة أجزأه ) وجملة ذلك أنه يشرع أن يقول في ركوعه : سبحان ربي العظيم . وبه قال الشافعي ، وأصحاب الرأي . وقال مالك : ليس عندنا في الركوع والسجود شيء محدود ، وقد سمعت أن التسبيح في الركوع والسجود .

ولنا ما روى عقبة بن عامر ، قال : لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم . قال النبي صلى الله عليه وسلم : (اجعلوها في ركوعكم ) . وعن ابن مسعود ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا ركع أحدكم فليقل ثلاث مرات : سبحان ربي العظيم . وذلك أدناه .) أخرجهما أبو داود وابن ماجه . وروى حذيفة ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ركع : سبحان ربي العظيم ثلاث مرات . رواه الأثرم ورواه أبو داود ، ولم يقل : ثلاث مرات ويجزئ تسبيحة واحدة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتسبيح في حديث عقبة ولم يذكر عددا ، فدل على أنه يجزئ أدناه ، وأدنى الكمال ثلاث ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود " وذلك أدناه " . قال أحمد في رسالته : جاء الحديث عن الحسن البصري أنه قال : التسبيح التام سبع ، والوسط خمس ، وأدناه ثلاث . وقال القاضي : الكامل في التسبيح ، إن كان منفردا ، ما لا يخرجه إلى السهو ، وفي حق الإمام ما لا يشق على المأمومين ، ويحتمل أن يكون الكمال عشر تسبيحات ؛ لأن أنسا روى ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي كصلاة عمر بن عبد العزيز فحزروا ذلك بعشر تسبيحات . وقال بعض أصحابنا : الكمال أن يسبح مثل قيامه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد روى عنه البراء قال (قد رمقت محمدا صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ، فوجدت قيامه ، فركعته ، فاعتداله بعد ركوعه ، فسجدته ، فجلسته ما بين السجدتين ، فسجدته ، فجلسته ما بين التسليم والانصراف قريبا من السواء ) متفق عليه ، إلا أن البخاري قال : ما خلا القيام والقعود قريبا من السواء .

فصل

وإن قال : سبحان ربي العظيم وبحمده . فلا بأس ، فإن أحمد بن نصر روى عن أحمد ، أنه سئل عن تسبيح الركوع والسجود ، سبحان ربي العظيم ، أعجب إليك ، أو سبحان ربي العظيم وبحمده ؟ فقال : قد جاء هذا وجاء هذا ، وما أدفع منه شيئا . وقال أيضا : إن قال : " وبحمده " . في الركوع والسجود ، أرجو أن لا يكون به بأس ؛ وذلك لأن حذيفة روى في بعض طرق حديثه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه : ( سبحان ربي العظيم وبحمده ) ، وفي سجوده : ( سبحان ربي الأعلى وبحمده ) ، وهذه زيادة يتعين الأخذ بها . وروي عن أحمد ، أنه قال : أما أنا فلا أقول : وبحمده . وحكى ذلك ابن المنذر عن الشافعي وأصحاب الرأي . ووجه ذلك أن الرواية بدون هذه الزيادة أشهر وأكثر ، وهذه الزيادة قال أبو داود : نخاف أن لا تكون محفوظة . وقيل : هذه الزيادة من رواية ابن أبي ليلى . فيحتمل أن أحمد تركها لضعف ابن أبي ليلى عنده .

فصل

والمشهور عن أحمد أن تكبير الخفض والرفع وتسبيح الركوع والسجود وقول‏:‏ سمع الله لمن حمده‏,‏ وربنا ولك الحمد وقول‏:‏ ربى اغفر لي - بين السجدتين - والتشهد الأول‏,‏ واجب وهو قول إسحاق وداود وعن أحمد‏:‏ أنه غير واجب وهو قول أكثر الفقهاء لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يعلمه المسيء في صلاته ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة‏,‏ ولأنه لو كان واجبا لم يسقط بالسهو كالأركان ولنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أمر به - وأمره للوجوب -‏,‏ وفعله وقال ‏(‏صلوا كما رأيتمونى أصلي‏)‏ وقد روى أبو داود عن على بن يحيى بن خلاد عن عمه عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ إلى قوله‏:‏ ثم يكبر‏,‏ ثم يركع حتى تطمئن مفاصله ثم يقول‏:‏ سمع الله لمن حمده حتى يستوي قائما ثم يقول‏:‏ الله أكبر‏,‏ ثم يسجد حتى يطمئن ساجدا ثم يقول‏:‏ الله أكبر ويرفع رأسه حتى يستوي قاعدا ثم يقول‏:‏ الله أكبر ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله‏,‏ ثم يرفع رأسه فيكبر فإذا فعل ذلك فقد تمت صلاته‏)‏ وهذا نص في وجوب التكبير ولأن مواضع هذه الأذكار أركان الصلاة فكان فيها ذكر واجب كالقيام وأما حديث المسيء في صلاته فقد ذكر في الحديث الذي رويناه تعليمه ذلك وهي زيادة يجب قبولها‏,‏ على أن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يعلمه كل الواجبات بدليل أنه لم يعلمه التشهد ولا السلام ويحتمل أنه اقتصر على تعليمه ما رآه أساء فيه‏,‏ ولا يلزم من التساوى في الوجوب التساوى في الأحكام بدليل واجبات الحج‏.‏

فصل

وإذا كان إماما لم يستحب له التطويل‏,‏ ولا الزيادة في التسبيح قال القاضي‏:‏ لا يستحب له التطويل ولا الزيادة على ثلاث كي لا يشق على المأمومين وهذا إذا لم يرضوا بالتطويل فإن كانت الجماعة يسيرة‏,‏ ورضوا بذلك استحب له التسبيح الكامل على ما ذكرناه‏,‏ وكذلك إن كان وحده‏.‏

فصل

ويكره أن يقرأ في الركوع والسجود لما روي عن على رضي الله عنه ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- نهى عن قراءة القرآن في الركوع والسجود‏)‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن صحيح وقال - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏إني نهيت أن أقرأ راكعا وساجدا فأما الركوع فعظموا الرب فيه‏,‏ وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم‏)‏ رواه أبو داود وقوله ‏[‏قمن‏]‏ معناه‏:‏ جدير وحرى‏.‏

فصل

ومن أدرك الإمام في الركوع فقد أدرك الركوع لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة‏)‏ رواه أبو داود ولأنه لم يفته من الأركان إلا القيام‏,‏ وهو يأتي به مع تكبيرة الإحرام ثم يدرك مع الإمام بقية الركعة وهذا إذا أدرك الإمام في طمأنينة الركوع‏,‏ أو انتهى إلى قدر الإجزاء من الركوع قبل أن يزول الإمام عن قدر الإجزاء فهذا يعتد له بالركعة ويكون مدركا لها فأما إن كان المأموم يركع والإمام يرفع لم يجزه وعليه أن يأتي بالتكبيرة منتصبا فإن أتى بها بعد أن انتهى في الانحناء إلى قدر الركوع أو ببعضها‏,‏ لم يجزه لأنه أتى بها في غير محلها إلا في النافلة لأنه يفوته القيام وهو من أركان الصلاة‏,‏ ثم يأتي بتكبيرة أخرى للركوع في حال انحطاطه إليه فالأولى ركن لا تسقط بحال والثانية تكبيرة الركوع‏,‏ والمنصوص عن أحمد أنها تسقط ها هنا ويجزئه تكبيرة واحدة نقلها أبو داود وصالح وروى ذلك عن زيد بن ثابت وابن عمر‏,‏ وسعيد بن المسيب وعطاء والحسن‏,‏ وميمون بن مهران والنخعي والحكم‏,‏ والثوري والشافعي ومالك‏,‏ وأصحاب الرأي وعن عمر بن عبد العزيز‏:‏ عليه تكبيرتان وهو قول حماد بن أبي سليمان والظاهر أنهما أرادا أن الأولى له أن يكبر تكبيرتين فلا يكون قولهما مخالفا لقول الجماعة‏,‏ فإن عمر بن عبد العزيز قد نقل عنه أنه كان ممن لا يتم التكبير ولأنه قد نقلت تكبيرة واحدة عن زيد بن ثابت وابن عمر ولم يعرف لهما في الصحابة مخالف فيكون ذلك إجماعا‏,‏ ولأنه اجتمع واجبان من جنس في محل واحد وأحدهما ركن فسقط به الآخر‏,‏ كما لو طاف الحاج طواف الزيارة عند خروجه من مكة أجزأه عن طواف الوداع وقال القاضي‏:‏ إن نوى بالتكبير الإحرام وحده أجزأه وإن نوى به الإحرام والركوع فظاهر كلام أحمد أنه لا يجزئه لأنه شرك بين الواجب وغيره في النية‏,‏ فأشبه ما لو عطس عند رفع رأسه من الركوع فقال‏:‏ ربنا ولك الحمد ينويها وقال‏:‏ ونص أحمد في هذا أنه لا يجزئه وهذا القول يخالف نصوص أحمد‏,‏ فلا يعول عليه وقد قال في رواية ابنه صالح فيمن جاء به والإمام راكع‏:‏ كبر تكبيرة واحدة قيل له‏:‏ ينوي بها الافتتاح‏؟‏ قال‏:‏ نوى أو لم ينو‏,‏ أليس قد جاء وهو يريد الصلاة‏؟‏ ولأن نية الركوع لا تنافى نية الافتتاح ولهذا حكمنا بدخوله في الصلاة بهذه النية فلم تؤثر نية الركوع في فسادها ولأنه واجب يجزئ عنه وعن غيره إذا نواه‏,‏ فلم يمنع صحة نية الواجبين كما لو نوى بطواف الزيارة له وللوداع ولا يجوز ترك نص الإمام ومخالفته بقياس ما نصه في موضع آخر‏,‏ كما لا يترك نص كتاب الله تعالى ورسوله بقياس والمستحب تكبيرة نص عليه أحمد قال أبو داود‏:‏ قلت لأحمد يكبر مرتين أحب إليك‏؟‏ قال‏:‏ إن كبر تكبيرتين ليس فيه اختلاف.

فصل

وإن أدرك الإمام في ركن غير الركوع‏,‏ لم يكبر إلا تكبيرة الافتتاح وينحط بغير تكبير لأنه لا يعتد له به وقد فاته محل التكبير وإن أدركه في السجود أو التشهد الأول كبر في حال قيامه مع الإمام إلى الثالثة لأنه مأموم له‏,‏ فيتابعه في التكبير كمن أدرك معه من أولها وإن سلم الإمام قام إلى القضاء بتكبير وبهذا قال مالك‏,‏ والثوري وإسحاق وقال الشافعي يقوم بغير تكبير لأنه قد كبر في ابتداء الركعة‏,‏ ولا إمام له يتابعه في التكبير ولنا أنه قام في الصلاة إلى ركن معتد له به فيكبر‏,‏ كالقائم من التشهد الأول وكما لو قام مع الإمام ولا يسلم أنه كبر في ابتداء الركعة‏,‏ فإن ما كبر فيه لم يكن من الركعة إذ ليس في أول الركعة سجود ولا تشهد وإنما ابتداء الركعة قيامه‏,‏ فينبغي أن يكبر فيه‏.‏

فصل

ويستحب لمن أدرك الإمام في حال متابعته فيه وإن لم يعتد له به لما روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال ‏(‏إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا‏,‏ ولا تعدوها شيئا ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة‏)‏ رواه أبو داود وروى الترمذي عن معاذ‏,‏ قال‏:‏ قال النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏إذا أتى أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام‏)‏ والعمل على هذا عند أهل العلم قالوا‏:‏ إذا جاء الرجل والإمام ساجد فليسجد‏,‏ ولا تجزئه تلك الركعة وقال بعضهم‏:‏ لعله أن لا يرفع رأسه من السجدة حتى يغفر له‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ثم يقول‏:‏ سمع الله لمن حمده ويرفع يديه كرفعه الأول‏]‏ وجملة ذلك أنه إذا فرغ من الركوع ورفع رأسه واعتدل قائما حتى يرجع كل عضو إلى موضعه ويطمئن‏,‏ يبتدئ الرفع قائلا‏:‏ سمع الله لمن حمده ويكون انتهاؤه عند انتهاء رفعه ويرفع يديه لما روينا من الأخبار وفي موضع الرفع روايتان‏:‏ إحداهما بعد اعتداله قائما قال أحمد بن الحسين‏:‏ رأيت أبا عبد الله إذا رفع رأسه من الركوع لا يرفع يديه حتى يستتم قائما ووجهه أن في بعض ألفاظ حديث ابن عمر‏:‏ رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏إذا افتتح الصلاة رفع يديه وإذا ركع‏,‏ وبعدما يرفع رأسه من الركوع‏)‏ ولأنه رفع فلا يشرع في غير حالة القيام كرفع الركوع والإحرام والثانية‏:‏ يبتدئه حين يبتدئ رفع رأسه لأن أبا حميد قال ‏(‏في صفة صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ثم قال‏:‏ سمع الله لمن حمده‏)‏ ورفع يديه وفي حديث ابن عمر المتفق عليه‏:‏ ‏(‏كان النبي - صلى الله عليه وسلم- إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه‏,‏ وإذا كبر للركوع وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك ويقول‏:‏ سمع الله لمن حمده‏)‏ وظاهره أنه رفع يديه حين أخذ في رفع رأسه كقوله‏:‏ ‏[‏إذا كبر‏]‏ أي أخذ في التكبير‏,‏ ولأنه حين الانتقال فشرع الرفع منه كحال الركوع ولأنه محل رفع المأموم فكان محلا لرفع الإمام كالركوع‏,‏ ولا تختلف الرواية في أن المأموم يبتدئ الرفع عند رفع رأسه لأنه ليس في حقه ذكر بعد الاعتدال والرفع إنما جعل هيئة للذكر‏,‏ بخلاف الإمام ثم ينتصب قائما ويعتدل قال أبو حميد في صفة صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏وإذا رفع رأسه استوى قائما‏,‏ حتى يعود كل فقار إلى مكانه‏)‏ متفق عليه وقالت عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏كان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائما‏)‏ رواه مسلم وقال النبي - صلى الله عليه وسلم- للمسيء في صلاته ‏(‏ثم ارفع حتى تعتدل قائما‏)‏ متفق عليه‏.‏

فصل

وهذا الرفع والاعتدال عنه واجب وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة‏,‏ وبعض أصحاب مالك‏:‏ لا يجب لأن الله تعالى لم يأمر به وإنما أمر بالركوع والسجود والقيام فلا يجب غيره‏,‏ ولأنه لو كان واجبا لتضمن ذكرا واجبا كالقيام الأول ولنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أمر به المسيء في صلاته‏,‏ وداوم على فعله فيدخل في عموم قوله‏:‏ ‏(‏صلوا كما رأيتمونى أصلي‏)‏ وقولهم‏:‏ لم يأمر الله به قلنا قد أمر بالقيام وهذا قيام‏,‏ ثم أمر النبي - صلى الله عليه وسلم- يجب امتثاله وقد أمر به وقولهم ‏"‏ لا يتضمن ذكرا واجبا ‏"‏ ممنوع ثم هو باطل بالركوع والسجود‏,‏ فإنهما ركنان ولا ذكر فيهما واجب على قولهم‏.‏

فصل

ويسن الجهر بالتسميع للإمام‏,‏ كما يسن الجهر بالتكبير لأنه ذكر مشروع عند الانتقال من ركن فيشرع الجهر به للإمام كالتكبير‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ثم يقول‏:‏ ربنا ولك الحمد‏,‏ ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد‏]‏ وجملته أن يشرع قول ‏[‏ربنا ولك الحمد‏]‏ في حق كل مصل في المشهور عن أحمد‏,‏ وهذا قول أكثر أهل العلم منهم ابن مسعود وابن عمر وأبو هريرة‏,‏ وبه قال الشعبي وابن سيرين وأبو بردة والشافعي‏,‏ وإسحاق وابن المنذر وعن أحمد رواية أخرى‏:‏ لا يقوله المنفرد فإنه قال في رواية إسحاق في الرجل يصلي وحده فإذا قال‏:‏ ‏[‏سمع الله لمن حمده‏]‏ قال‏:‏ ‏[‏ربنا ولك الحمد‏]‏‏؟‏ فقال‏:‏ إنما هذا للإمام جمعهما‏,‏ وليس هذا لأحد سوى الإمام ووجهه أن الخبر لم يرد به في حقه فلم يشرع له كقول‏:‏ ‏[‏سمع الله لمن حمده‏]‏ في حق المأموم وقال مالك وأبو حنيفة‏:‏ لا يشرع قول هذا في حق الإمام ولا المنفرد لما روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏إذا قال الإمام‏:‏ سمع الله لمن حمده فقولوا‏:‏ اللهم ربنا ولك الحمد فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له‏)‏ متفق عليه ولنا أن أبا هريرة قال ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول‏:‏ سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركوع‏,‏ ثم يقول وهو قائم‏:‏ ربنا ولك الحمد‏)‏ وعن أبي سعيد وابن أبي أوفى رواه مسلم ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان إذا رفع رأسه قال‏:‏ سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد‏)‏ متفق عليه ولأنه حال من أحوال الصلاة‏,‏ فيشرع فيه ذكر كالركوع والسجود وما ذكروه لا حجة لهم فيه فإنه إن ترك ذكره في حديثهم فقد ذكره في أحاديثنا وراويه أبو هريرة قد صرح بذكره في روايته الأخرى‏,‏ فحديثهم لو انفرد لم يكن فيه حجة فكيف نترك به الأحاديث الصحيحة الصريحة‏؟‏ والصحيح أن المنفرد يقول كما يقول الإمام ‏(‏لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- روى عنه أنه قال لبريدة‏:‏ يا بريدة‏:‏ إذا رفعت رأسك في الركوع فقل‏:‏ سمع الله لمن حمده‏,‏ ربنا ولك الحمد ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد‏)‏ رواه الدارقطني وهذا عام في جميع أحواله وقد صح أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يقول ذلك رواه أبو هريرة وأبو سعيد‏,‏ وابن أبي أوفى وعلى بن أبي طالب وغيرهم‏,‏ وكلها أحاديث صحاح ولم تفرق الرواية بين كونه إماما ومنفردا ولأن ما شرع من القراءة والذكر في حق الإمام شرع في حق المنفرد‏,‏ كسائر الأذكار‏.‏

فصل

والسنة أن يقول‏:‏ ‏"‏ ربنا ولك الحمد ‏"‏ بواو نص عليه أحمد في رواية الأثرم قال‏:‏ سمعت أبا عبد الله يثبت أمر الواو‏,‏ وقال‏:‏ روى فيه الزهري ثلاثة أحاديث عن أنس وعن سعيد بن المسيب‏,‏ عن أبي هريرة وعن سالم عن أبيه‏,‏ وفي حديث على الطويل وهذا قول مالك ونقل ابن منصور عن أحمد‏,‏ إذا رفع رأسه من الركوع قال‏:‏ اللهم ربنا لك الحمد فإنه لا يجعل فيها الواو ومن قال‏:‏ ‏"‏ ربنا ‏"‏ قال‏:‏ ‏"‏ ولك الحمد ‏"‏ وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- نقل عنه أنه قال‏:‏ ‏"‏ ربنا ولك الحمد ‏"‏‏,‏ كما نقل الإمام وفي حديث ابن أبي أوفى ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد‏)‏ وكذلك في حديث بريدة فاستحب الاقتداء به في القولين‏,‏ وقال الشافعي‏:‏ السنة أن يقول‏:‏ ربنا لك الحمد لأن الواو للعطف وليس ها هنا شيء يعطف عليه ولنا أن السنة الاقتداء بالنبى - صلى الله عليه وسلم- ولأن إثبات الواو أكثر حروفا ويتضمن الحمد مقدرا ومظهرا‏,‏ فإن التقدير‏:‏ ربنا حمدناك ولك الحمد فإن الواو لما كانت للعطف ولا شيء ها هنا تعطف عليه ظاهرا دلت على أن في الكلام مقدرا كقوله‏:‏ ‏"‏ سبحانك اللهم وبحمدك ‏"‏‏,‏ أي وبحمدك سبحانك وكيفما قال جاز وكان حسنا لأن كلا قد وردت السنة به‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏فإن كان مأموما‏,‏ لم يزد على قول‏:‏ ربنا ولك الحمد‏]‏ لا أعلم في المذهب خلافا أنه لا يشرع للمأموم قول‏:‏ ‏"‏ سمع الله لمن حمده ‏"‏ وهذا قول ابن مسعود وابن عمر‏,‏ وأبي هريرة والشعبي ومالك‏,‏ وأصحاب الرأي وقال ابن سيرين وأبو بردة‏,‏ وأبو يوسف ومحمد والشافعي‏,‏ وإسحاق‏:‏ يقول ذلك كالإمام لحديث بريدة ولأنه ذكر شرع للإمام فيشرع للمأموم كسائر الأذكار ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده‏,‏ فقولوا‏:‏ ربنا ولك الحمد‏)‏ وهذا يقتضي أن يكون قولهم ‏"‏ ربنا ولك الحمد ‏"‏ عقيب قوله ‏"‏ سمع الله لمن حمده ‏"‏ بغير فصل لأن الفاء للتعقيب وهذا ظاهر يجب تقديمه على القياس وعلى حديث بريدة‏,‏ لأن هذا صحيح مختص بالمأموم وحديث بريدة في إسناده جابر الجعفى وهو عام‏,‏ وتقديم الصحيح الخاص أولى فأما قول‏:‏ ‏"‏ ملء السماء ‏"‏ وما بعده فظاهر المذهب أنه لا يسن للمأموم‏,‏ نص عليه أحمد في رواية أبي داود وغيره وهو قول أكثر الأصحاب لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- اقتصر على أمرهم بقول‏:‏ ‏"‏ ربنا ولك الحمد ‏"‏ فدل على أنه لا يشرع في حقهم سواه ونقل الأثرم عن أحمد كلاما يدل على أنه مسنون قال‏:‏ وليس يسقط خلف الإمام عنه غير‏:‏ ‏"‏ سمع الله لمن حمده ‏"‏ وهذا اختيار أبي الخطاب‏,‏ ومذهب الشافعي لأنه ذكر مشروع في الصلاة أشبه سائر الأذكار‏.‏

فصل

وموضع قول‏:‏ ‏"‏ ربنا ولك الحمد ‏"‏ في حق الإمام والمنفرد بعد الاعتدال من الركوع لأنه في حال رفعه يشرع في حقه قول‏:‏ ‏"‏ سمع الله لمن حمده ‏"‏‏,‏ فأما المأموم ففي حال رفعه لأن قول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏إذا قال الإمام‏:‏ سمع الله لمن حمده فقولوا‏:‏ ربنا ولك الحمد‏)‏ يقتضي تعقيب قول الإمام قول المأموم والمأموم يأخذ في الرفع عقيب قول الإمام‏:‏ سمع الله لمن حمده فيكون قوله‏:‏ ربنا ولك الحمد حينئذ والله أعلم‏.‏

فصل

إذا زاد على قول‏:‏ ‏"‏ ملء السماء وملء الأرض‏,‏ وملء ما شئت من شيء بعد ‏"‏ فقد نقل أبو الحارث عن أحمد أنه إن شاء قال‏:‏ أهل الثناء والمجد قال أبو عبد الله‏:‏ وأنا أقول ذلك فظاهر هذا أنه يستحب ذلك‏,‏ وهو اختيار أبي حفص وهو الصحيح لأن أبا سعيد روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يقول‏:‏ ‏(‏ربنا ولك الحمد‏,‏ ملء السماء وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد‏,‏ أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد‏:‏ لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد‏)‏ رواه أبو داود‏,‏ والأثرم وعن ابن أبي أوفى أن النبي - صلى الله عليه وسلم- زاد‏:‏ ‏(‏اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس‏)‏ رواه مسلم‏,‏ وقد ‏(‏كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يطيل القيام بين الركوع والسجود‏)‏ وقال أنس‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا قال‏:‏ سمع الله لمن حمده قام حتى نقول‏:‏ قد أوهم ثم يسجد ويقعد بين السجدتين حتى نقول‏:‏ قد أوهم‏)‏ رواه مسلم وليست حالة سكوت فيعلم أنه عليه السلام قد كان يزيد على هذه الكلمات‏,‏ لكونها لا تستغرق هذا القيام كله وروي عن أحمد أنه قيل له‏:‏ أفلا يزيد على هذا فيقول‏:‏ أهل الثناء والمجد‏؟‏ فقال‏:‏ قد روى ذلك‏,‏ وأما أنا فأقول هذا إلى ‏"‏ ما شئت من شيء بعد ‏"‏ فظاهر هذا أنه لا يستحب ذلك في الفريضة اتباعا لأكثر الأحاديث الصحيحة‏.‏

فصل

إذا قال مكان ‏"‏ سمع الله لمن حمده ‏"‏‏:‏ ‏"‏ من حمد الله سمع له ‏"‏ لم يجزئه وقال أصحاب الشافعي‏:‏ يجزئه لأنه أتى باللفظ والمعنى ولنا أنه عكس اللفظ المشروع فلم يجزئه‏,‏ كما لو قال في التكبير‏:‏ الأكبر الله ولا نسلم أنه أتى بالمعنى فإن قوله‏:‏ سمع الله لمن حمده صيغة خبر تصلح دعاء واللفظ الآخر صيغة شرط وجزاء‏,‏ لا تصلح لذلك فهما متغايران‏.‏

فصل

إذا رفع رأسه من الركوع فعطس‏,‏ فقال‏:‏ ربنا ولك الحمد ينوي بذلك لما عطس وللرفع فروى عن أحمد أنه لا يجزئه لأنه لم يخلصه للرفع من الركوع والصحيح أن هذا يجزئه لأن هذا ذكر لا تعتبر له النية وقد أتى به فأجزأه‏,‏ كما لو قال ذاهلا وقلبه غير حاضر وقول أحمد يحمل على الاستحباب لا على نفى الإجزاء حقيقة‏.‏

فصل

إذا أتى بقدر الإجزاء من الركوع فاعترضته علة منعته من القيام‏,‏ سقط عنه الرفع لتعذره ويسجد عن الركوع فإن زالت العلة قبل سجوده فعليه القيام لإمكانه فإن زالت بعد سجوده إلى الأرض سقط القيام لأن السجود قد صح وأجزأ‏,‏ فسقط ما قبله فإن قام من سجوده عالما بتحريم ذلك بطلت صلاته وإن فعله جهلا أو نسيانا لم تبطل‏,‏ ويعود إلى جلسة الفصل ويسجد للسهو‏.‏

فصل

فإن أراد الركوع فوقع إلى الأرض‏,‏ فإنه يقوم فيركع وكذلك إن ركع وسقط قبل طمأنينته لزمته إعادة الركوع لأنه لم يأت بما يسقط فرضه وإن ركع واطمأن ثم سقط‏,‏ فإنه يقوم منتصبا ولا يحتاج إلى إعادة الركوع لأن فرضه قد سقط‏,‏ والاعتدال عنه قد سقط بقيامه‏.‏

فصل

إذا ركع ، ثم رفع رأسه ، فذكر أنه لم يسبح في ركوعه ، لم يعد إلى الركوع ، سواء ذكره قبل اعتداله قائما أو بعده ؛ لأن التسبيح قد سقط برفعه ، والركوع قد وقع صحيحا مجزئا ، فلو عاد إليه ، زاد ركوعا في الصلاة غير مشروع ، فإن فعله عمدا أبطل الصلاة ، كما لو زاده لغير عذر ، وإن فعله جاهلا أو ناسيا ، لم تبطل الصلاة ، كما لو ظن أنه لم يركع . ويسجد للسهو . فإن أدرك المأموم الإمام في هذا الركوع ، لم يدرك الركعة ؛ لأنه ليس بمشروع في حقه ، ولأنه لم يدرك ركوع الركعة ، فأشبه ما لو لم يدركه راكعا .

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ثم يكبر للسجود ولا يرفع يديه‏]‏ أما السجود فواجب بالنص والإجماع لما ذكرنا في الركوع والطمأنينة فيه ركن لقول النبي - صلى الله عليه وسلم- في حديث المسيء في صلاته‏:‏ ‏(‏ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا‏)‏ والخلاف فيه كالخلاف في طمأنينة الركوع‏,‏ وينحط إلى السجود مكبرا لما ذكرنا من الأخبار ولأن الهوى إلى السجود ركن فلا يخلو من ذكر‏,‏ كسائر الأركان ويكون ابتداء تكبيره مع ابتداء انحطاطه وانتهاؤه مع انتهائه والكلام في التكبير ووجوبه قد مضى ولا يستحب رفع يديه‏,‏ في المشهور من المذهب ونقل عنه الميمونى أنه رفع يديه وسئل عن رفع اليدين في الصلاة‏؟‏ فقال‏:‏ في كل خفض ورفع وقال‏:‏ فيه عن ابن عمر وأبي حميد أحاديث صحاح والصحيح الأول لأن ابن عمر قال‏:‏ ولا يفعل ذلك في السجود في حديثه الصحيح ولما وصف أبو حميد صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لم يذكر رفع اليدين في السجود والأحاديث العامة مفسرة بالأحاديث المفصلة التي رويناها‏,‏ فلا يبقى فيها اختلاف‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ويكون أول ما يقع منه على الأرض ركبتاه ثم يداه ثم جبهته وأنفه‏]‏ هذا المستحب في مشهور المذهب‏,‏ وقد روى ذلك عن عمر رضي الله عنه وبه قال مسلم بن يسار والنخعي وأبو حنيفة‏,‏ والثوري والشافعي وعن أحمد رواية أخرى أنه يضع يديه قبل ركبتيه وإليه ذهب مالك لما روي عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏إذا سجد أحدكم فليضع يديه قبل ركبتيه ولا يبرك بروك البعير‏)‏ رواه النسائي ولنا‏,‏ ما روى وائل بن حجر قال‏:‏ ‏(‏رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه‏)‏ أخرجه أبو داود‏,‏ والنسائي والترمذي قال الخطابي‏:‏ هذا أصح من حديث أبي هريرة وروي عن أبي سعيد قال‏:‏ ‏(‏كنا نضع اليدين قبل الركبتين‏,‏ فأمرنا بوضع الركبتين قبل اليدين‏)‏ وهذا يدل على نسخ ما تقدمه وقد روى الأثرم حديث أبي هريرة‏:‏ ‏(‏إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ولا يبرك بروك الفحل ‏)‏‏.‏

فصل

والسجود على جميع هذه الأعضاء واجب‏,‏ إلا الأنف فإن فيه خلافا سنذكره إن شاء الله وبهذا قال طاوس‏,‏ والشافعي في أحد قوليه وإسحاق وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي في القول الآخر‏:‏ لا يجب‏,‏ السجود على غير الجبهة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏سجد وجهي‏)‏ وهذا يدل على أن السجود على الوجه ولأن الساجد على الوجه يسمى ساجدا ووضع غيره على الأرض لا يسمى به ساجدا‏,‏ فالأمر بالسجود ينصرف إلى ما يسمى به ساجدا دون غيره ولأنه لو وجب السجود على هذه الأعضاء لوجب كشفها كالجبهة وذكر الآمدي هذا رواية عن أحمد وقال القاضي في ‏"‏ الجامع ‏"‏‏:‏ وهو ظاهر كلام أحمد فإنه قد نص في المريض يرفع شيئا يسجد عليه أنه يجزئه‏,‏ ومعلوم أنه قد أخل بالسجود على يديه ‏.‏

ولنا ما روى ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏أمرت بالسجود على سبعة أعظم اليدين والركبتين والقدمين‏,‏ والجبهة‏)‏ متفق عليه وروي عن ابن عمر رفعه‏:‏ ‏(‏إن اليدين يسجدان كما يسجد الوجه فإذا وضع أحدكم وجهه فليضع يديه وإذا رفعه فليرفعهما‏)‏ رواه الإمام أحمد‏,‏ وأبو داود والنسائي وسجود الوجه لا ينفي سجود ما عداه وسقوط الكشف لا يمنع وجوب السجود‏,‏ فإنا نقول كذلك في الجبهة على رواية وعلى الرواية الأخرى فإن الجبهة هي الأصل وهي مكشوفة عادة‏,‏ بخلاف غيرها فإن أخل بالسجود بعضو من هذه الأعضاء لم تصح صلاته عند من أوجبه‏,‏ وإن عجز عن السجود على بعض هذه الأعضاء سجد على بقيتها وقرب العضو المريض من الأرض غاية ما يمكنه ولم يجب عليه أن يرفع إليه شيئا لأن السجود هو الهبوط‏,‏ ولا يحصل ذلك برفع المسجود عليه وإن سقط السجود على الجبهة لعارض من مرض أو غيره‏,‏ سقط عنه السجود على غيره لأنه الأصل وغيره تبع له فإذا سقط الأصل سقط التبع ولهذا قال أحمد في المريض يرفع إلى جبهته شيئا يسجد عليه‏:‏ إنه يجزئه‏.‏

فصل

وفي الأنف روايتان‏:‏ إحداهما‏,‏ يجب السجود عليه وهذا قول سعيد بن جبير وإسحاق وأبي خيثمة‏,‏ وابن أبي شيبة لما روي عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏أمرت أن أسجد على سبعة أعظم الجبهة وأشار بيده إلى أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين‏)‏ متفق عليه‏,‏ وإشارته إلى أنفه تدل على أنه أراده وفي لفظ رواه النسائي أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏أمرت أن أسجد على سبعة أعظم‏,‏ الجبهة والأنف واليدين والركبتين والقدمين‏)‏ وروى عكرمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏لا صلاة لمن لا يصيب أنفه من الأرض ما تصيب الجبهة‏)‏ رواه الأثرم والإمام أحمد‏,‏ ورواه أبو بكر بن عبد العزيز والدارقطني في الأفراد متصلا عن عكرمة‏,‏ عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم- والصحيح أنه مرسل والرواية الثانية لا يجب السجود عليه وهو قول عطاء‏,‏ وطاوس وعكرمة والحسن‏,‏ وابن سيرين والشافعي وأبي ثور‏,‏ وصاحبى أبي حنيفة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏أمرت أن أسجد على سبعة أعظم‏)‏ ولم يذكر الأنف فيها وروى أن جابرا قال‏:‏ ‏(‏رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم- سجد بأعلى جبهته على قصاص الشعر‏)‏ رواه تمام في ‏"‏ فوائده ‏"‏‏,‏ وغيره وإذا سجد بأعلى الجبهة لم يسجد على الأنف وروي عن أبي حنيفة أنه إن سجد على أنفه دون جبهته‏,‏ أجزأه قال ابن المنذر‏:‏ لا أعلم أحدا سبقه إلى هذا القول ولعله ذهب إلى أن الجبهة والأنف عضو واحد لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- لما ذكر الجبهة أشار إلى أنفه‏,‏ والعضو الواحد يجزئه السجود على بعضه وهذا قول يخالف الحديث الصحيح والإجماع الذي قبله فلا يصح‏.‏

فصل

ولا تجب مباشرة المصلي بشيء من هذه الأعضاء قال القاضي : إذا سجد على كور العمامة أو كمه أو ذيله ، فالصلاة صحيحة رواية واحدة . وهذا مذهب مالك ، وأبي حنيفة . وممن رخص في السجود على الثوب في الحر والبرد عطاء ، وطاوس ، والنخعي ، والشعبي ، والأوزاعي ، ومالك ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي . ورخص في السجود على كور العمامة الحسن ، ومكحول ، وعبد الرحمن بن يزيد . وسجد شريح على برنسه ، وقال أبو الخطاب : لا يجب مباشرة المصلي بشيء من أعضاء السجود إلا الجبهة ، فإنها على روايتين . وقد روى الأثرم ، قال : سألت أبا عبد الرحمن عن السجود على كور العمامة ؟ فقال : لا يسجد على كورها ، ولكن يحسر العمامة . وهذا يحتمل المنع ، وهو مذهب الشافعي ؛ لما روي عن خباب ، قال : (شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا . فلم يشكنا) رواه مسلم . ولأنه سجد على ما هو حامل له ، أشبه ما إذا سجد على يديه . ولنا ما روى أنس ، قال : (كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود ) رواه البخاري ، ومسلم . وعن ثابت بن الصامت (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في بني عبد الأشهل ، وعليه كساء ملتف به يضع يديه عليه ، يقيه برد الحصى ). وفي رواية : (فرأيته واضعا يديه على قرنه إذا سجد ). رواه ابن ماجه . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه سجد على كور العمامة ) ، وهو ضعيف . وقال الحسن : كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة ، ويده في كمه . ولأنه عضو من أعضاء السجود ، فجاز السجود على حائله ، كالقدمين . فأما حديث خباب فالظاهر أنهم طلبوا منه تأخير الصلاة ، أو تسقيف المسجد ، أو نحو ذلك ، مما يزيل عنهم ضرر الرمضاء في جباههم وأكفهم ، أما الرخصة في السجود على كور العمامة ، فالظاهر أنهم لم يطلبوه ؛ لأن ذلك إنما طلبه الفقراء ، ولم يكن لهم عمائم ، ولا أكمام طوال يتقون بها الرمضاء ، فكيف يطلبون منه الرخصة فيها ؟ ولو احتمل ذلك ، لكنه لا يتعين ، فلم يحمل عليه دون غيره ؟ ولذلك لم يعملوا به في الأكف . قال أبو إسحاق : المنصوص عن الشافعي أنه لا يجب كشفهما . قال : وقد قيل فيه قول آخر ، إنه يجب . وإن سجد على يديه لم يصح ، رواية واحدة ؛ لأنه سجد على عضو من أعضاء السجود ، فالسجود يؤدي إلى تداخل السجود ، بخلاف مسألتنا . وقال القاضي في " الجامع " : لم أجد عن أحمد نصا في هذه المسألة ، ويجب أن تكون مبنية على السجود على غير الجبهة . هل هو واجب ؟ على روايتين ؛ إن قلنا : لا يجب جاز ، كما لو سجد على العمامة . وإن قلنا : يجب لم يجز ؛ لئلا يتداخل محل السجود بعضه في بعض . والمستحب مباشرة المصلي بالجبهة واليدين ليخرج من الخلاف ، ويأخذ بالعزيمة . قال أحمد : لا يعجبني إلا في الحر والبرد . وكذلك قال إسحاق ، وكان ابن عمر يكره السجود على كور العمامة ، وكان عبادة بن الصامت يحسر عمامته إذا قام إلى الصلاة ، وقال النخعي : أسجد على جبيني أحب إلي .

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ويكون في سجوده معتدلا‏]‏ قال الترمذي‏:‏ أهل العلم يختارون الاعتدال في السجود وروي عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏إذا سجد أحدكم فليعتدل‏,‏ ولا يفترش ذراعيه افتراش الكلب‏)‏ وقال‏:‏ هو حديث حسن صحيح وعن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم- نحوه رواه أبو داود وفي لفظ عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏اعتدلوا في السجود ولا يسجد أحدكم وهو باسط ذراعيه كالكلب‏)‏ وهذا هو الافتراش المنهي عنه في الحديث وهو أن يضع ذراعيه على الأرض‏,‏ كما تفعل السباع وقد كرهه أهل العلم وفي حديث أبي حميد‏:‏ وإذا سجد سجد غير مفترش ولا قابضهما‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ويجافى عضديه عن جنبيه‏,‏ وبطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه ويكون على أطراف أصابعه‏]‏ وجملته أن من السنة أن يجافى عضديه عن جنبيه‏,‏ وبطنه عن فخذيه إذا سجد لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يفعل ذلك في سجوده قال أبو عبد الله في ‏"‏ رسالته ‏"‏‏:‏ جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏‏,‏ أنه كان إذا سجد لو مرت بهيمة لنفدت‏)‏ وذلك لشدة مبالغته في رفع مرفقيه وعضديه ورواه أيضا أبو داود في حديث أبي حميد ‏(‏‏,‏ أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان إذا سجد جافى عضديه عن جنبيه‏)‏ ولأبى داود ‏(‏ثم سجد فأمكن أنفه وجبهته ونحى يديه عن جنبيه‏,‏ ووضع يديه حذو منكبيه‏)‏ وقال أبو إسحاق الشعبي‏:‏ وصف لنا البراء السجود فوضع يديه بالأرض ورفع عجيزته‏,‏ وقال‏:‏ هكذا رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم- يفعل وقال‏:‏ كان النبي - صلى الله عليه وسلم- إذا سجد جخ والجخ‏:‏ الخاوى رواهما أبو داود والنسائي ويستحب أن يكون على أطراف أصابع رجليه ويثنيهما إلى القبلة وقال أحمد‏:‏ ويفتح أصابع رجليه ليكون أصابعهما إلى القبلة ويسجد على صدور قدميه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏أمرت أن أسجد على سبعة أعظم‏)‏ ذكر منها أطراف القدمين‏,‏ وفي لفظ أن النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏سجد غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف رجليه القبلة‏)‏ من رواية البخاري ومن رواية الترمذي‏:‏ وفتح أصابع رجليه وهذا معناه ومن رواية أبي داود‏:‏ سجد‏,‏ فانتصب على كفيه وركبتيه وصدور قدميه وهو ساجد‏.‏

فصل

ويستحب أن يضع راحتيه على الأرض مبسوطتين‏,‏ مضمومتى الأصابع بعضها إلى بعض مستقبلا بهما القبلة ويضعهما حذو منكبيه ذكره القاضي‏,‏ وهو مذهب الشافعي لقول أبي حميد‏:‏ إن النبي - صلى الله عليه وسلم- وضع كفيه حذو منكبيه وروى الأثرم قال‏:‏ رأيت أبا عبد الله سجد ويداه بحذاء أذنيه وروى ذلك عن ابن عمر وسعيد بن جبير لما روى وائل بن حجر ‏(‏‏,‏ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- سجد فجعل كفيه بحذاء أذنيه‏)‏ رواه الأثرم وأبو داود‏,‏ ولفظه‏:‏ ثم سجد ووضع وجهه بين كفيه والجميع حسن‏.‏

فصل

والكمال في السجود على الأرض أن يضع جميع بطن كفيه وأصابعه على الأرض ويرفع مرفقيه‏,‏ فإن اقتصر على بعض باطنهما أجزأه قال أحمد‏:‏ إن وضع من اليدين بقدر الجبهة أجزأه وإن جعل ظهور كفيه إلى الأرض‏,‏ وسجد عليهما أو سجد على أطراف أصابع يديه فظاهر الخبر أنه يجزئه لأنه أمر بالسجود على اليدين‏,‏ وقد سجد عليهما وكذلك لو سجد على ظهور قدميه فإنه قد سجد على القدمين ولا يخلو من إصابة بعض أطراف قدميه الأرض‏,‏ فيكون ساجدا على أطراف قدميه ولكنه يكون تاركا للأفضل الأحسن لما ذكرنا من الأحاديث في ذلك‏.‏

فصل

ويستحب أن يفرق بين ركبتيه ورجليه لما روى أبو حميد قال‏:‏ وإذا سجد فرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه‏.‏

فصل

وإذا أراد السجود فسقط على وجهه فماست جبهته الأرض‏,‏ أجزأه ذلك وإن لم ينو إلا أن يقطع نية السجود فلا يجزئه وإن انقلب على جنبه ثم انقلب‏,‏ فماست جبهته الأرض لم يجزه ذلك إلا أن ينوي السجود والفرق بين المسألتين‏:‏ أنه ها هنا خرج عن سنن الصلاة وهيئاتها‏,‏ ثم كان انقلابه الثاني عائدا إلى الصلاة فافتقر إلى تجديد النية وفي التي قبلها هو على هيئة الصلاة وسنتها‏,‏ فاكتفى باستدامة النية‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ثم يقول‏:‏ سبحان ربى الأعلى ثلاثا وإن قال مرة أجزأه‏]‏ الحكم في هذا التسبيح كالحكم في تسبيح الركوع‏,‏ على ما شرحناه والأصل فيه حديث عقبة بن عامر قال‏:‏ ‏(‏لما نزل سبح اسم ربك الأعلى قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ اجعلوها في سجودكم‏)‏ وفي حديث ابن مسعود‏,‏ عن النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏إذا سجد أحدكم فليقل‏:‏ سبحان ربى الأعلى ثلاثا وذلك أدناه‏)‏ وعن حذيفة‏:‏ أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏إذا سجد قال‏:‏ سبحان ربى الأعلى ثلاث مرات‏)‏ رواهن ابن ماجه وأبو داود‏,‏ ولم يقل ‏"‏ ثلاث مرات ‏"‏ والحكم في عدده وتطويل السجود على ما ذكرناه في الركوع‏.‏

فصل

وإن زاد دعاء مأثورا أو ذكرا - مثل ما روى عن عائشة رضي الله عنها‏,‏ قالت‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده‏:‏ سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن‏)‏ متفق عليه وعن أبي سعيد ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ يا معاذ إذا وضعت وجهك ساجدا فقل‏:‏ اللهم أعنى على شكرك وحسن عبادتك‏)‏ وقال على رضي الله عنه‏:‏ أحب الكلام إلى الله أن يقول العبد - وهو ساجد -‏:‏ رب إني ظلمت نفسى فاغفر لي رواهما سعيد في ‏"‏ سننه ‏"‏ وعن أبي هريرة ‏(‏‏,‏ أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يقول في سجوده‏:‏ اللهم اغفر لي ذنبى كله‏,‏ دقه وجله وأوله وآخره وسره وعلانيته‏)‏ رواه مسلم - فحسن لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قاله وقد قال‏:‏ ‏(‏وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء‏,‏ فقمن أن يستجاب لكم‏)‏ حديث صحيح وقال القاضي‏:‏ لا تستحب الزيادة على‏:‏ ‏"‏ سبحان ربى الأعلى ‏"‏ في الفرض وفي التطوع روايتان لأنه لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم- فيه سوى الأمر بالتسبيح‏,‏ وقد ذكرنا هذه الأخبار الصحيحة وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أحق أن تتبع والأمر بالتسبيح لا ينفي الأمر بغيره‏,‏ كما أن أمره بالتشهد في الصلاة لم ينف كون الدعاء مشروعا ولو ساغ كون الأمر بالشيء نافيا لغيره لكان الأمر بالدعاء نافيا للتسبيح لصحة الأمر به وفعل النبي - صلى الله عليه وسلم- له فيه‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ثم يرفع رأسه مكبرا‏]‏ يعنى إذا قضى سجوده رفع رأسه مكبرا‏,‏ وجلس واعتدل ويكون ابتداء تكبيره مع ابتداء رفعه‏,‏ وانتهاؤه مع انتهائه وهذا الرفع والاعتدال عنه واجب وبهذا قال الشافعي وقال مالك وأبو حنيفة‏:‏ ليس بواجب بل يكفي عند أبي حنيفة أن يرفع رأسه مثل حد السيف لأن هذه جلسة فصل بين متشاكلين فلم تكن واجبة‏,‏ كجلسة التشهد الأول ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم- للمسيء في صلاته‏:‏ ‏(‏ثم اجلس حتى تطمئن جالسا‏)‏ متفق عليه ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يفعله ولم ينقل أنه أخل به‏,‏ قالت عائشة‏:‏ وكان - تعنى النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏- إذا رفع من السجدة لم يسجد حتى يستوي قاعدا‏)‏ متفق عليه ولأنه رفع واجب فكان الاعتدال عنه واجبا كالرفع من السجدة الأخيرة‏,‏ ولا يسلم لهم أن جلسة التشهد غير واجبة‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏فإذا جلس واعتدل يكون جلوسه على رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى‏]‏ السنة أن يجلس بين السجدتين مفترشا وهو أن يثنى رجله اليسرى‏,‏ فيبسطها ويجلس عليها وينصب رجله اليمنى ويخرجها من تحته‏,‏ ويجعل بطون أصابعه على الأرض معتمدا عليها لتكون أطراف أصابعها إلى القبلة قال أبو حميد في صفة صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها‏,‏ ثم اعتدل حتى رجع كل عظم في موضعه ثم هوى ساجدا وفي حديث النبي - صلى الله عليه وسلم- الذي روته عائشة‏:‏ ‏(‏وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى‏)‏ متفق عليه ويستحب أن يفتح أصابع رجله اليمنى‏,‏ فيستقبل بها القبلة ومعناه أن يثنيها نحو القبلة قال الأثرم‏:‏ تفقدت أبا عبد الله فرأيته يفتح أصابع رجله اليمنى‏,‏ فيستقبل بها القبلة وروى بإسناده عن عبد الرحمن بن يزيد قال‏:‏ كنا نعلم إذا جلسنا في الصلاة‏,‏ أن يفترش الرجل منا قدمه اليسرى وينصب قدمه اليمنى على صدر قدمه فإن كانت إبهام أحدنا لتنثنى فيدخل يده حتى يعدلها وعن ابن عمر‏,‏ قال‏:‏ من سنة الصلاة أن ينصب القدم اليمنى واستقباله بأصابعها القبلة رواه النسائي وقال نافع‏:‏ كان ابن عمر إذا صلى استقبل القبلة بكل شيء حتى بنعليه رواه الأثرم‏.‏

فصل

ويكره الإقعاء‏,‏ وهو أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه بهذا وصفه أحمد قال أبو عبيد‏:‏ هذا قول أهل الحديث‏,‏ والإقعاء عند العرب‏:‏ جلوس الرجل على أليتيه ناصبا فخذيه مثل إقعاء الكلب والسبع ولا أعلم أحدا قال باستحباب الإقعاء على هذه الصفة فأما الأول فكرهه علي‏,‏ وأبو هريرة وقتادة ومالك‏,‏ والشافعي وأصحاب الرأي وعليه العمل عند أكثر أهل العلم وفعله ابن عمر‏,‏ وقال‏:‏ لا تقتدوا بى فإنى قد كبرت وقد نقل مهنا عن أحمد أنه قال‏:‏ لا أفعله ولا أعيب من فعله وقال‏:‏ العبادلة كانوا يفعلونه وقال طاوس‏:‏ رأيت العبادلة يفعلونه ابن عمر‏,‏ وابن عباس وابن الزبير وعن ابن عباس أنه قال‏:‏ من السنة أن تمس أليتاك قدميك وقال طاوس‏:‏ ‏(‏قلنا لابن عباس في الإقعاء على القدمين في السجود‏؟‏ فقال‏:‏ هي السنة قال‏:‏ قلنا إنا لنراه جفاء بالرجل‏,‏ فقال‏:‏ هي سنة نبيك‏)‏ رواه مسلم وأبو داود ‏.‏

ولنا ما روى الحارث عن على قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لا تقع بين السجدتين‏)‏ وعن أنس قال‏:‏ قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏إذا رفعت رأسك من السجود فلا تقع كما يقعى الكلب‏)‏ رواهما ابن ماجه وفي صفة جلوس رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي حميد‏:‏ ثم ثنى رجله اليسرى‏,‏ وقعد عليها وفي حديث عائشة‏:‏ ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يفترش رجله اليسرى وينصب اليمنى وينهى عن عقبة الشيطان‏)‏ وهذه الأحاديث أكثر وأصح‏,‏ فتكون أولى وأما ابن عمر فإنه كان يفعل ذلك لكبره ويقول‏:‏ لا تقتدوا بى‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ويقول‏:‏ رب اغفر لي رب اغفر لي‏]‏ المستحب عند أبي عبد الله أن يقول بين السجدتين‏:‏ رب اغفر لي‏,‏ رب اغفر لي‏:‏ يكرر ذلك مرارا والواجب منه مرة وأدنى الكمال ثلاث‏,‏ والكمال منه مثل الكمال في تسبيح الركوع والسجود على ما مضى من اختلاف الروايتين واختلاف أهل العلم مثل ما ذكرنا في تسبيح الركوع والسجود والأصل في هذا ما روى حذيفة ‏(‏‏,‏ أنه صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم- فكان يقول بين السجدتين‏:‏ رب اغفر لي‏,‏ رب اغفر لي‏)‏ احتج به أحمد رواه النسائي وابن ماجه وروي عن ابن عباس أنه قال‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول بين السجدتين اللهم اغفر لي‏,‏ وارحمنى واهدنى وعافنى وارزقني‏)‏ رواه أبو داود‏,‏ وابن ماجه إلا أنه قال‏:‏ في صلاة الليل وإن قال‏:‏ رب اغفر لنا أو‏:‏ اللهم اغفر لنا مكان‏:‏ رب اغفر لي جاز‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ثم يكبر‏,‏ ويخر ساجدا‏]‏ وجملته أنه إذا فرغ من الجلسة بين السجدتين سجد سجدة أخرى على صفة الأولى سواء وهي واجبة إجماعا وكان النبي - صلى الله عليه وسلم- يسجد سجدتين لم يختلف عنه في ذلك‏.‏

فصل

والمستحب أن يكون شروع المأموم في أفعال الصلاة من الرفع والوضع‏,‏ بعد فراغ الإمام منه ويكره فعله معه في قول أكثر أهل العلم واستحب مالك أن تكون أفعاله مع أفعال الإمام ‏.‏

ولنا ما روى البراء قال‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا قال‏:‏ سمع الله لمن حمده‏,‏ لم نزل قياما حتى نراه قد وضع جبهته في الأرض ثم نتبعه‏)‏ متفق عليه وللبخاري‏:‏ ‏(‏لم يحن أحد منا ظهره حتى يقع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ساجدا ثم نقع سجودا بعده‏)‏ وعن أبي موسى‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- خطبنا فبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا فقال‏:‏ إذا صليتم فأقيموا صفوفكم‏,‏ وليؤمكم أحدكم فإذا كبر فكبروا - إلى قوله - فإذا ركع فاركعوا فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم‏,‏ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ فتلك بتلك‏)‏ رواه مسلم وفي لفظ‏:‏ ‏(‏فمهما أسبقكم به إذا ركعت تدركونى به إذا رفعت‏)‏ وروى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏إنما جعل الإمام ليؤتم به‏,‏ فلا تختلفوا عليه فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال‏:‏ سمع الله لمن حمده فقولوا‏:‏ ربنا ولك الحمد وإذا سجد فاسجدوا‏,‏ وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون‏)‏ متفق عليه وقوله‏:‏ ‏"‏ فإذا ركع فاركعوا ‏"‏ يقتضي أن يكون ركوعهم بعد ركوعه لأنه عقبه به بفاء التعقيب فيكون بعده‏,‏ كقولك‏:‏ جاء زيد فعمرو أي جاء بعده وإن وافق إمامه في أفعال الصلاة فركع وسجد معه أساء‏,‏ وصحت صلاته‏.‏

فصل

ولا يجوز أن يسبق إمامه لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏لا تسبقونى بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالانصراف‏)‏ رواه مسلم وعن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله صورته صورة حمار‏)‏ متفق عليه ولما روينا من الأخبار في الفصل الذي قبله‏,‏ ولأنه تابع له فلا ينبغي أن يسبقه كما في تكبيرة الإحرام فإن سبق إمامه فعليه أن يرفع ليأتى بذلك مؤتما بإمامه‏,‏ وقد روي عن عمر أنه قال‏:‏ إذا رفع أحدكم رأسه والإمام ساجد‏,‏ فليسجد وإذا رفع الإمام برأسه فليمكث قدر ما رفع فإن لم يفعل حتى لحقه الإمام سهوا أو جهلا فلا شيء عليه لأن هذا سبق يسير وإن سبق إمامه عمدا عالما بتحريمه‏,‏ فقال أحمد في رسالته‏:‏ ليس لمن سبق الإمام صلاة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار‏)‏ ولو كانت له صلاة لرجا له الثواب ولم يخش عليه العقاب وعن ابن مسعود‏,‏ أنه نظر إلى من سبق الإمام فقال‏:‏ لا وحدك صليت ولا بإمامك اقتديت‏,‏ وعن ابن عمر نحو من ذلك قال‏:‏ وأمره بالإعادة لأنه لم يأت بالركن مؤتما بإمامه فأشبه ما لو سبقه بتكبيرة الإحرام أو السلام وقال ابن حامد‏:‏ في ذلك وجهان قال القاضي‏:‏ عندي أنه تصح صلاته لأنه اجتمع معه في الركن فصحت صلاته‏,‏ كما لو ركع معه ابتداء‏.‏

فصل

فإن ركع ورفع قبل ركوع إمامه فقال أبو الخطاب‏:‏ إن فعله عمدا فهل تبطل صلاته‏؟‏ على وجهين لأنه سبقه بركن واحد فأشبه ما لو ركع قبله حسب وإن فعله سهوا فصلاته صحيحة وهل يعتد بتلك الركعة‏؟‏ فيه روايتان فأما إن سبقه بركعتين فركع قبله فلما أراد أن يركع رفع‏,‏ فلما أراد أن يرفع سجد عمدا بطلت صلاته لأنه لم يقتد بإمامه في أكثر الركعة وإن فعله سهوا لم تبطل صلاته لأنه معذور ولم يعتد بتلك الركعة لعدم اقتدائه بإمامه فيها‏.‏

فصل

فإن سبق الإمام المأموم بركن كامل مثل أن ركع ورفع قبل ركوع المأموم‏,‏ لعذر من نعاس أو زحام أو عجلة الإمام فإنه يفعل ما سبق به ويدرك إمامه‏,‏ ولا شيء عليه نص عليه أحمد قال المروذي‏:‏ قلت لأبي عبد الله‏:‏ الإمام إذا سجد فرفع رأسه قبل أن أسجد‏؟‏ قال‏:‏ إن كانت سجدة واحدة فأتبعه إذا رفع رأسه وهذا لا أعلم فيه خلافا وإن سبقه بركعة كاملة أو أكثر فإنه يتبع إمامه‏,‏ ويقضى ما سبقه الإمام به قال أحمد في رجل نعس خلف الإمام حتى صلى ركعتين‏؟‏ قال‏:‏ كأنه أدرك ركعتين فإذا سلم الإمام صلى ركعتين‏,‏ وإن سبقه بأكثر من ركن وأقل من ركعة ثم زال عذره‏,‏ فالمنصوص عن أحمد أنه يتبع إمامه ولا يعتد بتلك الركعة فإنه قال في رجل ركع إمامه وسجد وهو قائم لا يشعر ولم يركع حتى سجد الإمام‏,‏ فقال‏:‏ يسجد معه ويأتى بركعة مكانها وقال المروذي‏:‏ قلت لأبي عبد الله‏:‏ الإمام إذا سجد ورفع رأسه قبل أن أسجد‏؟‏ قال‏:‏ إن كانت سجدة واحدة فاتبعه إذا رفع رأسه وإن كان سجدتان فلا يعتد بتلك الركعة وظاهر هذا أنه متى سبقه بركعتين بطلت تلك الركعة وإن سبقه بأقل من ذلك فعله وأدرك إمامه وقال أصحابنا‏,‏ فيمن زحم عن السجود يوم الجمعة‏:‏ ينتظر زوال الزحام ثم يسجد ويتبع الإمام ما لم يخف فوات الركوع في الثانية مع الإمام وهذا يقتضي أنه يفعل ما فاته وإن كان أكثر من ركن واحد وهذا قول الشافعي ‏(‏لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- فعله بأصحابه في صلاة عسفان‏,‏ حين أقامهم خلفه صفين فسجد بالصف الأول والصف الثاني قائم‏,‏ حتى قام النبي - صلى الله عليه وسلم- إلى الثانية فسجد الصف الثاني ثم تبعه‏)‏ وكان ذلك جائزا للعذر فهذا مثله وقال مالك‏:‏ إن أدركهم المسبوق في أول سجودهم سجد معهم‏,‏ واعتد بها وإن علم أنه لا يقدر على الركوع وأدركهم في السجود حتى يستووا قياما فليتبعهم فيما بقي من صلاتهم‏,‏ ثم يقضى ركعة ثم يسجد للسهو ونحوه‏,‏ قال الأوزاعي‏:‏ ولم يجعل عليه سجدتي السهو والأولى في هذا والله أعلم ما كان على قياس فعل النبي - صلى الله عليه وسلم- في صلاة الخوف فإن ما لا نص فيه يرد إلى أقرب الأشياء به من المنصوص عليه وإن فعل ذلك لغير عذر بطلت صلاته لأنه ترك الائتمام بإمامه عمدا‏,‏ والله أعلم‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ثم يرفع رأسه مكبرا ويقوم على صدور قدميه معتمدا على ركبتيه‏]‏ وجملته أنه إذا قضى سجدته الثانية نهض للقيام مكبرا‏,‏ والقيام ركن والتكبير واجب في إحدى الروايتين واختلفت الرواية عن أحمد‏:‏ هل يجلس للاستراحة‏؟‏ فروى عنه‏:‏ لا يجلس وهو اختيار الخرقي‏,‏ وروى ذلك عن عمر وعلى وابن مسعود‏,‏ وابن عمر وابن عباس وبه يقول مالك‏,‏ والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي وقال أحمد‏:‏ أكثر الأحاديث على هذا وذكر عن عمر‏,‏ وعلى وعبد الله وقال النعمان بن أبي عياش‏:‏ أدركت غير واحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- يفعل ذلك أي لا يجلس قال الترمذي‏:‏ وعليه العمل عند أهل العلم وقال أبو الزناد‏:‏ تلك السنة والرواية الثانية‏:‏ أنه يجلس اختارها الخلال وهو أحد قولي الشافعي قال الخلال‏:‏ رجع أبو عبد الله إلى هذا يعنى ترك قوله بترك الجلوس لما روى مالك بن الحويرث ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يجلس إذا رفع رأسه من السجود قبل أن ينهض‏)‏ متفق عليه وذكره أيضا أبو حميد في صفة صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهو حديث حسن صحيح فيتعين العمل به‏,‏ والمصير إليه وقيل‏:‏ إن كان المصلى ضعيفا جلس للاستراحة لحاجته إلى الجلوس وإن كان قويا لم يجلس لغناه عنه وحمل جلوس النبي - صلى الله عليه وسلم- على أنه كان في آخر عمره‏,‏ عند كبره وضعفه وهذا فيه جمع بين الأخبار وتوسط بين القولين فإذا قلنا‏:‏ يجلس فيحتمل أنه يجلس مفترشا على صفة الجلوس بين السجدتين‏,‏ وهو مذهب الشافعي لقول أبي حميد في صفة صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏ثم ثنى رجله وقعد واعتدل حتى يرجع كل عضو في موضعه‏,‏ ثم نهض‏)‏ وهذا صريح في كيفية جلسة الاستراحة فيتعين المصير إليه وقال الخلال‏:‏ روى عن أحمد من لا أحصيه كثرة أنه يجلس على أليتيه قال القاضي‏:‏ يجلس على قدميه وأليتيه‏,‏ مفضيا بهما إلى الأرض لأنه لو جلس مفترشا لم يأمن السهو فيشك هل جلس عن السجدة الأولى أو الثانية‏؟‏ وبهذا يأمن ذلك وقال أبو الحسن الآمدي‏:‏ لا يختلف أصحابنا أنه لا يلصق أليتيه بالأرض في جلسة الاستراحة بل يجلس معلقا عن الأرض وعلى كلتى الروايتين ينهض إلى القيام على صدور قدميه معتمدا على ركبتيه‏,‏ ولا يعتمد على يديه قال القاضي‏:‏ لا يختلف قوله أنه لا يعتمد على الأرض سواء قلنا‏:‏ يجلس للاستراحة أو لا يجلس وقال مالك‏,‏ والشافعي‏:‏ السنة أن يعتمد على يديه في النهوض لأن مالك بن الحويرث قال في صفة صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏‏,‏ إنه لما رفع رأسه من السجدة الثانية استوى قاعدا ثم اعتمد على الأرض‏)‏ رواه النسائي ولأن ذلك أعون للمصلى ‏.‏

ولنا ما روى وائل بن حجر قال‏:‏ ‏(‏رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه‏,‏ وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه‏)‏ رواه النسائي والأثرم وفي لفظ‏:‏ ‏(‏وإذا نهض نهض على ركبتيه‏,‏ واعتمد على فخذيه‏)‏ وعن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض في الصلاة‏)‏ رواهما أبو داود وقال على كرم الله وجهه‏:‏ ‏(‏إن من السنة في الصلاة المكتوبة‏,‏ إذا نهض الرجل في الركعتين الأوليين أن لا يعتمد بيديه على الأرض إلا أن يكون شيخا كبيرا لا يستطيع‏)‏ رواه الأثرم وقال أحمد‏:‏ بذلك جاء الأثر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وعن أبي هريرة ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان في الصلاة ينهض على صدور قدميه‏)‏ رواه الترمذي وقال‏:‏ يرويه خالد بن إلياس قال أحمد‏:‏ ترك الناس حديثه ولأنه أشق فكان أفضل‏,‏ كالتجافى والافتراش وحديث مالك محمول على أنه كان من النبي - صلى الله عليه وسلم- لمشقة القيام عليه لضعفه وكبره فإنه قال عليه السلام‏:‏ ‏(‏إني قد بدنت فلا تسبقونى بالركوع ولا بالسجود ‏)‏‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏إلا أن يشق ذلك عليه‏,‏ فيعتمد بالأرض‏]‏ يعنى إذا شق عليه النهوض على الصفة التي ذكرناها فلا بأس باعتماده على الأرض بيديه لا نعلم أحدا خالف في هذا‏,‏ وقد دل عليه حديث مالك بن الحويرث وقول على رضي الله عنه‏:‏ إلا أن يكون شيخا كبيرا ومشقة ذلك تكون لكبر أو ضعف‏,‏ أو مرض أو سمن ونحوه‏.‏

فصل

يستحب أن يكون ابتداء تكبيره مع ابتداء رفع رأسه من السجود‏,‏ وانتهاؤه عند اعتداله قائما ليكون مستوعبا بالتكبير جميع الركن المشروع فيه وعلى هذا بقية التكبيرات‏,‏ إلا من جلس جلسة الاستراحة فإنه ينتهى تكبيره عند انتهاء جلوسه ثم ينهض للقيام بغير تكبير وقال أبو الخطاب‏:‏ ينهض مكبرا وليس بصحيح فإنه يفضي إلى أن يوالى بين تكبيرتين في ركن واحد لم يرد الشرع بجمعهما فيه‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ويفعل في الثانية مثل ما فعل في الأولى‏]‏ يعنى يصنع في الركعة الثانية من الصلاة مثل ما صنع في الركعة الأولى على ما وصف لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- وصف الركعة الأولى للمسيء في صلاته‏,‏ ثم قال‏:‏ ‏(‏افعل ذلك في صلاتك كلها‏)‏ وهذا لا خلاف فيه نعلمه إلا أن الثانية تنقص النية وتكبيرة الإحرام والاستفتاح لأن ذلك يراد لافتتاح الصلاة وقد روى مسلم عن أبي هريرة‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين ولم يسكت‏)‏ وهذا يدل على أنه لم يكن يستفتح ولا يستعيذ ولا نعلم في ترك هذه الأمور الثلاثة خلافا‏,‏ فيما عدا الركعة الثالثة فأما الاستعاذة فاختلفت الرواية عن أحمد فيها في كل ركعة فعنه أنها تختص بالركعة الأولى وهو قول عطاء والحسن‏,‏ والنخعي والثوري لحديث أبي هريرة هذا ولأن الصلاة جملة واحدة فالقراءة فيها كلها كالقراءة الواحدة‏,‏ ولذلك اعتبرنا الترتيب في القراءة في الركعتين فأشبه ما لو سجد للتلاوة في أثناء قراءته فإذا أتى بالاستعاذة في أولها كفى ذلك كالاستفتاح فعلى هذه الرواية إذا ترك الاستعاذة في الأولى لنسيان أو غيره‏,‏ أتى بها في الثانية والاستفتاح بخلاف ذلك نص عليه لأن الاستفتاح لافتتاح الصلاة فإذا فات في أولها فات محله والاستعاذة للقراءة‏,‏ وهو يستفتحها في الثانية وإن شرع في القراءة قبل الاستعاذة لم يأت بها في تلك الركعة لأنها سنة فات محلها والرواية الثانية‏,‏ يستعيذ في كل ركعة وهو قول ابن سيرين والشافعي لقوله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم‏}‏ فيقتضى ذلك تكرير الاستعاذة عند تكرير القراءة‏,‏ ولأنها مشروعة للقراءة فتكرر بتكررها كما لو كانت في صلاتين‏.‏