الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
وَمَنْ وَطِئَ عَمْدًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ ثُمَّ سَافَرَ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ أَوْ جُنَّ, أَوْ مَرِضَ لاَ تَسْقُطُ عَنْهُ الْكَفَّارَةُ لأَِنَّ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلاَ يَسْقُطُ بَعْدَ وُجُوبِهِ إلاَّ بِنَصٍّ, وَلاَ نَصَّ فِي سُقُوطِهَا لِمَا ذَكَرْنَا. وقال أبو حنيفة, وَأَصْحَابُهُ: تَسْقُطُ بِالْمَرَضِ، وَلاَ تَسْقُطُ بِالسَّفَرِ . وَصِفَةُ الْكَفَّارَةِ الْوَاجِبَةِ هِيَ كَمَا ذَكَرْنَا فِي رِوَايَةِ جُمْهُورِ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ: مِنْ عِتْقِ رَقَبَةٍ لاَ يُجْزِئُهُ غَيْرُهَا مَا دَامَ يَقْدِرُ عَلَيْهَا, فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا لَزِمَهُ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ, فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهَا لَزِمَهُ حِينَئِذٍ إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا فإن قيل: هَلاَّ قُلْتُمْ بِمَا رَوَاهُ يَحْيَى الأَنْصَارِيُّ، وَابْنُ جُرَيْجٍ, وَمَالِكٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ مِنْ تَخْيِيرِهِ بَيْنَ كُلِّ ذَلِكَ قلنا: لِمَا قَدْ بَيَّنَّا مِنْ أَنَّ هَؤُلاَءِ اخْتَصَرُوا الْحَدِيثَ, وَأَتَوْا بِأَلْفَاظِهِمْ, أَوْ بِلَفْظٍ مِنْ دُونِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . وأما سَائِرُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ فَأَتَوْا بِلَفْظِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الَّذِي لاَ يَحِلُّ تَعَدِّيهِ أَصْلاً, وَبِزِيَادَةِ حُكْمِ التَّرْتِيبِ, وَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ الزِّيَادَةِ وَبِقَوْلِنَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ, وَالشَّافِعِيُّ, وَأَبُو سُلَيْمَانَ, وَأَحْمَدُ, وَجُمْهُورُ النَّاسِ وأما مَالِكٌ فَقَالَ بِمَا رُوِيَ; إلاَّ أَنَّهُ اسْتَحَبَّ الإِطْعَامَ, وَلَيْسَ لِهَذَا الاِسْتِحْبَابِ وَجْهٌ أَصْلاً. وأما أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ أَجَازَ فِي الإِطْعَامِ الْمَذْكُورِ: أَنْ تُطْعِمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا, وَهَذَا خِلاَفٌ مُجَرِّدٌ لاَِمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلاَ يَقَعُ اسْمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ أَصْلاً . وَيُجْزِئُ فِي ذَلِكَ رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ أَوْ كَافِرَةٌ, صَغِيرَةٌ, أَوْ كَبِيرَةٌ, ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى, مَعِيبٌ أَوْ سَلِيمٌ لِعُمُومِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْتِقْ رَقَبَةً فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ الرِّقَابِ الَّتِي تُعْتَقُ لاَ يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ لَبَيَّنَهُ عليه السلام, وَلَمَا أَهْمَلَهُ حَتَّى يُبَيِّنَهُ لَهُ غَيْرُهُ. وَيُجْزِئُ فِي ذَلِكَ: أُمُّ الْوَلَدِ, وَالْمُدَبَّرُ, وَالْمُعْتَقُ بِصِفَةٍ, وَإِلَى أَجَلٍ, وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ, وَلاَ يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ نِصْفَانِ مِنْ رَقَبَتَيْنِ, وَلاَ مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وقال أبو حنيفة بِقَوْلِنَا فِي الْكَافِرِ وَالصَّغِيرِ: وقال مالك, وَالشَّافِعِيُّ لاَ يُجْزِئُ إلاَّ مُؤْمِنَةٌ, قَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الرَّقَبَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ. قال أبو محمد: وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ, ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلاً, لأَِنَّ مَالِكًا لاَ يَقِيسُ حُكْمَ قَاتِلِ الْعَمْدِ عَلَى حُكْمِ قَاتِلِ الْخَطَأِ فِي الْكَفَّارَةِ, فَإِذَا لَمْ يَقِسْ قَاتِلاً عَلَى قَاتِلٍ فَقِيَاسُ الْوَاطِئِ عَلَى الْقَاتِلِ أَوْلَى بِالْبُطْلاَنِ, إنْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا وَالشَّافِعِيُّ لاَ يَقِيسُ الْمُفْطِرَ بِالأَكْلِ عَلَى الْمُفْطِرِ بِالْوَطْءِ فِي الْكَفَّارَةِ, فَإِذَا لَمْ يَقِسْ مُفْطِرًا عَلَى مُفْطِرٍ فَقِيَاسُ الْمُفْطِرِ عَلَى الْقَاتِلِ أَوْلَى بِالْبُطْلاَنِ, إنْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ كَفَّارَةَ الْوَاطِئِ فِي رَمَضَانَ يُعَوَّضُ فِيهَا الإِطْعَامُ مِنْ الصِّيَامِ, وَلاَ يُعَوَّضُ الإِطْعَامُ مِنْ الصِّيَامِ فِي كَفَّارَةِ قَتْلِ الْخَطَأِ فَقَدْ صَحَّ إجْمَاعُهُمْ عَلَى أَنَّ حُكْمَ كَفَّارَةِ الْوَاطِئِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ كَفَّارَةِ الْقَاتِلِ; فَبَطَلَ بِهَذَا قِيَاسُ إحْدَاهُمَا عَلَى الآُخْرَى فَإِنْ قَالُوا: إنَّ النَّصَّ لَمْ يَرِدْ بِالتَّعْوِيضِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ, وَوَرَدَ بِهِ فِي كَفَّارَةِ الْوَطْءِ قلنا: وَالنَّصُّ لَمْ يَرِدْ بِاشْتِرَاطِ مُؤْمِنَةٍ فِي كَفَّارَةِ الْوَطْءِ وَوَرَدَ بِهِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ, وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ. فَإِنْ قَالُوا: الْمُؤْمِنَةُ أَفْضَلُ قلنا: نَعَمْ; وَالْعَالِمُ الْفَاضِلُ أَفْضَلُ مِنْ الْجَاهِلِ الْفَاسِقِ. قَالَ تَعَالَى: وَقَالَ تَعَالَى: وأما الْمَعِيبُ فَكُلُّهُمْ مُتَّفِقٌ عَلَى إجَازَةِ الْعَيْبِ الْخَفِيفِ فِيهَا, وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ, وَلاَ إجْمَاعٌ, وَلاَ قِيَاسٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْعُيُوبِ فِي ذَلِكَ وَأَيْضًا: فَلاَ سَبِيلَ لَهُمْ إلَى تَحْدِيدِ الْخَفِيفِ الَّذِي أَجَازُوهُ مِنْ الْكَثِيرِ الَّذِي لاَ يُجِيزُونَهُ فَصَحَّ أَنَّهُ رَأْيٌ فَاسِدٌ مِنْ آرَائِهِمْ وقال أبو حنيفة: يُجْزِئُ الأَعْوَرُ, وَالْمَقْطُوعُ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ أَوْ كِلَيْهِمَا مِنْ خِلاَفٍ, وَالْمَقْطُوعُ إصْبَعَيْنِ مِنْ كُلِّ يَدٍ سِوَى الإِبْهَامَيْنِ. وَلاَ يُجْزِئُ الأَعْمَى, وَلاَ الْمُقْعَدُ, وَلاَ الْمَقْطُوعُ يَدًا وَرِجْلاً مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ, وَلاَ مَقْطُوعُ الإِبْهَامَيْنِ فَقَطْ مِنْ كِلْتَا يَدَيْهِ، وَلاَ مَقْطُوعُ ثَلاَثِ أَصَابِعَ مِنْ كُلِّ يَدٍ قال أبو محمد: وَهَذِهِ تَخَالِيطُ قَوِيَّةٌ بِمَرَّةٍ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا لاَ يُجْزِئُ لَبَيَّنَهُ عليه السلام. وأما أُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرُ فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الْعِتْقَ جَائِزٌ فِيهِمَا وَحُكْمُهُ وَاقِعٌ عَلَيْهِمَا إذَا عَتَقَا, فَمُعْتِقُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسَمَّى مُعْتِقَ رَقَبَةٍ, وَعِتْقُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عِتْقَ رَقَبَةٍ بِلاَ خِلاَفٍ; فَوَجَبَ أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا فِي ذَلِكَ فَقَدْ فَعَلَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ. وقال أبو حنيفة, وَمَالِكٌ: لاَ يُجْزِئَانِ وقال الشافعي: لاَ تُجْزِئُ أُمُّ الْوَلَدِ, لأَِنَّهَا لاَ تُبَاعُ قال أبو محمد: فَكَانَ مَاذَا وَهَلْ اشْتَرَطَ عليه السلام إذْ أَمَرَ فِي الْكَفَّارَةِ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَجُوزُ بَيْعُهَا حَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا, فَإِذْ لَمْ يَشْتَرِطْ عليه السلام هَذِهِ الصِّفَةَ فَاشْتِرَاطُهَا بَاطِلٌ, وَشَرْعٌ فِي الدِّينِ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. وَأَجَازَ فِي ذَلِكَ عِتْقَ الْمُدَبَّرِ وَمِمَّنْ أَجَازَ عِتْقَ أُمِّ الْوَلَدِ, وَالْمُدَبَّرِ فِي ذَلِكَ: عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ, وَأَبُو سُلَيْمَانَ وأما الْمُكَاتَبُ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ عَبْدٌ, وَمِمَّنْ أَجَازَهُ فِي الْكَفَّارَةِ دُونَ مَنْ أَدَّى شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ: أَبُو حَنِيفَةَ, وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ, وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ. وأما الْمُكَاتَبُ الَّذِي أَدَّى شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ, وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ, فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ شُرُوعُ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ بِقَدْرِ مَا أَدَّى, فَمَنْ أَعْتَقَ بَاقِيَهُمَا فَإِنَّمَا أَعْتَقَ بَعْضَ رَقَبَةٍ; لاَ رَقَبَةً; فَلَمْ يُؤَدِّ مَا أُمِرَ بِهِ. وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا فِي أَنَّهُمَا لاَ يُجْزِئَانِ: أَبُو حَنِيفَةَ, وَأَحْمَدُ, وَإِسْحَاقُ. وأما مَنْ أَعْتَقَ نِصْفَيْ رَقَبَتَيْنِ فَلاَ يُسَمَّى مُعْتِقَ رَقَبَةٍ كَمَا ذَكَرْنَا; وَلأَِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ سَائِرُهُمَا بِحُكْمٍ آخَرَ، وَلاَ بُدَّ; فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُعْتِقَ رَقَبَةٍ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يُؤَدِّ مَا أُمِرَ بِهِ وأما الْمُعْتِقُ إلَى أَجَلٍ وَإِنْ قَرُبَ أَوْ بِصِفَةٍ فَعِتْقُهُمَا وَبَيْعُهُمَا جَائِزٌ; أَمَّا الْمُعْتَقُ فَلاَ خِلاَفُ مِنْهُمْ نَعْلَمُهُ فِيهِ. وَمِمَّنْ أَجَازَهُمَا فِي الْكَفَّارَةِ: الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ, وَمُعْتَقُهُمَا يُسَمَّى: مُعْتِقَ رَقَبَةٍ. وَكُلُّ مَا قلنا: أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ; فَإِنَّهُ عِتْقٌ مَرْدُودٌ بَاطِلٌ لاَ يَنْفُذُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ وَلأَِنَّهُ لَمْ يُعْتِقْهُ إلاَّ بِصِفَةٍ لَمْ تَصِحَّ, فَلَمْ يَصِحَّ عِتْقُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ . وَمَنْ كَانَ فَرْضَهُ الصَّوْمُ, فَقَطَعَ صَوْمَهُ عَلَيْهِ رَمَضَانُ, أَوْ أَيَّامُ الأَضْحَى, أَوْ مَا لاَ يَحِلُّ صِيَامُهُ فَلَيْسَا مُتَتَابِعِينَ وَإِنَّمَا أُمِرَ بِهِمَا مُتَتَابِعِينَ وَقَالَ قَائِلٌ: يُجْزِئُهُ قال علي: وهذا خِلاَفُ أَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ كَوْنُهُ مَعْذُورًا فِي إفْطَارِهِ غَيْرَ آثِمٍ، وَلاَ مَلُومٍ بِمُجِيزٍ لَهُ مَا لَمْ يُجَوِّزْهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ عَدَمِ التَّتَابُعِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ: مَنْ لَزِمَهُ شَهْرَانِ مُتَتَابِعَانِ فَمَرِضَ فَأَفْطَرَ فَإِنَّهُ يَبْتَدِئُ صَوْمَهُمَا . فَإِنْ اعْتَرَضَهُ فِيهِمَا يَوْمُ نَذْرٍ نَذَرَهُ: بَطَلَ النَّذْرُ وَسَقَطَ عَنْهُ, وَتَمَادَى فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ وَكَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ سَوَاءٌ سَوَاءٌ, لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ. فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ لأَِحَدٍ أَنْ يَلْتَزِمَ غَيْرَ مَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى, وَمَنْ نَذَرَ مَا يَبْطُلُ بِهِ فَرْضَ اللَّهِ تَعَالَى: فَنَذْرُهُ بَاطِلٌ; لأَِنَّهُ تَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . فَإِنْ بَدَأَ بِصَوْمِهِمَا فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ صَامَ إلَى أَنْ يَرَى الْهِلاَلَ الثَّالِثَ، وَلاَ بُدَّ كَامِلَيْنِ كَانَا أَوْ نَاقِصَيْنِ, أَوْ كَامِلاً وَنَاقِصًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: فَإِنْ بَدَأَ بِهِمَا فِي بَعْضِ الشَّهْرِ وَلَوْ لَمْ يَمْضِ مِنْهُ إلاَّ يَوْمٌ, أَوْ لَمْ يَبْقَ إلاَّ يَوْمٌ فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ: لَزِمَهُ صَوْمُ ثَمَانِيَةٍ وَخَمْسِينَ يَوْمًا لاَ أَكْثَرَ لِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: آلَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نِسَائِهِ فَأَقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً ثُمَّ نَزَلَ, فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ, آلَيْتُ شَهْرًا, فَقَالَ: إنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ مُتَوَاتِرَةٍ جِدًّا كَذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا, وَمِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو, وَجَبَلَةِ بْنِ سُحَيْمٍ, وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ, وَعُقْبَةَ بْنِ حُرَيْثٍ, وَسَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ كُلُّهُمْ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ, وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ, وَمِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ, كُلُّهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَسَانِيدَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ; فَإِذَا الشَّهْرُ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَيَكُونُ ثَلاَثِينَ, فَلاَ يَلْزَمُهُ إلاَّ الْيَقِينُ, وَهُوَ الأَقَلُّ وَقَالَ قَائِلُونَ: عَلَيْهِ أَنْ يُوَفِّيَ سِتِّينَ يَوْمًا لِيَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ إتْمَامِ الشَّهْرَيْنِ قال أبو محمد: وَهَذَا خَطَأٌ; لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَلْزَمَهُ شَهْرَيْنِ, وَلَمْ يَقُلْ كَامِلَيْنِ, كُلُّ شَهْرٍ مِنْ ثَلاَثِينَ يَوْمًا, فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ شَهْرَيْنِ, وَاسْمُ شَهْرَيْنِ يَقَعُ بِنَصِّ كَلاَمِهِ عليه السلام عَلَى تِسْعٍ وَعِشْرِينَ, وَتِسْعٍ وَعِشْرِينَ, وَالْفَرَائِضُ لاَ تَلْزَمُ إلاَّ بِنَصٍّ, أَوْ إجْمَاعٍ وَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ هَذَا مِنْ الْحَنَفِيِّينَ أَنْ يَقُولَ: لاَ تُجْزِئُ الرَّقَبَةُ إلاَّ مُؤْمِنَةً; لِيَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ قَدْ أَدَّى الْفَرْضَ فِي الرَّقَبَةِ وَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ بِهَذَا مِنْ الْمَالِكِيِّينَ, وَالشَّافِعِيِّينَ أَنْ يَقُولَ: لاَ تُجْزِئُ إلاَّ غَدَاءً وَعَشَاءً, أَوْ غَدَاءً وَغَدَاءً, أَوْ عَشَاءً وَعَشَاءً, كَمَا يَقُولُ الْحَنَفِيُّونَ, وَلاَ يُجْزِئُ إلاَّ صَاعٌ مِنْ شَعِيرِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ, أَوْ نِصْفُ صَاعِ بُرٍّ: لِيَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَدَاءِ فَرْضِ الإِطْعَامِ . وَمَنْ كَانَ فَرْضُهُ الإِطْعَامَ فَإِنَّهُ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يُطْعِمَهُمْ شِبَعَهُمْ, مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَطْعَمَهُمْ وَإِنْ اخْتَلَفَ مِثْلُ: أَنْ يُطْعِمَ بَعْضَهُمْ خُبْزًا, وَبَعْضَهُمْ تَمْرًا, وَبَعْضَهُمْ ثَرِيدًا, وَبَعْضَهُمْ زَبِيبًا, وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَيُجْزِئُ فِي ذَلِكَ مُدٌّ بِمُدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنْ أَعْطَاهُمْ حَبًّا أَوْ دَقِيقًا أَوْ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ, مِمَّا يُؤْكَلُ وَيُكَالُ; فَإِنْ أَطْعَمَهُمْ طَعَامًا مَعْمُولاً فَيُجْزِئُهُ مَا أَشْبَعَهُمْ أَكْلَةً وَاحِدَةً, أَقَلَّ كَانَ أَوْ أَكْثَرَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ، حدثنا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ، حدثنا مُؤَمَّلٌ، هُوَ ابْنُ إسْمَاعِيلَ الْحِمْيَرِيُّ، حدثنا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ، هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ خَبَرَ الْوَاطِئِ فِي رَمَضَانَ, قَالَ قَالَ: فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمِكْتَلٍ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَعْنِي صَاعًا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خُذْهُ فَأَطْعِمْهُ عَنْكَ. قَالَ عَلِيٌّ: فَأَجْزَأَ هَذَا فِي الإِطْعَامِ. وَكَانَ إشْبَاعُهُمْ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَشْبَعَهُمْ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ: يُسَمَّى إطْعَامًا, وَالْبُرُّ: يُؤْكَلُ مَقْلُوًّا; فَكُلُّ ذَلِكَ إطْعَامٌ. وَلاَ يَجُوزُ تَحْدِيدُ إطْعَامٍ دُونَ إطْعَامٍ بِغَيْرِ نَصٍّ، وَلاَ إجْمَاعٍ, وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِيمَا دُونَ الشِّبَعِ فِي الأَكْلِ, وَفِيمَا دُونَ الْمُدِّ فِي الإِعْطَاءِ: أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ وقال أبو حنيفة: لاَ يُجْزِئُ إلاَّ نِصْفُ صَاعِ بُرٍّ, أَوْ مِثْلُهُ مِنْ سَوِيقِهِ أَوْ دَقِيقِهِ, أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ, أَوْ زَبِيبٍ, أَوْ تَمْرٍ, لِكُلِّ مِسْكِينٍ. ، وَلاَ بُدَّ مِنْ غَدَاءٍ وَعَشَاءٍ أَوْ غَدَاءٍ وَغَدَاءٍ, أَوْ عَشَاءٍ وَعَشَاءٍ, أَوْ سُحُورٍ وَغَدَاءٍ, أَوْ سُحُورٍ وَعَشَاءٍ قال أبو محمد: وَهَذَا تَحَكُّمٌ وَشَرْعٌ لَمْ يُوجِبْهُ نَصٌّ، وَلاَ إجْمَاعٌ، وَلاَ قِيَاسٌ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ . وَلاَ يُجْزِئُ إطْعَامُ رَضِيعٍ لاَ يَأْكُلُ الطَّعَامَ, وَلاَ إعْطَاؤُهُ مِنْ ذَلِكَ لأَِنَّهُ لاَ يُسَمَّى إطْعَامًا, فَإِنْ كَانَ يَأْكُلُ كَمَا تَأْكُلُ الصِّبْيَانُ أَجْزَأَ إطْعَامُهُ وَإِشْبَاعُهُ, وَإِنْ أَكَلَ قَلِيلاً, لأَِنَّهُ أَطْعَمَ كَمَا أُمِرَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ . وَلاَ يُجْزِئُ إطْعَامُ أَقَلَّ مِنْ سِتِّينَ, وَلاَ صِيَامُ أَقَلَّ مِنْ شَهْرَيْنِ, لأَِنَّهُ خِلاَفُ مَا أُمِرَ بِهِ وَمَنْ كَانَ قَادِرًا حِينَ وَطْئِهِ عَلَى الرَّقَبَةِ لَمْ يُجْزِهِ غَيْرُهَا, افْتَقَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَفْتَقِرْ وَمَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْهَا حِينَئِذٍ قَادِرًا عَلَى صِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَمْ يُجْزِهِ شَيْءٌ غَيْرُ الصِّيَامِ, أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَوَجَدَ رَقَبَةً أَوْ لَمْ يُوسِرْ وَمَنْ كَانَ عَاجِزًا حِينَ ذَلِكَ عَنْ الرَّقَبَةِ وَعَنْ الصِّيَامِ قَادِرًا عَلَى الإِطْعَامِ لَمْ يُجْزِهِ غَيْرُ الإِطْعَامِ, قَدَرَ عَلَى الرَّقَبَةِ أَوْ الصَّوْمِ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ; لأَِنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا هُوَ فَرْضُهُ بِالنَّصِّ, وَالإِجْمَاعِ; فَلاَ يَجُوزُ سُقُوطُ فَرْضِهِ وَإِيجَابُ فَرْضٍ آخَرَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ نَصٍّ، وَلاَ إجْمَاعٍ. وَقَالَ قَائِلُونَ: إنْ دَخَلَ فِي الصَّوْمِ فَأَيْسَرَ انْتَقَلَ حُكْمُهُ إلَى الرَّقَبَةِ وَهَذَا خَطَأٌ, وَقَوْلٌ بِلاَ بُرْهَانٍ . فَمَنْ لَمْ يَجِدْ إلاَّ رَقَبَةً لاَ غِنَى بِهِ عَنْهَا, لأَِنَّهُ يَضِيعُ بَعْدَهَا أَوْ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ حُبِّهَا لَمْ يَلْزَمْهُ عِتْقُهَا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَقَوْله تَعَالَى: وَقَوْله تَعَالَى: وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا حَرَجٌ وَعُسْرٌ لَمْ يَجْعَلْهُ تَعَالَى عَلَيْنَا, وَلاَ أَرَادَهُ مِنَّا, وَفَرْضُهُ حِينَئِذٍ الصِّيَامُ, فَإِنْ كَانَ فِي غِنًى عَنْهَا وَهُوَ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، وَلاَ مَالَ لَهُ فَعَلَيْهِ عِتْقُهَا; لأَِنَّهُ وَاجِدُ رَقَبَةٍ لاَ حَرَجَ عَلَيْهِ فِي عِتْقِهَا . وَمَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَفَرْضُهُ الإِطْعَامُ, وَهُوَ بَاقٍ عَلَيْهِ فَإِنْ وَجَدَ طَعَامًا وَهُوَ إلَيْهِ مُحْتَاجٌ أَكَلَهُ هُوَ وَأَهْلُهُ وَبَقِيَ الإِطْعَامُ دَيْنًا عَلَيْهِ; لأَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ بِالإِطْعَامِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ, فَأَتَاهُ بِالتَّمْرِ فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ وَأَمَرَهُ بِأَنْ يُطْعِمَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ فَصَحَّ أَنَّ الإِطْعَامَ بَاقٍ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ, وَأَمَرَهُ عليه السلام بِأَكْلِهِ إذْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى أَكْلِهِ, وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ مَا قَدْ أَلْزَمَهُ إيَّاهُ مِنْ الإِطْعَامِ, وَلاَ يَجُوزُ سُقُوطُ مَا افْتَرَضَهُ عليه السلام إلاَّ بِإِخْبَارٍ مِنْهُ عليه السلام بِأَنَّهُ قَدْ أَسْقَطَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ وَيُطْعِمُ مِنْ ذَلِكَ الْحُرَّ وَالْعَبْدَ, لأَِنَّ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَ عُمُومًا, لَمْ يُخَصَّ مِنْهُ حُرٌّ مِنْ عَبْدٍ, وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ مِسْكِينًا فَهُوَ مِمَّنْ أُمِرَ بِإِطْعَامِهِ، وَلاَ تَجُوزُ مُعَارَضَةُ أَمْرِهِ عليه السلام بِالدَّعَاوَى الْكَاذِبَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ . وَلاَ يَنْقُضُ الصَّوْمَ حِجَامَةٌ، وَلاَ احْتِلاَمٌ, وَلاَ اسْتِمْنَاءٌ, وَلاَ مُبَاشَرَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ الْمُبَاحَةَ لَهُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ, تَعَمَّدَ الإِمْنَاءَ أَمْ لَمْ يُمْنِ, أَمْذَى أَمْ لَمْ يُمْذِ وَلاَ قُبْلَةٌ كَذَلِكَ فِيهِمَا, وَلاَ قَيْءٌ غَالِبٌ, وَلاَ قَلْسٌ خَارِجٌ مِنْ الْحَلْقِ, مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ رَدَّهُ بَعْدَ حُصُولِهِ فِي فَمِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى رَمْيِهِ, وَلاَ دَمٌ خَارِجٌ مِنْ الأَسْنَانِ أَوْ الْجَوْفِ مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ بَلْعَهُ, وَلاَ حُقْنَةٌ، وَلاَ سَعُوطٌ، وَلاَ تَقْطِيرٌ فِي أُذُنٍ, أَوْ فِي إحْلِيلٍ, أَوْ فِي أَنْفٍ، وَلاَ اسْتِنْشَاقٌ وَإِنْ بَلَغَ الْحَلْقَ, وَلاَ مَضْمَضَةٌ دَخَلَتْ الْحَلْقَ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ, وَلاَ كُحْلٌ أَوْ إنْ بَلَغَ إلَى الْحَلْقِ نَهَارًا أَوْ لَيْلاً بِعَقَاقِيرَ أَوْ بِغَيْرِهَا, وَلاَ غُبَارُ طَحْنٍ, أَوْ غَرْبَلَةُ دَقِيقٍ, أَوْ حِنَّاءٍ, أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ, أَوْ عِطْرٌ, أَوْ حَنْظَلٌ, أَوْ أَيُّ شَيْءٍ كَانَ, وَلاَ ذُبَابٌ دَخَلَ الْحَلْقَ بِغَلَبَةٍ, وَلاَ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ فَوَقَعَ فِي حَلْقِهِ نُقْطَةُ مَاءٍ بِغَيْرِ تَعَمُّدٍ لِذَلِكَ مِنْهُ، وَلاَ مَضْغُ زِفْتٍ أَوْ مُصْطَكَى أَوْ عِلْكٍ، وَلاَ مَنْ تَعَمَّدَ أَنْ يُصْبِحَ جُنُبًا, مَا لَمْ يَتْرُكْ الصَّلاَةَ, وَلاَ مَنْ تَسَحَّرَ أَوْ وَطِئَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَيْلٌ فَإِذَا بِالْفَجْرِ كَانَ قَدْ طَلَعَ، وَلاَ مَنْ أَفْطَرَ بِأَكْلٍ أَوْ وَطْءٍ, وَيَظُنُّ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ فَإِذَا بِهَا لَمْ تَغْرُبْ, وَلاَ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ وَطِئَ نَاسِيًا; لأَِنَّهُ صَائِمٌ, وَكَذَلِكَ مَنْ عَصَى نَاسِيًا لِصَوْمِهِ, وَلاَ سِوَاكٌ بِرَطْبٍ أَوْ يَابِسٍ, وَلاَ مَضْغُ طَعَامٍ أَوْ ذَوْقُهُ, مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ بَلْعَهُ, وَلاَ مُدَاوَاةُ جَائِفَةٍ أَوْ مَأْمُومَةٍ بِمَا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ, وَلاَ طَعَامٌ وُجِدَ بَيْنَ الأَسْنَانِ: أَيَّ وَقْتٍ مِنْ النَّهَارِ وُجِدَ, إذَا رُمِيَ, وَلاَ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى مَا يَنْقُضُ الصَّوْمَ, وَلاَ دُخُولُ حَمَّامٍ, وَلاَ تَغْطِيسٌ فِي مَاءٍ, وَلاَ دَهْنُ شَارِبٍ أَمَّا الْحِجَامَةُ قال أبو محمد: صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ طَرِيقِ ثَوْبَانَ, وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ: وَمَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ, وَأَبِي هُرَيْرَةَ, وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَغَيْرِهِمْ, أَنَّهُ قَالَ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ, فَوَجَبَ الأَخْذُ بِهِ, إلاَّ أَنْ يَصِحَّ نَسْخُهُ. وَقَدْ ظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ الرِّوَايَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ " احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَاسِخَةٌ لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ, وَظَنُّهُمْ فِي ذَلِكَ بَاطِلٌ; لأَِنَّهُ قَدْ يَحْتَجِمُ عليه السلام وَهُوَ مُسَافِرٌ فَيُفْطِرُ, وَذَلِكَ مُبَاحٌ, أَوْ فِي صِيَامِ تَطَوُّعٍ فَيُفْطِرُ, وَذَلِكَ مُبَاحٌ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ يَقُولُ فِي الْخَبَرِ الثَّابِتِ أَنَّهُ عليه السلام " مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ ": لَعَلَّهُ كَانَ مَرِيضًا ثُمَّ لاَ يَقُولُ هَاهُنَا: لَعَلَّهُ كَانَ مَرِيضًا وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ إخْبَارِهِ عليه السلام أَنَّهُ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ، وَلاَ يُتْرَكُ حُكْمٌ مُتَيَقَّنٌ لِظَنٍّ كَاذِبٍ وَأَيْضًا: فَلَوْ صَحَّ أَنَّ خَبَرَ ابْنِ عَبَّاسٍ بَعْدَ خَبَرِ مَنْ ذَكَرْنَا لَمَا كَانَ فِيهِ إلاَّ نَسْخُ إفْطَارِ الْمَحْجُومِ لاَ الْحَاجِمِ; لأَِنَّهُ قَدْ يَحْجُمُهُ عليه السلام غُلاَمٌ لَمْ يَحْتَلِمْ قال أبو محمد: لَكِنْ وَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ التَّمِيمِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْعُذْرِيُّ قَالَ التَّمِيمِيُّ حدثنا مُعَاوِيَةُ الْقُرَشِيُّ الْمَرْوَانِيُّ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ, وَقَالَ الْعُذْرِيُّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ الأَسَدِيُّ الْقُرَشِيُّ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ، حدثنا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ حُمَيْدٍ, ثُمَّ اتَّفَقَ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ وَحُمَيْدٌ كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ زَادَ حُمَيْدٍ فِي رِوَايَتِهِ " وَالْقُبْلَةِ ". قَالَ عَلِيٌّ: إنَّ أَبَا نَضْرَةَ, وَقَتَادَةَ أَوْقَفَاهُ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ, وَإِنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ أَوْقَفَهُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ; وَلَكِنْ هَذَا لاَ مَعْنَى لَهُ إذْ أَسْنَدَهُ الثِّقَةُ, وَالْمُسْنَدَانِ لَهُ عَنْ خَالِدٍ وَحُمَيْدٍ: ثِقَتَانِ; فَقَامَتْ بِهِ الْحُجَّةُ, وَلَفْظَةُ " أَرْخَصَ " لاَ تَكُونُ إلاَّ بَعْدَ نَهْيٍ; فَصَحَّ بِهَذَا الْخَبَرِ نَسْخُ الْخَبَرِ الأَوَّلِ وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّ الْحِجَامَةَ تُفْطِرُ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ, وَأَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ, وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ, وَغَيْرُهُمْ. وَلَمْ يَرَهَا تُفْطِرُ: ابْنُ عَبَّاسٍ, وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ, وَغَيْرُهُمَا. وَعَهْدُنَا بِالْحَنَفِيِّينَ يَقُولُونَ: إنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لاَ يُقْبَلُ فِيمَا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى, وَهَذَا مِمَّا تَكْثُرُ بِهِ الْبَلْوَى, وَقَدْ قَبِلُوا فِيهِ خَبَرَ الْوَاحِدِ مُضْطَرِبًا وأما الاِحْتِلاَمُ: فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ لاَ يَنْقُضُ الصَّوْمَ; إلاَّ مِمَّنْ لاَ يُعْتَدُّ بِهِ وأما الاِسْتِمْنَاءُ: فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِأَنَّهُ يَنْقُضُ الصَّوْمَ وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ لاَ يَنْقُضُ الصَّوْمَ بِفِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ, وَإِتْيَانِ الْبَهَائِمِ وَقَتْلِ الأَنْفُسِ, وَالسَّعْيِ فِي الأَرْضِ بِالْفَسَادِ, وَتَرْكِ الصَّلاَةِ وَتَقْبِيلِ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَمْدًا إذَا لَمْ يُمْنِ، وَلاَ أَمْذَى: ثُمَّ يَنْقُضُهُ بِمَسِّ الذَّكَرِ إذَا كَانَ مَعَهُ إمْنَاءٌ وَهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ: أَنَّ مَسَّ الذَّكَرِ لاَ يُبْطِلُ الصَّوْمَ, وَأَنَّ خُرُوجَ الْمَنِيِّ دُونَ عَمَلٍ لاَ يَنْقُضُ الصَّوْمَ, ثُمَّ يُنْقَضُ الصَّوْمُ بِاجْتِمَاعِهِمَا, وَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ يُنْقِضُ الصَّوْمَ بِالإِنْزَالِ لِلْمَنِيِّ إذَا تَعَمَّدَ اللَّذَّةَ, وَلَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصٌّ, وَلاَ إجْمَاعٌ, وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ, وَلاَ قِيَاسٌ: ثُمَّ لاَ يُوجِبُ بِهِ الْغُسْلَ إذَا خَرَجَ بِغَيْرِ لَذَّةٍ, وَالنَّصُّ جَاءَ بِإِيجَابِ الْغُسْلِ مِنْهُ جُمْلَةً. وأما الْقُبْلَةُ وَالْمُبَاشَرَةُ لِلرَّجُلِ مَعَ امْرَأَتِهِ وَأَمَتِهِ الْمُبَاحَةِ لَهُ فَهُمَا سُنَّةٌ حَسَنَةٌ, نَسْتَحِبُّهَا لِلصَّائِمِ, شَابًّا كَانَ أَوْ كَهْلاً أَوْ شَيْخًا, وَلاَ نُبَالِي أَكَانَ مَعَهَا إنْزَالٌ مَقْصُودٌ إلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حدثنا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ. وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدْ رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ, وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ, وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ, وَمَسْرُوقٍ, وَالأَسْوَدِ, وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ, كُلُّهُمْ عَنْ عَائِشَةَ بِأَسَانِيدَ كَالذَّهَبِ وَرُوِّينَاهُ بِأَسَانِيدَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ: أُمِّ سَلَمَةَ, وَأُمِّ حَبِيبَةَ, وَحَفْصَةَ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ, وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ, وَغَيْرِهِمْ كُلُّهُمْ: عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . فَادَّعَى قَوْمٌ أَنَّ الْقُبْلَةَ تُبْطِلُ الصَّوْمَ وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ مَكْرُوهَةٌ. وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ مُبَاحَةٌ لِلشَّيْخِ, مَكْرُوهَةٌ لِلشَّابِّ. وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ خُصُوصٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . فأما مَنْ ادَّعَى أَنَّهَا خُصُوصٌ لَهُ عليه السلام فَقَدْ قَالَ الْبَاطِلَ, وَمَا يَعْجَزُ عَنْ الدَّعْوَى مَنْ لاَ تَقْوَى لَهُ فَإِنْ احْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ, وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَلَكِنَّهُ كَانَ أَمْلَكَكُمْ لاِِرْبِهِ. قلنا: لاَ حُجَّةَ لَكَ فِي قَوْلِ عَائِشَةَ هَذَا; لأَِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا قَالَ حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ الْخَلِيلِ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، حدثنا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ كَانَتْ إحْدَانَا إذَا كَانَتْ حَائِضًا فَأَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبَاشِرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا ثُمَّ يُبَاشِرَهَا, قَالَتْ: وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إرْبَهُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْلِكُ إرْبَهُ فَإِنْ كَانَ قَوْلُهَا ذَلِكَ فِي قُبْلَةِ الصَّائِمِ يُوجِبُ أَنَّهُ لَهُ خُصُوصٌ فَقَوْلُهَا هَذَا فِي مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ يُوجِبُ أَنَّهَا لَهُ أَيْضًا خُصُوصٌ, أَوْ أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ, أَوْ أَنَّهَا لِلشَّيْخِ دُونَ الشَّابِّ، وَلاَ يُمْكِنُهُمْ هَاهُنَا دَعْوَى الإِجْمَاعِ; لأَِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَغَيْرَهُ كَرِهُوا مُبَاشَرَةَ الْحَائِضِ; جُمْلَةً وَلَعَمْرِي إنَّ مُبَاشَرَةَ الْحَائِضِ لاََشَدُّ غَرَرًا; لأَِنَّهُ يَبْقَى عَنْ جِمَاعِهَا أَيَّامًا وَلَيَالِيَ فَتَشْتَدُّ حَاجَتُهُ, وأما الصَّائِمُ فَالْبَارِحَةُ وَطِئَهَا, وَاللَّيْلَةَ يَطَؤُهَا, فَهُوَ بِشَمٍّ مِنْ الْوَطْءِ حدثنا حمام، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الدَّبَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ, أَنَّهُ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَهَا فَسَأَلَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ, فَأَخْبَرَتْهُ امْرَأَتُهُ, فَقَالَ لَهَا: إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رُخِّصَ لَهُ فِي أَشْيَاءَ, فَارْجِعِي إلَيْهِ, فَرَجَعَتْ إلَيْهِ, فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ, فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَا أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمٌ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ الْحِمْيَرِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَلْ هَذِهِ, يَعْنِي أُمَّ سَلَمَةَ, فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ ذَلِكَ, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, قَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَا وَاَللَّهِ إنِّي لاََتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَخْشَاكُمْ. فَهَذَانِ الْخَبَرَانِ يُكَذِّبَانِ قَوْلَ مَنْ ادَّعَى فِي ذَلِكَ الْخُصُوصَ لَهُ عليه السلام; لأَِنَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ عليه السلام مَنْ اسْتَفْتَاهُ, وَيُكَذِّبُ قَوْلَ مَنْ ادَّعَى أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ لِلشَّابِّ مُبَاحَةٌ لِلشَّيْخِ لأَِنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ كَانَ شَابًّا جِدًّا فِي قُوَّةِ شَبَابِهِ إذْ مَاتَ عليه السلام , وَهُوَ ابْنُ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَزَوَّجَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِنْتَ حَمْزَةَ عَمِّهِ رضي الله عنه. حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ الْقُرَشِيِّ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ أَهْوَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِيُقَبِّلَنِي, فَقُلْتُ: إنِّي صَائِمَةٌ فَقَالَ: وَأَنَا صَائِمٌ, فَقَبَّلَنِي. وَكَانَتْ عَائِشَةُ إذْ مَاتَ عليه السلام بِنْتَ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً فَظَهَرَ بُطْلاَنُ قَوْلِ مَنْ فَرَّقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الشَّيْخِ وَالشَّابِّ, وَبُطْلاَنُ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّهَا مَكْرُوهَةٌ; وَصَحَّ أَنَّهَا حَسَنَةٌ مُسْتَحَبَّةٌ, سُنَّةٌ مِنْ السُّنَنِ, وَقُرْبَةٌ مِنْ الْقُرْبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَوُقُوفًا عِنْدَ فُتْيَاهُ بِذَلِكَ وأما مَا تَعَلَّقَ بِهِ مَنْ كَرِهَهَا لِلشَّابِّ فَإِنَّمَا هُمَا حَدِيثَا سَوْءٍ, رُوِّينَا أَحَدَهُمَا مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا ابْنُ لَهِيعَةَ, وَهُوَ لاَ شَيْءَ, وَفِيهَا قَيْسٌ مَوْلَى تَجِيبٍ; وَهُوَ مَجْهُولٌ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ وَالآخَرَ مِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ أَبِي الْعَنْبَسِ, وَلاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ عَنْ الأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, فِي كِلَيْهِمَا, أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ فِي قُبْلَةِ الصَّائِمِ لِلشَّيْخِ وَنَهَى عَنْهَا الشَّابَّ, فَسَقَطَا جَمِيعًا وأما مَنْ أَبْطَلَ الصَّوْمَ بِهَا فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: فَصَحَّ أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ الْمُحَرَّمَةَ فِي الصَّوْمِ إنَّمَا هِيَ الْجِمَاعُ فَقَطْ;، وَلاَ حُجَّةَ فِي هَذِهِ الآيَةِ لِحَنَفِيٍّ، وَلاَ لِمَالِكِيٍّ, فَإِنَّهُمْ يُبِيحُونَ الْمُبَاشَرَةَ, وَلاَ يُبْطِلُونَ الصَّوْمَ بِهَا أَصْلاً وَإِنَّمَا يُبْطِلُونَهُ بِشَيْءٍ يَكُونُ مَعَهَا, مِنْ الْمَنِيِّ أَوْ الْمَذْيِ فَقَطْ, وَإِنَّمَا هِيَ حُجَّةٌ لِمَنْ مَنَعَ الْمُبَاشَرَةَ وَأَبْطَلَ الصَّوْمَ بِهَا. وَهَؤُلاَءِ أَيْضًا قَدْ احْتَجُّوا بِخَبَرَيْنِ: رُوِّينَا أَحَدَهُمَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ حَمَّادِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ عُمَرُ: رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَامِ, فَرَأَيْتُهُ لاَ يَنْظُرنِي, فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شَأْنِي فَقَالَ: أَلَسْتَ الَّذِي تُقَبِّلُ وَأَنْتَ صَائِمٌ قُلْت: فَوَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ أُقَبِّلُ بَعْدَهَا وَأَنَا صَائِمٌ. قال أبو محمد: الشَّرَائِعُ لاَ تُؤْخَذُ بِالْمَنَامَاتِ لاَ سِيَّمَا وَقَدْ أَفْتَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُمَرَ فِي الْيَقِظَةِ حَيًّا بِإِبَاحَةِ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ; فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُنْسَخَ ذَلِكَ فِي الْمَنَامِ مَيِّتًا نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا. وَيَكْفِي مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ حَمْزَةَ لاَ شَيْءَ. حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ هُوَ زُغْبَةٌ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ الأَنْصَارِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابُ هَشَشْتُ فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ, فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, صَنَعْتُ الْيَوْمَ أَمْرًا عَظِيمًا, قَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرَأَيْتَ لَوْ مَضْمَضْتَ مِنْ الْمَاءِ وَأَنْتَ صَائِمٌ قُلْت: لاَ بَأْسَ بِهِ, قَالَ: فَمَهْ ". وَالْخَبَرُ الثَّانِي الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي يَزِيدَ الضَّبِّيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ عُتْبَةَ مَوْلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَمَّنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَهُمَا صَائِمَانِ فَقَالَ: قَدْ أَفْطَرَ. قال أبو محمد: حَتَّى لَوْ صَحَّ هَذَا لَكَانَ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي بَابِ الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ أَنَّهُ عليه السلام أَرْخَصَ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ: نَاسِخًا لَهُ وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ إبْطَالُ الصِّيَامِ بِالْقُبْلَةِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَنْهَى عَنْ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ, فَقِيلَ لَهُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ فَقَالَ: وَمَنْ ذَا لَهُ مِنْ الْحِفْظِ وَالْعِصْمَةِ مَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمِنْ طَرِيقِ عِمْرَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ زَاذَانَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ فِي الَّذِي يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ, فَقَالَ: أَلاَ يُقَبِّلُ جَمْرَةً وَعَنْ مُوَرِّقٍ عَنْهُ: أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْهَا وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ مَا تُرِيدُ إلَى خُلُوفٍ فِيهَا دَعْهَا حَتَّى تُفْطِرَ وَعَنْ الْهَزْهَازِ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ سُئِلَ عَمَّنْ قَبَّلَ وَهُوَ صَائِمٌ فَقَالَ: أَفْطَرَ, وَيَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ. وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: مَنْ تَأَمَّلَ خَلْقَ امْرَأَتِهِ وَهُوَ صَائِمٌ بَطَلَ صَوْمُهُ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ: رَأَيْت أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَوْنَ عَنْ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ وَمِنْ طَرِيقِ شُرَيْحٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قُبْلَةِ الصَّائِمِ فَقَالَ: يَتَّقِي اللَّهَ، وَلاَ يَعُدْ. وَعَنْ أَبِي قِلاَبَةَ: أَنَّهُ نَهَى عَنْهَا وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ: إنَّمَا الصَّوْمُ مِنْ الشَّهْوَةِ, وَالْقُبْلَةُ مِنْ الشَّهْوَةِ وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: لاَ يُقَبِّلُ الصَّائِمُ. وَعَنْ مَسْرُوقٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ: اللَّيْلُ قَرِيبٌ وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: إنْ قَبَّلَ الصَّائِمُ أَفْطَرَ وَقَضَى يَوْمًا مَكَانَهُ وَمَنْ كَرِهَهَا: رُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: الْقُبْلَةُ تُنْقِضُ الصَّوْمَ، وَلاَ تُفْطِرُ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ: أَنَّهُ كَرِهَهَا وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّهُ كَرِهَهَا وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ, أَنَّهُ قَالَ: لاَ بَأْسَ بِهَا, وَإِنَّهَا لَبَرِيدُ سُوءٍ وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: لَمْ أَرَ الْقُبْلَةَ تَدْعُو إلَى خَيْرٍ يَعْنِي لِلصَّائِمِ وَصَحَّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, أَنَّهُ قَالَ: هِيَ دَلِيلٌ إلَى غَيْرِهَا وَالاِعْتِزَالُ أَكْيَسُ وَكَرِهَهَا مَالِكٌ وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الشَّيْخِ وَالشَّابِّ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, وَمِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ, وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ الْغَازِ عَنْ مَكْحُولٍ, وَمِنْ طَرِيقِ حُرَيْثٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ رَخَّصُوا فِي قُبْلَةِ الصَّائِمِ لِلشَّيْخِ وَكَرِهُوهَا لِلشَّابِّ وَمَنْ كَرِهَ الْمُبَاشَرَةَ لِلصَّائِمِ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِهَا, وَسُئِلَ أَيَقْبِضُ عَلَى سَاقِهَا قَالَ لاَ يَقْبِضُ عَلَى سَاقِهَا, أَعِفُّوا الصِّيَامَ وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ. وَعَنْ الزُّهْرِيِّ: أَنَّهُ نَهَى عَنْ لَمْسِ الصَّائِمِ وَتَجْرِيدِهِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الصَّائِمِ يُبَاشِرُ قَالَ: يَتُوبُ عَشْرَ مِرَارٍ, إنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ صَوْمِهِ الَّذِي يُجَرِّدُ أَوْ يَلْمِسُ, لَكَ أَنْ تَأْخُذَ بِيَدِهَا وَبِأَدْنَى جَسَدِهَا وَتَدَعَ أَقْصَاهُ وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فِي الصَّائِمِ يُبَاشِرُ بِالنَّهَارِ قَالَ: لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ; وَلَكِنْ يُبَدِّلُ يَوْمًا مَكَانَهُ. وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ: لاَ يُبَاشِرُ الصَّائِمُ. وَكَرِهَهَا مَالِكٌ. وَمَنْ أَبَاحَ الْمُبَاشَرَةَ لِلشَّيْخِ وَنَهَى عَنْهَا لِلشَّابِّ: رُوِّينَا هَذَا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ, وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيِّ. وأما مَنْ أَبَاحَ كُلَّ ذَلِكَ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ عَائِشَةَ بِنْتَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا زَوْجُهَا, وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَهُوَ صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ, فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَدْنُوَ مِنْ أَهْلِكَ فَتُقَبِّلَهَا وَتُلاَعِبَهَا فَقَالَ: أُقَبِّلُهَا وَأَنَا صَائِمٌ قَالَتْ: نَعَمْ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: سَأَلْت عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ: مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ صَائِمًا فَقَالَتْ كُلُّ شَيْءٍ إلاَّ الْجِمَاعَ قال أبو محمد: عَائِشَةُ بِنْتُ طَلْحَةَ كَانَتْ أَجْمَلَ نِسَاءِ أَهْلِ زَمَانِهَا, وَكَانَتْ أَيَّامَ عَائِشَةَ وَهِيَ وَزَوْجُهَا فَتِيَّيْنِ فِي عُنْفُوَانِ الْحَدَاثَةِ وَهَذَانِ الْخَبَرَانِ يُكَذِّبَانِ قَوْلَ مَنْ لاَ يُبَالِي بِالْكَذِبِ أَنَّهَا أَرَادَتْ بِقَوْلِهَا وَأَيُّكُمْ أَمْلَكُ لإِِرْبِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّهْيَ مِنْ الْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ, وَعُبَيْدِ اللَّهِ: ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَتْ تُقَبِّلُهُ امْرَأَتُهُ عَاتِكَةُ بِنْتُ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو وَهُوَ صَائِمٌ; فَلاَ يَنْهَاهَا وَمِنْ طَرِيقِ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إنِّي تَزَوَّجْت ابْنَةَ عَمٍّ لِي جَمِيلَةً, فَبَنَيْتُ بِهَا فِي رَمَضَانَ: فَهَلْ لِي بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إلَى قُبْلَتِهَا مِنْ سَبِيلٍ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَلْ تَمْلِكُ نَفْسَكَ قَالَ: نَعَمْ, قَالَ: قَبِّلْ, قَالَ: فَبِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي: هَلْ إلَى مُبَاشَرَتِهَا مِنْ سَبِيلٍ قَالَ: هَلْ تَمْلِكُ نَفْسَكَ قَالَ: نَعَمْ, قَالَ: فَبَاشِرْهَا, قَالَ: فَهَلْ لِي إلَى أَنْ أَضْرِبَ بِيَدِي عَلَى فَرْجِهَا مِنْ سَبِيلٍ قَالَ: وَهَلْ تَمْلِكُ نَفْسَكَ قَالَ: نَعَمْ, قَالَ: اضْرِبْ وَهَذِهِ أَصَحُّ طَرِيقٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْت أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ دُنُوِّ الرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهُوَ صَائِمٌ فَقَالَ: إنِّي لاََرُفُّ شَفَتَيْهَا وَأَنَا صَائِمٌ. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: قِيلَ لاَِبِي هُرَيْرَةَ: أَتُقَبِّلُ وَأَنْتَ صَائِمٌ قَالَ: نَعَمْ وَأَكْفَحُهَا مَعْنَاهُ: أَنَّهُ يَفْتَحُ فَاهُ إلَى فِيهَا وَسُئِلَ عَنْ تَقْبِيلِ غَيْرِ امْرَأَتِهِ فَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ. وَمِنْ طُرُقٍ صِحَاحٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: أَنَّهُ سُئِلَ: أَتُقَبِّلُ وَأَنْتَ صَائِمٌ قَالَ: نَعَمْ وَأَقْبِضُ عَلَى مَتَاعِهَا. وَعَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بِالْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا. وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ زَكَرِيَّا، هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُبَاشِرُ امْرَأَتَهُ نِصْفَ النَّهَارِ وَهُوَ صَائِمٌ وَهَذِهِ أَصَحُّ طَرِيقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَمِنْ طَرِيقِ حَنْظَلَةَ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ نُجْبَةَ الْفَزَارِيّ عَنْ عَمَّتِهِ وَكَانَتْ تَحْتَ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَتْ: كَانَ حُذَيْفَةُ إذَا صَلَّى الْفَجْرَ فِي رَمَضَانَ جَاءَ فَدَخَلَ مَعِي فِي لِحَافِي ثُمَّ يُبَاشِرُنِي. وَعَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: لاَ بَأْسَ بِالْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ. وَعَنْ مِسْعَرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَرْدَانَ بِهِ عَنْ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ لَهُ وَقَدْ تَزَوَّجَ فِي رَمَضَانَ: لَوْ دَنَوْت, لَوْ قَبَّلْت وَمِنْ التَّابِعِينَ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ: لاَ بَأْسَ بِالْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ, إنَّمَا هِيَ كَالْكِسْرَةِ يَشْتَمُّهَا. وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: يُقَبِّلُ الصَّائِمُ, وَيُبَاشِرُ. وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُ فِي رَمَضَانَ نَهَارًا وَيُفْتِي بِذَلِكَ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: إبَاحَةُ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ: لاَ بَأْسَ بِالْقُبْلَةِ, وَالْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ. وَعَنْ مَسْرُوقٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ تَقْبِيلِ الصَّائِمِ امْرَأَتَهُ فَقَالَ: مَا أُبَالِي أَقَبَّلْتهَا, أَوْ قَبَّلْت يَدِي فَهَؤُلاَءِ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم عَائِشَةُ, وَأُمُّ سَلَمَةَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ, وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ, وَعَلِيٌّ, وَعَاتِكَةُ بِنْتُ زَيْدٍ, وَابْنُ عَبَّاسٍ, وَأَبُو هُرَيْرَةَ, وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ, وَابْنُ مَسْعُودٍ, وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ, وَحُذَيْفَةُ, وَمَا نَعْلَمُ مِنْهُمْ أَحَدًا رُوِيَ عَنْهُ كَرَاهَتُهَا إلاَّ وَقَدْ جَاءَ عَنْهُ إبَاحَتُهَا بِأَصَحَّ مِنْ طَرِيقِ الْكَرَاهَةِ; إلاَّ ابْنَ عُمَرَ وَحْدَهُ, وَرُوِيَتْ الإِبَاحَةُ جُمْلَةً عَنْ سَعْدٍ, وَأَبِي سَعِيدٍ, وَعَائِشَةَ, وَأُمِّ سَلَمَةَ, وَعَاتِكَةَ. قال أبو محمد: وَلَقَدْ كَانَ يَجِبُ لِمَنْ غَلَّبَ الْقِيَاسَ عَلَى الأَثَرِ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي الصِّيَامِ بِمَنْزِلَتِهَا فِي الْحَجِّ; وَيَجْعَلَ فِيهَا صَدَقَةً كَمَا جَعَلَ فِيهَا هُنَالِكَ; وَلَكِنْ هَذَا مِمَّا تَرَكُوا فِيهِ الْقِيَاسَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. وَإِذْ قَدْ صَحَّ أَنَّ الْقُبْلَةَ وَالْمُبَاشَرَةَ: مُسْتَحَبَّتَانِ فِي الصَّوْمِ وَأَنَّهُ لَمْ يُنْهَ الصَّائِمُ فِي امْرَأَتِهِ عَنْ شَيْءٍ إلاَّ الْجِمَاعَ: فَسَوَاءٌ تَعَمَّدَ الإِمْنَاءَ فِي الْمُبَاشَرَةِ أَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْ كُلُّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لاَ كَرَاهَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ; إذْ لَمْ يَأْتِ بِكَرَاهِيَتِهِ نَصٌّ، وَلاَ وَإِجْمَاعٌ, فَكَيْف إبْطَالُ الصَّوْمِ بِهِ, فَكَيْف أَنْ تُشْرَعَ فِيهِ كَفَّارَةٌ وَقَدْ بَيَّنَّا مَعَ ذَلِكَ مِنْ أَنَّهُ خِلاَفٌ لِلسُّنَّةِ فَسَادَ قَوْلِ مَنْ رَأَى الصَّوْمَ يُنْتَقَضُ بِذَلِكَ; لاَِنَّهُمْ, يَقُولُونَ: خُرُوجُ الْمَنِيِّ بِغَيْرِ مُبَاشَرَةٍ لاَ يَنْقُضُ الصَّوْمَ، وَأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مَعَهَا مَذْيٌ, وَلاَ مَنِيٌّ, لاَ تَنْقُضُ الصَّوْمَ، وَأَنَّ الإِنْعَاظَ دُونَ مُبَاشَرَةٍ لاَ يَنْقُضُ الصَّوْمَ, فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ عَلَى انْفِرَادِهِ لاَ يَكْدَحُ فِي الصَّوْمِ أَصْلاً; فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ إذَا اجْتَمَعَتْ أَنْ تَنْقُضَ الصَّوْمَ هَذَا بَاطِلٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ, إلاَّ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ نَصٌّ, وَلاَ سَبِيلَ إلَى وُجُودِهِ أَبَدًا, لاَ مِنْ رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ، وَلاَ سَقِيمَةٍ, وأما تَوْلِيدُ الْكَذِبِ وَالدَّعَاوَى بِالْمُكَابَرَةِ, فَمَا يَعْجِزُ عَنْهَا مَنْ لاَ دِينَ لَهُ. وَمَا رُئِيَ قَطُّ حَلاَلٌ وَحَلاَلٌ يَجْتَمِعَانِ فَيَحْرُمَانِ إلاَّ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ نَصٌّ, وَبِهَذَا الدَّلِيلِ نَفْسِهِ خَالَفَ الْحَنَفِيُّونَ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ فِي تَحْرِيمِ نَبِيذِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ يُجْمَعَانِ, ثُمَّ حَكَمُوا بِهِ هَاهُنَا حَيْثُ لاَ يَحِلُّ الْحُكْمُ بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْجِمَاعَ دُونَ الْفَرْجِ حَتَّى يُمْنِيَ لاَ يُوجِبُ حَدًّا، وَلاَ يُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ, وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِمَاعِ فِي إبْطَالِ الصَّوْمِ بِهِ, مَعَ أَنَّ نَقْضَ الصَّوْمِ بِتَعَمُّدِ الإِمْنَاءِ خَاصَّةً لاَ نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ, ثُمَّ اتَّبَعَهُ مَالِكٌ, وَالشَّافِعِيُّ وأما الْقَيْءُ الَّذِي لاَ يُتَعَمَّدُ فَقَدْ جَاءَ الأَثَرُ بِذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ, وَلاَ نَعْلَمُ فِي الْقَلْسِ, وَالدَّمِ: الْخَارِجَيْنِ مِنْ الأَسْنَانِ لاَ يَرْجِعَانِ إلَى الْحَلْقِ, خِلاَفًا فِي أَنَّ الصَّوْمَ لاَ يَبْطُلُ بِهِمَا, وَحَتَّى لَوْ جَاءَ فِي ذَلِكَ خِلاَفٌ لَمَا اُلْتُفِتَ إلَيْهِ; إذْ لَمْ يُوجِبْ بُطْلاَنَ الصَّوْمِ بِذَلِكَ نَصٌّ وأما الْحُقْنَةُ, وَالتَّقْطِيرُ فِي الإِحْلِيلِ, وَالتَّقْطِيرُ فِي الآُذُنِ, وَالسَّعُوطُ, وَالْكُحْلُ, وَمُدَاوَاةُ الْجَائِفَةِ, وَالْمَأْمُومَةُ: فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ مَا وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ وَإِلَى بَاطِنِ الرَّأْسِ لأَِنَّهُ جَوْفٌ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ الصَّوْمَ, قِيَاسًا عَلَى الأَكْلِ ثُمَّ تَنَاقَضُوا, فَلَمْ يَرَ الْحَنَفِيُّونَ, وَالشَّافِعِيُّونَ فِي الْكُحْلِ قَضَاءً, وَإِنْ وَصَلَ إلَى حَلْقِهِ, وَلَمْ يَرَ مَالِكٌ بِالْفَتَائِلِ تُسْتَدْخَلُ لِدَوَاءٍ بَأْسًا لِلصَّائِمِ, وَلَمْ يَرَ الْكُحْلَ يُفْطِرُ, إلاَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَقَاقِيرُ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: لاَ تُفْطِرُ الْحُقْنَةُ إنْ كَانَتْ لِدَوَاءٍ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ لاَ بَأْسَ بِالسَّعُوطِ لِلصَّائِمِ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ. أَنَّ أَبَاهُ, وَمَنْصُورَ بْنَ الْمُعْتَمِرِ, وَابْنَ أَبِي لَيْلَى, وَابْنَ شُبْرُمَةَ كَانُوا يَقُولُونَ: إنْ اكْتَحَلَ الصَّائِمُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ يَوْمًا مَكَانَهُ. قال أبو محمد: إنَّمَا نَهَانَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الصَّوْمِ عَنْ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ, وَتَعَمُّدِ الْقَيْءِ, وَالْمَعَاصِي, وَمَا عَلِمْنَا أَكْلاً, وَلاَ شُرْبًا, يَكُونُ عَلَى دُبُرٍ, أَوْ إحْلِيلٍ, أَوْ أُذُنٍ, أَوْ عَيْنٍ, أَوْ أَنْفٍ, أَوْ مِنْ جُرْحٍ فِي الْبَطْنِ, أَوْ الرَّأْسِ وَمَا نُهِينَا قَطُّ عَنْ أَنَّ نُوَصِّلُ إلَى الْجَوْفِ بِغَيْرِ الأَكْلِ, وَالشُّرْبِ مَا لَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْنَا إيصَالُهُ وَالْعَجَبُ أَنَّ مَنْ رَأَى مِنْهُمْ الْفِطْرَ بِكُلِّ ذَلِكَ لاَ يَرَى عَلَى مَنْ احْتَقَنَ بِالْخَمْرِ, أَوْ صَبَّهَا فِي أُذُنِهِ حَدًّا فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ شُرْبًا, وَلاَ أَكْلاً ثُمَّ تَنَاقُضُهُمْ فِي الْكُحْلِ عَجَبٌ جِدًّا وَهُوَ أَشَدُّ وُصُولاً إلَى الْحَلْقِ, وَمَجْرَى الطَّعَامِ مِنْ الْقُطُورِ فِي الآُذُنِ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ كَغُبَارِ الطَّرِيقِ, وَالطَّحِينِ فَقِيلَ لَهُ: لَيْسَ مِثْلَهُ; لأَِنَّ غُبَارَ الطَّرِيقِ, وَالطَّحِينِ: لَمْ يَتَعَمَّدْ إيصَالَهُ إلَى الْحَلْقِ, وَالْكُحْلُ تَعَمَّدَ إيصَالَهُ وَأَيْضًا: فَإِنَّ قِيَاسَ السَّعُوطِ عَلَى غُبَارِ الطَّرِيقِ, وَالطَّحِينِ أَوْلَى; لأَِنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَسْلَكُهُ الأَنْفُ; وَلَكِنَّهُمْ لاَ يُحْسِنُونَ قِيَاسًا، وَلاَ يَلْتَزِمُونَ نَصًّا, وَلاَ يَطْرُدُونَ أَصْلاً وأما الْمَضْمَضَةُ, وَالاِسْتِنْشَاقُ فَيَغْلِبُهُ الْمَاءُ فَيَدْخُلُ حَلْقَهُ عَنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ. فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: إنْ كَانَ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ فَقَدْ أَفْطَرَ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ, وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ. وقال مالك: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي كُلِّ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: لاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ, ذَاكِرًا كَانَ أَوَغَيْرَ ذَاكِرٍ. وَرُوِّينَا عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ وَهُوَ الشَّعْبِيُّ, وَحَمَّادٌ وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ: إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي وُضُوءٍ لِصَلاَةٍ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ, وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ وُضُوءٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ. قال أبو محمد: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَرُوِّينَا قَوْلَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ. وَاحْتَجَّ مَنْ أَفْطَرَ بِذَلِكَ بِالأَثَرِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : وَإِذَا اسْتَنْشَقْتَ فَبَالِغْ, إلاَّ أَنْ تَكُونَ صَائِمًا. قال أبو محمد: وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ; لأَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ يُفْطِرُ الصَّائِمُ بِالْمُبَالَغَةِ فِي الاِسْتِنْشَاقِ; وَإِنَّمَا فِيهِ إيجَابُ الْمُبَالَغَةِ فِي الاِسْتِنْشَاقِ لِغَيْرِ الصَّائِمِ, وَسُقُوطُ وُجُوبِ ذَلِكَ عَنْ الصَّائِمِ فَقَطْ; لاَ نَهْيُهُ عَنْ الْمُبَالَغَةِ; فَالصَّائِمُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُبَالِغَ فِي الاِسْتِنْشَاقِ وَبَيْنَ أَنْ لاَ يُبَالِغَ فِيهِ, وأما غَيْرُ الصَّائِمِ فَالْمُبَالَغَةُ فِي الاِسْتِنْشَاقِ فَرْضٌ عَلَيْهِ, وَإِلاَّ كَانَ مُخَالِفًا لاَِمْرِهِ عليه السلام: بِالْمُبَالَغَةِ; وَلَوْ أَنَّ امْرَأً يَقُولُ: إنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي الاِسْتِنْشَاقِ تُفْطِرُ الصَّائِمَ لَكَانَ أَدْخَلَ فِي التَّمْوِيهِ مِنْهُمْ; لأَِنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى الْحَلْقِ أَثَرٌ، وَلاَ عِثْيَرٌ، وَلاَ إشَارَةٌ، وَلاَ دَلِيلٌ; وَلَكِنَّهُمْ لاَ يَزَالُونَ يَتَكَهَّنُونَ فِي السُّنَنِ مَا يُوَافِقُ آرَاءَهُمْ بِالدَّعَاوَى الْكَاذِبَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وأما الذُّبَابُ يَدْخُلُ فِي الْحَلْقِ غَلَبَةً, وَمَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ فَتَثَاءَبَ فَوَقَعَ فِي حَلْقِهِ نُقْطَةٌ مِنْ الْمَطَرِ: فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ: يُفْطِرُ; وقال أبو حنيفة: لاَ يُفْطِرُ بِالذُّبَابِ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الذُّبَابِ يَدْخُلُ حَلْقَ الصَّائِمِ قَالَ: لاَ يُفْطِرُ وَعَنْ وَكِيعٍ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الْحَسَنِ فِي الذُّبَابِ يَدْخُلُ حَلْقَ الصَّائِمِ قَالَ: لاَ يُفْطِرُ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ مِثْلُهُ: وَمَا نَعْلَمُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم إلاَّ تِلْكَ الرِّوَايَةَ الضَّعِيفَةَ عَنْهُ. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ; وَالْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ وَلَيْسَ مِمَّا دَخَلَ وَكُلُّهُمْ قَدْ خَالَفَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ; لأَِنَّهُمْ يَرَوْنَ الْفِطْرَ بِتَعَمُّدِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ, وَهُوَ خَارِجٌ لاَ دَاخِلٌ, وَيُبْطِلُونَ الْوُضُوءَ بِالإِيلاَجِ, وَهُوَ دَاخِلٌ لاَ خَارِجٌ قال أبو محمد: قَدْ قلنا: إنَّ مَا لَيْسَ أَكْلاً, وَلاَ شُرْبًا, وَلاَ جِمَاعًا, وَلاَ مَعْصِيَةً, فَلاَ يُفْطِرُ; لأَِنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ, وَلاَ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم وأما السِّوَاكُ بِالرَّطْبِ, وَالْيَابِسِ, وَمَضْغُ الطَّعَامِ أَوْ ذَوْقُهُ مَا لَمْ يَصِلْ مِنْهُ إلَى الْحَلْقِ أَيُّ شَيْءٍ بِتَعَمُّدٍ: فَكُلُّهُمْ لاَ يَرَوْنَ الصِّيَامَ بِذَلِكَ مُنْتَقَضًا, وَإِنْ كَانَ الشَّافِعِيُّ كَرِهَ السِّوَاكَ فِي آخِرِ النَّهَارِ, وَلَمْ يُبْطِلْ بِذَلِكَ الصَّوْمَ. وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ مَضْغَ الطَّعَامِ وَذَوْقَهُ, وَهَذَا لاَ شَيْءَ; لأَِنَّ كَرَاهَةَ مَا لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ بِكَرَاهَتِهِ خَطَأٌ, وَهُمْ لاَ يَكْرَهُونَ الْمَضْمَضَةَ, وَلاَ فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَضْغِ الطَّعَامِ; بَلْ الْمَاءُ أَخْفَى وُلُوجًا وَأَشَدُّ امْتِزَاجًا بِالرِّيقِ مِنْ الطَّعَامِ; وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الْقِيَاسَ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ: إنَّ خُلُوفَ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ. قال أبو محمد: الْخُلُوفُ خَارِجٌ مِنْ الْحَلْقِ, وَلَيْسَ فِي الأَسْنَانِ, وَالْمَضْمَضَةُ تَعْمَلُ فِي ذَلِكَ عَمَلَ السِّوَاكِ, وَهُوَ لاَ يَكْرَهُهَا, وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا هُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ, وَوَكِيعٍ, وَغَيْرِهِمَا. وَقَدْ حَصَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى السِّوَاكِ لِكُلِّ صَلاَةٍ, وَلَمْ يَخُصَّ صَائِمًا مِنْ غَيْرِهِ فَالسِّوَاكُ سُنَّةٌ لِلْعَصْرِ, وَالْمَغْرِبِ, وَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَقَدْ كَرِهَ أَبُو مَيْسَرَةَ الرَّطْبَ مِنْ السِّوَاكِ لِلصَّائِمِ, وَلَمْ يَكْرَهْهُ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ, وَحَمَّادٍ, وَإِبْرَاهِيمَ: أَنَّهُمْ كَانُوا لاَ يَكْرَهُونَ لِلصَّائِمِ أَنْ يَمْضُغَ الطَّعَامَ لِلصَّبِيِّ, وَكَانَ الْحَسَنُ يَفْعَلُهُ وأما مَضْغُ الْعِلْكِ, وَالزِّفْتِ, وَالْمَصْطَكَى: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقٍ لاَ يَصِحُّ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا كَرِهَتْ الْعِلْكَ لِلصَّائِمِ وَرُوِّينَا عَنْ الشَّعْبِيِّ: أَنَّهُ لَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا وَقَدْ قلنا: إنَّ مَا لَمْ يَكُنْ أَكْلاً, وَلاَ شُرْبًا, وَلاَ جِمَاعًا, وَلاَ مَعْصِيَةً: فَهُوَ مُبَاحٌ فِي الصَّوْمِ; وَلَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ بِنَهْيِ الصَّائِمِ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا, وَلَيْسَ أَكْلاً, وَلاَ شُرْبًا, وَلاَ يَنْقُصُ مِنْهُ شَيْءٌ بِطُولِ الْمَضْغِ لَوْ وُزِنَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وأما غُبَارُ مَا يُغَرْبَلُ فَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ لاَ يُفْطِرُ, وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَضَّاحٍ عَنْ سَحْنُونَ وَهُوَ لاَ يُسَمَّى أَكْلاً, وَلاَ شُرْبًا, فَلاَ يُفْطِرُ الصَّائِمَ وأما طَعَامٌ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الأَسْنَانِ فِي أَيِّ وَقْتٍ مِنْ النَّهَارِ خَرَجَ فَرَمَى بِهِ: فَهَذَا لَمْ يَأْكُلْ, وَلاَ شَرِبَ; فَلاَ حَرَج, وَلاَ يُبْطِلُ الصَّوْمَ: وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ; وَهُوَ قَوْلُهُمْ كُلُّهُمْ. وأما مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ التَّمَادِي ضُحًى كَذَلِكَ حَتَّى يَتْرُكَ الصَّلاَةَ عَامِدًا ذَاكِرًا لَهَا: فَإِنَّ السَّلَفَ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا فَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَبْطُلُ صَوْمُهُ بِتَرْكِ الْغُسْلِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ, وَالْمَالِكِيُّونَ; وَالشَّافِعِيُّونَ: صَوْمُهُ تَامٌّ وَإِنْ تَعَمَّدَ أَنْ لاَ يَغْتَسِلَ مِنْ الْجَنَابَةِ شَهْرَ رَمَضَانَ كُلَّهُ قال أبو محمد: أَمَّا هَذَا الْقَوْلُ فَظَاهِرُ الْفَسَادِ, لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّ تَعَمُّدَ الْمَعْصِيَةِ يُبْطِلُ الصَّوْمَ, وَلاَ مَعْصِيَةَ أَعْظَمُ مِنْ تَعَمُّدِ تَرْكِ الصَّلاَةِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ إلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: " أَنَّهُ احْتَلَمَ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ ثُمَّ نَامَ فَلَمْ يَنْتَبِهْ حَتَّى أَصْبَحَ, قَالَ: فَلَقِيت أَبَا هُرَيْرَةَ فَاسْتَفْتَيْتُهُ فَقَالَ: أَفْطِرْ, فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُ بِالْفِطْرِ إذَا أَصْبَحَ الرَّجُلُ جُنُبًا قَالَ: فَجِئْت إلَى أَبِي فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا أَفْتَانِي بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ, فَقَالَ: أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَئِنْ أَفْطَرْتَ لاَُوجِعَنَّ مَتْنَكَ, صُمْ, فَإِنْ بَدَا لَكَ أَنْ تَصُومَ يَوْمًا آخَرَ فَافْعَلْ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو الْقَارِئَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: لاَ وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ, مَا أَنَا قُلْتُ: مَنْ أَدْرَكَهُ الصُّبْحُ وَهُوَ جُنُبٌ فَلاَ يَصُمْ, مُحَمَّدٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ قَالَهُ. قال أبو محمد: وَقَدْ عَابَ مَنْ لاَ دِينَ لَهُ، وَلاَ عِلْمَ لَهُ هَذَا الْخَبَرَ بِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ لَهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ: إنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حَدَّثَهُ بِهِ, وَإِنَّ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُ بِهِ قال أبو محمد: وَهَذِهِ قُوَّةٌ زَائِدَةٌ لِلْخَبَرِ, أَنْ يَكُونَ أُسَامَةُ وَالْفَضْلُ رَوَيَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَا نَدْرِي إلَى مَا أَشَارَ بِهِ هَذَا الْجَاهِلُ وَمَا يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الاِعْتِرَاضِ إلاَّ نِسْبَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ لِلْكَذِبِ, وَالْمُعْتَرِضُ بِذَلِكَ أَحَقُّ بِالْكَذِبِ مِنْهُ وَكَذَلِكَ عَارَضَ قَوْمٌ لاَ يُحَصِّلُونَ مَا يَقُولُونَ هَذَا الْخَبَرَ بِأَنَّ أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ رَوَتَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلاَمٍ ثُمَّ يَصُومُ ذَلِكَ النَّهَارَ. قال أبو محمد: وَلَيْسَ يُعَارِضُ هَذَا الْخَبَرَ مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ لأَِنَّ رِوَايَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ هِيَ الزَّائِدَةُ. وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَرُدُّ رِوَايَتَهُمَا رضي الله عنهما فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ بِرَأْيِهِ: ثُمَّ يَجْعَلُ رِوَايَتَهُمَا هَاهُنَا حُجَّةً عَلَى السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ لاَ سِيَّمَا مَعَ صِحَّةِ الرِّوَايَةِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّهَا قَالَتْ: مَا أَدْرَكَ الْفَجْرُ قَطُّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلاَّ وَهُوَ نَائِمٌ فَهَلاَّ حَمَلُوا هَذَا عَلَى غَلَبَةِ النَّوْمِ, لاَ عَلَى تَعَمُّدِ تَرْكِ الْغُسْلِ وَاحْتَجَّ أَيْضًا قَوْمٌ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: رَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ فُتْيَاهُ فِي الرَّجُلِ يُصْبِحُ جُنُبًا. قَالَ عَلِيٌّ: وَلاَ حُجَّةَ فِي رُجُوعِهِ, لأَِنَّهُ رَأْي مِنْهُ; إنَّمَا الْحُجَّةُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ اُفْتُرِضَ عَلَيْنَا اتِّبَاعُ رِوَايَتِهِمْ, وَلَمْ نُؤْمَرْ بِاتِّبَاعِ الرَّأْيِ مِمَّنْ رَآهُ مِنْهُمْ. وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِهَذَا مِنْ الْمَالِكِيِّينَ وَهُمْ قَدْ ثَبَتُوا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه مِنْ تَحْرِيمِ الْمُتَزَوِّجَةِ فِي الْعِدَّةِ عَلَى الَّذِي دَخَلَ بِهَا فِي الأَبَدِ. وَقَدْ صَحَّ رُجُوعُ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ إلَى أَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ ابْتِدَاءُ زَوَاجِهَا وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا مِنْ السَّلَفِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ: أَنَّهُ لَمَّا اخْتَلَفَ عَلَيْهِ أَبُو هُرَيْرَةَ, وَعَائِشَةُ فِي هَذَا قَالَ عَطَاءٌ: يُبَدِّلُ يَوْمًا وَيُتِمُّ يَوْمَهُ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَدْرَكَهُ الصُّبْحُ جُنُبًا وَهُوَ مُتَعَمِّدٌ أَبْدَلَ الصِّيَامَ; وَمَنْ أَتَاهُ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ فَلاَ يُبَدِّلُهُ فَهَذَا عُرْوَةُ ابْنُ أُخْتِ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَدْ تَرَكَ قَوْلَهَا لِرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ قَالَ: سَأَلْت إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ الرَّجُلِ يُصْبِحُ جُنُبًا فَقَالَ: أَمَّا رَمَضَانُ فَيُتِمُّ صَوْمَهُ وَيَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ; وأما التَّطَوُّعُ فَلاَ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، حدثنا ابْنُ إِسْحَاقَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: سَأَلْت سَالِمًا عَنْ رَجُلٍ أَصْبَحَ جُنُبًا فِي رَمَضَانَ قَالَ: يُتِمُّ يَوْمَهُ وَيَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَاسْتَيْقَظَ وَلَمْ يَغْتَسِلْ حَتَّى يُصْبِحَ فَإِنَّهُ يُتِمُّ ذَلِكَ وَيَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ; فَإِنْ لَمْ يَسْتَيْقِظْ فَلاَ بَدَلَ عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِيمَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فِي رَمَضَانَ: يَقْضِيهِ فِي الْفَرْضِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَائِذِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فِي الَّذِي يُصْبِحُ جُنُبًا فِي رَمَضَانَ قَالَ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ. قال أبو محمد: لَوْ لَمْ يَكُنْ إلاَّ مَا ذَكَرْنَا لَكَانَ الْوَاجِبُ الْقَوْلَ بِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ, لَكِنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ صِحَّةُ نَسْخِهِ وَ بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حدثنا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانَ أَحَدُهُمْ إذَا نَامَ لَمْ تَحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ, وَلَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ شَيْئًا إلَى الْقَابِلَةَ, وَرَخَّصَ اللَّهُ لَكُمْ. حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي هِلاَلُ بْنُ الْعَلاَءِ بْنِ هِلاَلٍ الرَّقِّيُّ، حدثنا حُسَيْنُ بْنُ عَيَّاشٍ ثِقَةٌ مِنْ أَهْلِ بَاجَدَّا حدثنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: أَنَّ أَحَدَهُمْ كَانَ إذَا نَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَعَشَّى لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ شَيْئًا، وَلاَ يَشْرَبَ لَيْلَتَهُ وَيَوْمَهُ مِنْ الْغَدِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ, حَتَّى نَزَلَتْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ. قال أبو محمد: فَصَحَّ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَاسِخَةٌ لِكُلِّ حَالٍ تَقَدَّمَتْ الصَّوْمَ, وَخَبَرُ أَبِي هُرَيْرَةَ مُوَافِقٌ لِبَعْضِ الأَحْوَالِ الْمَنْسُوخَةِ, وَإِذْ صَحَّ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَاسِخَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ فَحُكْمُهَا بَاقٍ لاَ يَجُوزُ نَسْخُهُ وَفِيهَا إبَاحَةُ الْوَطْءِ إلَى تَبَيُّنِ الْفَجْرِ; فَإِذْ هُوَ مُبَاحٌ بِيَقِينٍ, فَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ الْغُسْلَ لاَ يَكُونُ إلاَّ بَعْدَ الْفَجْرِ, وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ الْفَجْرَ يُدْرِكُهُ وَهُوَ جُنُبٌ, فَبِهَذَا وَجَبَ تَرْكُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ, لاَ بِمَا سِوَاهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وأما مَنْ نَسِيَ أَنَّهُ صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ, أَوْ فِي صَوْمِ فَرْضٍ, أَوْ تَطَوُّعٍ: فَأَكَلَ, وَشَرِبَ, وَوَطِئَ, وَعَصَى; وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَيْلٌ فَفَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا بِهِ قَدْ أَصْبَحَ; أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ غَابَتْ الشَّمْسُ فَفَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا بِهَا لَمْ تَغْرُبْ: فَإِنَّ صَوْمَ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا تَامٌّ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ الْعُذْرِيُّ قَالَ، حدثنا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ قَالَ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الشِّيرَازِيُّ أَخَبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ الْحَسَنِ الرَّيَّانِ الْمَخْزُومِيِّ وَرَّاقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ قُتَيْبَةَ، حدثنا الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنِ الْمَرَادِيِّ، حدثنا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا عَبْدَانُ أَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حدثنا هِشَامٌ، هُوَ ابْنُ حَسَّانَ، حدثنا ابْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَأَكَلَ, أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ; فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ. حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حدثنا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ وَحَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ كِلاَهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, إنِّي أَكَلْتُ وَشَرِبْتُ نَاسِيًا وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ: اللَّهُ أَطْعَمَكَ وَسَقَاكَ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي رَافِعٍ, وَخِلاَسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . قال أبو محمد: فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَائِمًا, وَأَمَرَهُ بِإِتْمَامِ صَوْمِهِ ذَلِكَ فَصَحَّ أَنَّهُ صَحِيحُ الصَّوْمِ . وَبِهِ يَقُولُ جُمْهُورُ السَّلَفِ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: اسْتَسْقَى ابْنُ عُمَرَ وَهُوَ صَائِمٌ, فَقُلْت: أَلَسْتَ صَائِمًا فَقَالَ: أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَسْقِيَنِي فَمَنَعْتَنِي. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ: مَنْ شَرِبَ نَاسِيًا أَوْ أَكَلَ نَاسِيًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ بَأْسٌ, إنَّ اللَّهَ أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ, وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِثْلُ هَذَا. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ, وَقَتَادَةَ, وَمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ, وَسَوَّيَا فِي ذَلِكَ بَيْن الْمُجَامِعِ, وَالآكِلِ, وَعَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ مِثْلُهُ, وَعَنْ أَبِي الأَحْوَصِ, وَعَلْقَمَةَ, وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ, وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ, وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ, وَسُفْيَانَ, وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ, وَالشَّافِعِيِّ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ, وَغَيْرِهِمْ; إلاَّ أَنَّ بَعْضَ مَنْ ذَكَرْنَا رَأَى الْجِمَاعَ بِخِلاَفِ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ, وَرَأَى فِيهِ الْقَضَاءَ. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ, وَسُفْيَانَ: قال أبو محمد: وقال مالك: الْقَضَاءُ وَاجِبٌ عَلَى النَّاسِي قَالَ عَلِيٌّ: وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلاً, إلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا: الأَكْلُ, وَالْجِمَاعُ, وَالشُّرْبُ يُنَافِي الصَّوْمَ فَقِيلَ لَهُمْ: وَعَلَى هَذَا فَالأَكْلُ وَالشُّرْبُ يُنَافِي الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّ ذَلِكَ لاَ يُبْطِلُ الصَّلاَةَ إذَا كَانَ بِنِسْيَانٍ فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ فَكَيْفَ وَقَوْلُهُمْ هَذَا خَطَأٌ وَإِنَّمَا الصَّوَابُ أَنَّ تَعَمُّدَ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَالْقَيْءِ يُنَافِي الصَّوْمَ لاَ الأَكْلُ كَيْفَ كَانَ, وَلاَ الشُّرْبُ كَيْفَ كَانَ, وَلاَ الْجِمَاعُ كَيْفَ كَانَ, وَلاَ الْقَيْءُ كَيْفَ كَانَ, فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ, وَاَلَّذِي جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ. وأما دَعْوَاهُمْ فَبَاطِلٌ, عَارِيَّةٌ مِنْ الدَّلِيلِ جُمْلَةً, لاَ مِنْ قُرْآنٍ, وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ, وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ, وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ, وَلاَ مِنْ قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم, بَلْ هَذَا مِمَّا نَقَضُوا فِيهِ وَتَنَاقَضُوا فِيهِ, لأَِنَّهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلاَفَ قَوْلِ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَهُمْ. وَخَالَفُوا هَاهُنَا طَائِفَةً مِنْ الصَّحَابَةِ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ, وَقَالُوا: الْكَلاَمُ, أَوْ الأَكْلُ, أَوْ الشُّرْبُ فِي الصَّلاَةِ بِنِسْيَانٍ لاَ يُبْطِلُهَا, وَأَبْطَلُوا الصَّوْمَ بِكُلِّ ذَلِكَ بِالنِّسْيَانِ وَهَذَا تَنَاقُضٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ وأما أَبُو حَنِيفَةَ فَتَنَاقَضَ أَيْضًا, لأَِنَّهُ رَأَى أَنَّ الْكَلاَمَ, أَوْ الأَكْلَ نَاسِيًا, أَوْ الشُّرْبَ نَاسِيًا تَبْطُلُ الصَّلاَةُ بِكُلِّ ذَلِكَ وَيَبْتَدِئُهَا, وَخَالَفَ السُّنَّةَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ, وَرَأَى الْجِمَاعَ يُبْطِلُ الْحَجَّ نَاسِيًا كَانَ أَوْ عَامِدًا وَرَأَى أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لاَ يُبْطِلُ الصَّوْمَ, وَاتَّبَعَ الْخَبَرَ فِي ذَلِكَ, وَرَأَى الْجِمَاعَ نَاسِيًا لاَ يُبْطِلُ الصَّوْمَ, قِيَاسًا عَلَى الأَكْلِ, وَلَمْ يَقِسْ الآكِلَ نَائِمًا عَلَى الآكِلِ نَاسِيًا; بَلْ رَأَى الأَكْلَ نَائِمًا يُبْطِلُ الصَّوْمَ, وَهُوَ نَاسٍ بِلاَ شَكٍّ, وَهَذَا تَخْلِيطٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ وَادَّعَى مُقَلِّدُوهُ الإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْجِمَاعَ وَالأَكْلَ نَاسِيًا سَوَاءٌ; وَكَذَبُوا فِي ذَلِكَ; لاَِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: قُلْت لِعَطَاءٍ: رَجُلٌ أَصَابَ امْرَأَتَهُ نَاسِيًا فِي رَمَضَانَ فَقَالَ عَطَاءٌ: لاَ يَنْسَى هَذَا كُلَّهُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ; لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ عُذْرًا, وَإِنْ طَعِمَ نَاسِيًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَلاَ يَقْضِيهِ, اللَّهُ أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ. وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَرَأَى ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَلَى مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا الْقَضَاءَ وَعَلَى مَنْ جَامَعَ نَاسِيًا الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فَاسِدَةٌ وَتَفَارِيقُ لاَ تَصِحُّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد: وَمَنْ أَكَلَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَيْلٌ أَوْ جَامَعَ كَذَلِكَ أَوْ شَرِبَ كَذَلِكَ فَإِذَا بِهِ نَهَارٌ إمَّا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وأما بِأَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَغْرُبْ: كِلاَهُمَا لَمْ يَتَعَمَّدْ إبْطَالَ صَوْمِهِ, وَكِلاَهُمَا ظَنَّ أَنَّهُ فِي غَيْرِ صِيَامٍ, وَالنَّاسِي ظَنَّ أَنَّهُ فِي غَيْرِ صِيَامٍ، وَلاَ فَرْقَ, فَهُمَا وَالنَّاسِي سَوَاءٌ، وَلاَ فَرْقَ. وَلَيْسَ هَذَا قِيَاسًا وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَكُونُ قِيَاسًا لَوْ جَعَلْنَا النَّاسِيَ أَصْلاً ثُمَّ شَبَّهْنَا بِهِ مَنْ أَكَلَ وَشَرِبَ وَجَامَعَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ فِي لَيْلٍ فَإِذَا بِهِ فِي نَهَارٍ, وَلَمْ نَفْعَلْ هَذَا بَلْ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ حدثنا مَعْمَرٌ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: أَفْطَرَ النَّاسُ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَرَأَيْت عِسَاسًا أُخْرِجَتْ مِنْ بَيْتِ حَفْصَةَ فَشَرِبُوا, ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ مِنْ سَحَابٍ, فَكَأَنَّ ذَلِكَ شَقَّ عَلَى النَّاسِ, فَقَالُوا: نَقْضِي هَذَا الْيَوْمَ فَقَالَ عُمَرُ: لِمَ وَاَللَّهِ مَا تَجَانَفْنَا لاِِثْمٍ وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الأَعْمَشِ عَنْ الْمُسَيِّبِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَخِيهِ عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَذْكُرْ قَضَاءً وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَيْضًا الْقَضَاءُ, وَهَذَا تَخَالُفٌ مِنْ قَوْلِهِ, فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرُّجُوعَ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ, مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ, فَوَجَدْنَا مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ, مَعَ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ عُمَرَ أَوْلَى لأَِنَّ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ لَهُ صُحْبَةٌ, وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنْهُ الْقَضَاءُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ حَنْظَلَةَ عَنْ أَبِيهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ قَالَ: سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ عَمَّنْ تَسَحَّرَ نَهَارًا وَهُوَ يَرَى أَنَّ عَلَيْهِ لَيْلاً فَقَالَ: يُتِمُّ صَوْمَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: مَنْ أَكَلَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَمْ يَطْلُعْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ; لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ حدثنا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِيمَنْ تَسَحَّرَ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ لَيْلٌ, قَالَ: يُتِمُّ صَوْمَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ حدثنا أَبُو دَاوُد هُوَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ فِيمَنْ أَكَلَ يَرَى أَنَّهُ لَيْلٌ فَإِذَا بِهِ نَهَارٌ, قَالَ: يُتِمُّ صَوْمَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ, وَمَعْمَرٍ, قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ عَطَاءٍ, وَقَالَ مَعْمَرٌ: عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ, ثُمَّ اتَّفَقَ عُرْوَةُ وَعَطَاءٌ فِيمَنْ أَكَلَ فِي الصُّبْحِ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ لَيْلٌ: لَمْ يَقْضِهِ; فَهَؤُلاَءِ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابُ, وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ, وَمُجَاهِدٌ; وَالْحَسَنُ, وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ أَبُو الشَّعْثَاءِ, وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ, وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَرُوِّينَا عَنْ مُعَاوِيَةَ, وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ, وَابْنِ سِيرِينَ, وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ, وَعَطَاءٍ, وَزِيَادِ بْنِ النَّضْرِ, وَإِنَّمَا قَالَ هَؤُلاَءِ: بِالْقَضَاءِ فِي الَّذِي يُفْطِرُ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ لَيْلٌ ثُمَّ تَطْلُعُ الشَّمْسُ وأما فِي الْفَجْرِ فَلاَ, مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ, وَمَالِكٍ, وَالشَّافِعِيِّ, وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلاً. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: أَفْطَرَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ. قَالَ أَبُو أُسَامَةَ: قُلْت لِهِشَامٍ: فَأُمِرُوا بِالْقَضَاءِ فَقَالَ: وَمِنْ ذَلِكَ بُدٌّ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ إلاَّ مِنْ كَلاَمِ هِشَامٍ, وَلَيْسَ مِنْ الْحَدِيثِ, فَلاَ حُجَّةَ فِيهِ. وَقَدْ قَالَ مَعْمَرٌ: سَمِعْت هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ يَقُولُ: لاَ أَدْرِي أَقَضَوْا أَمْ لاَ فَصَحَّ مَا قلنا. وأما مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْفِطْرِ, أَوْ وُطِئَتْ امْرَأَةٌ نَائِمَةً, أَوْ مُكْرَهَةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ مُغْمًى عَلَيْهَا, أَوْ صُبَّ فِي حَلْقِهِ مَاءٌ وَهُوَ نَائِمٌ: فَصَوْمُ النَّائِمِ, وَالنَّائِمَةِ, وَالْمُكْرَهِ, وَالْمُكْرَهَةِ: تَامٌّ صَحِيحٌ لاَ دَاخِلَةَ فِيهِ, وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِمْ, وَلاَ شَيْءَ عَلَى الْمَجْنُونَةِ. وَالْمُغْمَى عَلَيْهَا, وَلاَ عَلَى الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ; لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لاُِمَّتِهِ عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ. وَالنَّائِمُ وَالنَّائِمَةُ مُكْرَهَانِ بِلاَ شَكٍّ غَيْرُ مُخْتَارَيْنِ لِمَا فُعِلَ بِهِمَا وَقَالَ زُفَرُ: لاَ شَيْءَ عَلَى النَّائِمِ, وَالنَّائِمَةِ، وَلاَ قَضَاءَ كَمَا قلنا, سَوَاءٌ سَوَاءٌ, وَصَوْمُهُمَا تَامٌّ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ. وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي النَّائِمِ مِثْلُ قَوْلِ زُفَرَ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيِّ: إذَا جُومِعَتْ الْمَرْأَةُ مُكْرَهَةً فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَصَوْمُهَا تَامٌّ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهَا وَهُوَ قَوْلُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ, وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا. وَالْمَجْنُونُ, وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ غَيْرُ مُخَاطَبَيْنِ, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ, وَالنَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ, وَالصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ. وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى النَّائِمِ وَالنَّائِمَةِ, وَالْمُكْرَهِ وَالْمُكْرَهَةِ, وَالْمَجْنُونِ وَالْمَجْنُونَةِ, وَالْمُغْمَى عَلَيْهِمَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. قال أبو محمد: وَهُوَ قَوْلٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ, وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً مِنْ قُرْآنٍ, وَلاَ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلاَ رِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ, وَلاَ قِيَاسٍ, إلاَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَاسَ ذَلِكَ عَلَى الْمُكْرَهِ عَلَى الْحَدَثِ أَنَّهُ تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ. قال علي: وهذا قِيَاسٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا فَكَيْفَ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ لأَِنَّ الطَّهَارَةَ تُنْتَقَضُ مِنْ الأَحْدَاثِ بِقِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا بِنَقْضِهَا كَيْفَ مَا كَانَ, بِنِسْيَانٍ أَوْ عَمْدٍ أَوْ إكْرَاهٍ: وَالآخَرُ لاَ يَنْقُضُهَا إلاَّ بِالْعَمْدِ عَلَى حَسَبِ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ, وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الرِّيحَ, وَالْبَوْلَ, وَالْغَائِطَ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ: أَنْ يَقِيسُوا النَّاسِيَ فِي الصَّوْمِ عَلَى النَّاسِي فِي الطَّهَارَةِ, وَالْمَغْلُوبَ بِالْقَيْءِ عَلَى الْمَغْلُوبِ بِالْحَدَثِ, وَكُلُّهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا أَصْلاً, فَبَطَلَ قِيَاسُهُمْ الْفَاسِدُ وَكَانَ أَدْخَلَ فِي الْقِيَاسِ لَوْ قَاسُوا الْمُكْرَهَ, وَالْمَغْلُوبَ فِي الصَّوْمِ عَلَى الْمُكْرَهِ, وَالْمَغْلُوبِ فِي الصَّلاَةِ عَلَى تَرْكِ الْقِيَامِ, أَوْ تَرْكِ السُّجُودِ, أَوْ الرُّكُوعِ, فَهَؤُلاَءِ صَلاَتُهُمْ تَامَّةٌ بِإِجْمَاعٍ مِنْهُمْ; فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ صَوْمُ الْمُكْرَهِ وَالْمَغْلُوبِ، وَلاَ فَرْقَ; وَلَكِنَّهُمْ لاَ يُحْسِنُونَ الْقِيَاسَ، وَلاَ يَتَّبِعُونَ النُّصُوصَ، وَلاَ يَطْرُدُونَ أُصُولَهُمْ, وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وأما دُخُولُ الْحَمَّامِ, وَالتَّغْطِيسُ فِي الْمَاءِ, وَدَهْنُ الشَّارِبِ, فَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: لاَ يَدْخُلُ الصَّائِمُ الْحَمَّامَ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ الإِفْطَارُ بِدَهْنِ الشَّارِبِ, وَعَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مِثْلُ ذَلِكَ فِي التَّغْطِيسِ فِي الْمَاءِ, وَلاَ حُجَّةَ إلاَّ فِيمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ نَهْيٌ لِلصَّائِمِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ; فَكُلُّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لاَ يَكْدَحُ فِي الصَّوْمِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
|