الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط
.بَابُ حُكْمِ الْوَلَدِ عِنْدَ افْتِرَاقِ الزَّوْجَيْنِ: اعْلَمْ بِأَنَّ الصِّغَارَ لِمَا بِهِمْ مِنْ الْعَجْزِ عَنْ النَّظَرِ لِأَنْفُسِهِمْ وَالْقِيَامِ بِحَوَائِجِهِمْ؛ جَعَلَ الشَّرْعُ وِلَايَةَ ذَلِكَ إلَى مَنْ هُوَ مُشْفِقٌ عَلَيْهِمْ فَجَعَلَ حَقَّ التَّصَرُّفِ إلَى الْآبَاءِ لِقُوَّةِ رَأْيِهِمْ مَعَ الشَّفَقَةِ وَالتَّصَرُّفِ يَسْتَدْعِي قُوَّةَ الرَّأْيِ وَجَعَلَ حَقَّ الْحَضَانَةِ إلَى الْأُمَّهَاتِ لِرِفْقِهِنَّ فِي ذَلِكَ مَعَ الشَّفَقَةِ وَقُدْرَتِهِنَّ عَلَى ذَلِكَ بِلُزُومِ الْبُيُوتِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأُمَّ أَحْفَى وَأَشْفَقُ مِنْ الْأَبِ عَلَى الْوَلَدِ فَتَتَحَمَّلُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ مَا لَا يَتَحَمَّلُهُ الْأَبُ وَفِي تَفْوِيضِ ذَلِكَ إلَيْهَا زِيَادَةُ مَنْفَعَةٍ لِلْوَلَدِ وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ «أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إنَّ وَلَدِي هَذَا قَدْ كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً وَأَنَّ هَذَا يُرِيدُ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي فَقَالَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجِي» وَلَمَّا خَاصَمَ عُمَرُ أُمَّ عَاصِمٍ بَيْن يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لِيَنْتَزِعَ عَاصِمًا مِنْهَا قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ رِيحُهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ سَمْنٍ وَعَسَلٍ عِنْدَك وَفِي رِوَايَةٍ رِيقُهَا خَيْرٌ لَهُ يَا عُمَرُ فَدَعْهُ عِنْدَهَا حَتَّى يَشِبَّ وَفِي رِوَايَةٍ دَعْهُ فَرِيحُ لِفَاعِهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ سَمْنٍ وَعَسَلٍ عِنْدَك إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ إذَا فَارَقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَلَهُمَا وَلَدٌ فَالْأُمُّ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهَا حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا، فَإِنْ كَانَ غُلَامًا فَحَتَّى يَأْكُلَ وَحْدَهُ وَيَشْرَبَ وَحْدَهُ وَيَلْبَسَ وَحْدَهُ وَفِي نَوَادِرِ دَاوُد بْنِ رَشِيدٍ وَيَسْتَنْجِيَ وَحْدَهُ، وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً فَهِيَ أَحَقُّ بِهَا حَتَّى تَحِيضَ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَسْتَوِيَ الْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ فِي ذَلِكَ وَإِذَا اسْتَغْنَيَا يَكُونُ الْأَبُ أَحَقَّ بِهِمَا؛ لِأَنَّ لِلْأُمِّ حَقَّ الْحَضَانَةِ وَذَلِكَ يَنْتَهِي إذَا اسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ وَالْحَاجَةُ إلَى الْحِفْظِ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْأَبُ أَقْدَرُ عَلَى الْحِفْظِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تَعْجِزُ عَنْ حِفْظِ نَفْسِهَا وَتَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَحْفَظُهَا عَلَى مَا قِيلَ النِّسَاءُ لَحْمٌ عَلَى وَضَمٍ إلَّا مَا ذَبَّ عَنْهُنَّ فَكَيْف تَقْدِرُ عَلَى حِفْظِ غَيْرِهَا وَلَكِنَّا تَرَكْنَا الْقِيَاسَ فَقُلْنَا الْجَارِيَةُ.وَإِنْ اسْتَغْنَتْ عَنْ التَّرْبِيَةِ فَقَدْ احْتَاجَتْ إلَى تَعَلُّمِ الْغَزْلِ وَالطَّبْخِ وَغَسْلِ الثِّيَابِ وَالْأُمُّ عَلَى ذَلِكَ أَقْدَرُ وَإِذَا دُفِعَتْ إلَى الْأَبِ اخْتَلَطَتْ بِالرِّجَالِ فَيَقِلُّ حَيَاؤُهَا وَالْحَيَاءُ فِي النِّسَاءِ زِينَةٌ وَإِنَّمَا يَبْقَى ذَلِكَ إذَا كَانَتْ تَحْتَ ذَيْلِ أُمِّهَا فَكَانَتْ أَحَقَّ بِهَا حَتَّى تَحِيضَ فَإِذَا بَلَغَتْ احْتَاجَتْ إلَى التَّزْوِيجِ وَوِلَايَةُ التَّزْوِيجِ إلَى الْأَبِ وَصَارَتْ عُرْضَةً لِلْفِتْنَةِ وَمَطْمَعَةً لِلرِّجَالِ وَبِالرِّجَالِ مِنْ الْغَيْرَةِ مَا لَيْسَ لِلنِّسَاءِ فَيَتَمَكَّنُ الْأَبُ مِنْ حِفْظِهَا عَلَى وَجْهٍ لَا تَتَمَكَّنُ الْأُمُّ مِنْ ذَلِكَ وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ فَالْأَبُ أَحَقُّ بِهَا لِلْمَعْنَى الَّذِي أَشَرْنَا إلَيْهِ وَهُوَ قُوَّةُ غَيْرَةِ الرِّجَالِ فَإِنَّ الْأُمَّ رُبَّمَا تُخْدَعُ فَتَقَعُ فِي فِتْنَةٍ وَلَا تَشْعُرُ الْأُمُّ بِذَلِكَ وَيُؤْمَنُ ذَلِكَ عَلَى الْأَبِ فَأَمَّا الْغُلَامُ إذَا اسْتَغْنَى فَقَدْ احْتَاجَ إلَى تَعَلُّمِ أَعْمَالِ الرِّجَالِ وَالْأَبُ عَلَى ذَلِكَ أَقْدَرُ وَاحْتَاجَ إلَى مَنْ يُثَقِّفَهُ وَيُؤَدِّبَهُ وَالْأَبُ هُوَ الَّذِي يَقْوَى عَلَى ذَلِكَ وَلِأَنَّ صُحْبَةَ النِّسَاءِ مَفْسَدَةٌ لِلرِّجَالِ فَإِذَا تُرِكَ عِنْدَهَا يَنْكَسِرُ لِسَانُهُ وَيَمِيلُ طَبْعُهُ إلَى طَبْعِ النِّسَاءِ فَرُبَّمَا يَجِيءُ مُخَنَّثًا فَلِهَذَا يُدْفَعُ إلَى الْأَبِ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا مَذْهَبُنَا فَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُخَيَّرُ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ فَيُدْفَعُ إلَى مِنْ اخْتَارَ الْغُلَامُ صُحْبَتَهُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ» وَلَكِنَّا نَقُولُ فِي هَذَا بِنَاءُ الْإِلْزَامِ وَالْحُكْمِ عَلَى قَوْلِ الصَّبِيِّ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلِأَنَّ الصَّبِيَّ فِي الْعَادَةِ يَخْتَارُ مَا يَضُرُّهُ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَارُ مِنْ لَا يُؤَدِّبُهُ وَلَا يَمْنَعُهُ شَهْوَتَهُ وَاَلَّذِي رُوِيَ مِنْ الْأَثَرِ فَقَدْ دَعَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذَلِكَ الْغُلَامِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ سَدِّدْهُ فَبِبَرَكَةِ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَارَ مَا هُوَ أَنْفَعُ لَهُ وَلَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَالرَّضَاعُ وَالنَّفَقَةُ عَلَى الْوَالِدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ} يَعْنِي مُؤْنَةَ الرَّضَاعِ وَهَذَا بِخِلَافِ حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهَا لَا تَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ عَلَى إرْضَاعِ الْوَلَدِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ فِي حَالِ بَقَاءِ النِّكَاحِ الرَّضَاعَ مِنْ الْأَعْمَالِ الْمُسْتَحَقَّةِ عَلَيْهَا دِينًا وَبَعْدَ الْفُرْقَةِ لَيْسَ ذَلِكَ بِمُسْتَحَقٍّ عَلَيْهَا دِينًا وَلَا دُنْيَا وَكَمَا أَنَّ النَّفَقَةَ بَعْدَ الْفِطَامِ عَلَى الْأَبِ لَا يُشَارِكُهُ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْوَلَدَ جُزْءٌ مِنْهُ وَالْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ كَالْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ، فَكَذَلِكَ قَبْلَ الْفِطَامِ مُؤْنَةُ الرَّضَاعِ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ يَجِدُ مِنْ يُرْضِعُهُ بِأَقَلَّ مِمَّا تَرْضِعُهُ الْمَرْأَةُ وَلَمْ تَأْخُذْهُ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ اسْتَأْجَرَ الظِّئْرَ لِتُرْضِعَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} وَلِأَنَّهَا قَصَدَتْ الْإِضْرَارَ بِالزَّوْجِ فِي التَّحَكُّمِ عَلَيْهِ وَطَلَبِ الزِّيَادَةِ إلَّا أَنَّ الظِّئْرَ تَأْتِي فَتُرْضِعُهُ عِنْدَ أُمِّهِ وَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَ الْوَلَدَ مِنْهَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحَضَانَةِ لَهَا فَلَا يَمْلِكُ الْأَبُ إبْطَالَ حَقِّهَا وَإِنْ أَخَذَتْهُ الْأُمُّ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ؛ لِأَنَّهَا أَشْفَقُ عَلَى الْوَلَدِ مِنْ الظِّئْرِ وَلَبَنُهَا أَوْفَقُ لَهُ وَالْأَبُ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ قَاصِدٌ إلَى الْإِضْرَارِ وَالتَّعَنُّتِ حِينَ رَضِيَ بِدَفْعِ مِقْدَارٍ إلَى الظِّئْرِ وَلَا رَضِيَ بِدَفْعِ مِثْلِ ذَلِكَ إلَى الْأُمِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَقَعَ بَيْنَهُمَا فُرْقَةٌ فَلَا أَجْرَ لَهَا عَلَى الرَّضَاعِ، وَإِنْ أَبَتْ أَنْ تَرْضِعَ لَمْ تُكْرَهْ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ تَسْلِيمُ النَّفْسِ إلَى الزَّوْجِ لِلِاسْتِمْتَاعِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَعْمَالِ تُؤْمَرُ بِهِ تَدَيُّنًا وَلَا تُجْبَرُ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ نَحْوِ كَنْسِ الْبَيْتِ وَغَسْلِ الثِّيَابِ وَالطَّبْخِ وَالْخَبْزِ فَكَذَلِكَ إرْضَاعُ الْوَلَدِ (قَالَ:) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّبِيِّ أَبٌ وَكَانَ لَهُ أُمٌّ وَعَمٌّ فَالرَّضَاعُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمَا إنْ كَانَا مُوسِرِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} فَقَدْ اُعْتُبِرَ صِفَةُ الْوِرَاثَةِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْأَبِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِحَسَبِ الْمِيرَاثِ وَلَكِنْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ ثَبَتَ ذَلِكَ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَلَى الْوَارِثِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنَّ قِرَاءَتَهُ لَا تَخْتَلِفُ عَنْ رِوَايَتِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ هَذَا إلَّا سَمَاعًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي النَّفَقَةِ بَعْدَ الْفِطَامِ الْجَوَابُ هَكَذَا، وَكَذَلِكَ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ قَبْلَ الْفِطَامِ فَأَمَّا الرَّضَاعُ فَإِنَّهُ كُلُّهُ عَلَى الْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا مُوسِرَةٌ بِاللَّبَنِ وَالْعَمُّ مُعْسِرٌ فِي ذَلِكَ وَلَكِنْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَالَ: قُدْرَةُ الْعَمِّ عَلَى تَحْصِيلِ ذَلِكَ بِمَالِهِ يَجْعَلُهُ مُوسِرًا فِيهِ فَلِهَذَا كَانَ عَلَيْهِمَا إثْلَاثًا وَالْأُمُّ أَحَقُّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهَا حَتَّى يَبْلُغَ مَا وَصَفْنَا، فَإِنْ كَانَ الْعَمُّ فَقِيرًا وَالْأُمُّ غَنِيَّةً فَالرَّضَاعُ وَالنَّفَقَةُ عَلَى الْأُمِّ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْعَمِّ مُسْتَحَقَّةٌ فِي مَالِهِ لَا فِي كَسْبِهِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي نَفَقَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمُعْسِرُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ النَّفَقَةِ بَلْ هُوَ كَالْمَعْدُومِ فَكَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَى الْأُمِّ فَإِنْ كَانَ لَهُ أُمٌّ وَأَخٌ لِأَبٍ وَأُمٌّ وَعَمٌّ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ فَالرَّضَاعُ عَلَى الْأُمِّ وَالْأَخِ أَثْلَاثًا بِحَسَبِ الْمِيرَاثِ وَلَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْعَمِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَارِثٍ مَعَ الْأَخِ وَالْغُرْمُ مُقَابَلٌ بِالْغُنْمِ وَإِنَّمَا يُسْتَحَقُّ عَلَى مَنْ يَكُونُ الْغُنْمُ لَهُ إذَا مَاتَ الْوَلَدُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ بَعْدَ الْأَبِ النَّفَقَةُ عَلَى كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ إذَا كَانُوا أَغْنِيَاءَ عَلَى حَسَبِ الْمِيرَاثِ وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ فَقِيرًا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى النَّفَقَةِ فَإِنْ تَطَوَّعَ بِشَيْءٍ فَهُوَ أَفْضَلُ فَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ فَقِيرَةً وَلِلْوَلَدِ عَمَّةٌ وَخَالَةٌ غَنِيَّتَانِ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا عَلَى الْعَمَّةِ الثُّلُثَانِ وَعَلَى الْخَالَةِ الثُّلُثُ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ الْفَقِيرَةَ كَالْمَعْدُومَةِ وَبَعْدَهَا الْمِيرَاثُ بَيْنَ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ أَثْلَاثًا فَكَذَا النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لَهُ ابْنُ عَمٍّ هُوَ وَارِثُهُ فَإِنَّ ابْنَ الْعَمِّ لَيْسَ بِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ بَلْ يُجْعَلُ هُوَ فِي حَقِّ النَّفَقَةِ كَالْمَعْدُومِ وَتَكُونُ النَّفَقَةُ عَلَى الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ أَثْلَاثًا وَإِنْ كَانَ الْمِيرَاثُ لِابْنِ الْعَمِّ، وَكَذَلِكَ كُلُّ عَصَبَةٍ لَيْسَ بِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْمِيرَاثُ لَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ عَصَبَةٌ فِي حَقِّ الْمِيرَاثِ وَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ مَنْ لَيْسَ بِمُجَرَّدٍ مِنْ الْأَقَارِبِ (قَالَ:) وَيُؤْمَرُ الْمُوسِرُ وَالْوَسَطُ لِوَلَدِهِ إذَا كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ بِخَادِمٍ، فَإِنْ لَمْ يَكْفِهِمْ فَخَادِمَانِ يَقُومَانِ عَلَيْهِمْ فِي خِدْمَتِهِمْ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ كِفَايَتِهِمْ فَتَكُونُ عَلَى الْأَبِ كَالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ إلَّا أَنَّ الْمُعْسِرَ عَاجِزٌ عَنْ ذَلِكَ وَالتَّكْلِيفُ بِحَسَبِ الْوُسْعِ فَأَمَّا الْمُوسِرُ وَوَسَطُ الْحَالِ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَيُؤْمَرُ مِنْ ذَلِكَ بِمَا تَقَعُ بِهِ الْكِفَايَةُ.(قَالَ) فَإِنْ تَزَوَّجَتْ الْأُمُّ فَلِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَ الْوَلَدَ مِنْهَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا لَمْ تَتَزَوَّجِي» فَإِنَّمَا جَعَلَ الْحَقَّ لَهَا إلَى أَنْ تَتَزَوَّجَ وَحُكْمُ مَا بَعْدَ الْغَايَةِ مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَ ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهَا لَمَّا تَزَوَّجَتْ فَقَدْ اشْتَغَلَتْ بِخِدْمَةِ زَوْجِهَا فَلَا تَتَفَرَّغُ لِتَرْبِيَةِ الْوَلَدِ وَالْوَلَدُ فِي الْعَادَةِ يَلْحَقُهُ الْجَفَاءُ وَالْمَذَلَّةُ مِنْ زَوْجِ الْأُمِّ فَكَانَ لِلْأَبِ أَنْ لَا يَرْضَى بِذَلِكَ فَيَأْخُذَ الْوَلَدَ مِنْهَا.(قَالَ:) وَأُمُّ الْأُمِّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحَضَانَةِ بِسَبَبِ الْأُمُومَةِ وَهِيَ أُمٌّ تُدْلِي بِأُمٍّ فَهِيَ أَوْلَى مِنْ أُمِّ الْأَبِ؛ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِقَرَابَةِ الْأَبِ، وَقَرَابَةُ الْأُمِّ فِي الْحَضَانَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى قَرَابَةِ الْأَبِ.(قَالَ:) وَيَسْتَوِي إنْ كَانَتْ الْأُمُّ مُسْلِمَةً، أَوْ كِتَابِيَّةً أَوْ مَجُوسِيَّةً؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحَضَانَةِ لَهَا لِلشَّفَقَةِ عَلَى الْوَلَدِ وَلَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ عَلَى مَا قِيلَ: كُلُّ شَيْءٍ يُحِبُّ وَلَدَهُ حَتَّى الْحُبَارَى.وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ يَقُولُ: إذَا كَانَتْ كَافِرَةً فَعَقَلَ الْوَلَدُ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهَا جَارِيَةً كَانَتْ، أَوْ غُلَامًا؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ بِإِسْلَامِ الْأَبِ وَإِنَّهَا تُعَلِّمُهَا الْكُفْرَ فَلَا تُؤْمَنُ مِنْ الْفِتْنَةِ إذَا تُرِكَتْ عِنْدَهَا فَلِهَذَا تُؤْخَذُ مِنْهَا، فَإِنْ كَانَ لِأُمِّ الْأُمِّ زَوْجٌ نَظَرْنَا، فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا جَدُّ الْوَلَدِ فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ؛ لِأَنَّ جَدَّ الْوَلَدِ يَكُونُ مُشْفِقًا عَلَيْهِ وَلَا يَلْحَقُهُ الْأَذَى وَالْجَفَاءُ مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا فَلَا حَقَّ لَهَا فِي الْوَلَدِ كَالْأُمِّ إذَا تَزَوَّجَتْ أَجْنَبِيًّا.(قَالَ:) وَأُمُّ الْأَبِ بَعْدَهَا أَحَقُّ بِهِمْ عِنْدَنَا وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْأُخْتُ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ، أَوْ مِنْ الْأُمِّ، أَوْ الْخَالَةُ أَحَقُّ مِنْ الْجَدَّةِ أَمِّ الْأَبِ؛ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِقَرَابَةِ الْأَبِ، وَمَنْ سَمَّيْنَا بِقَرَابَةِ الْأُمِّ.وَاسْتِحْقَاقُ الْحَضَانَةِ بِاعْتِبَارِ قَرَابَةِ الْأُمِّ.وَلَكِنَّا نَقُولُ هَذِهِ أُمٌّ فِي نَفْسِهَا كَأُمِّ الْأُمِّ، وَالْأُمُّ مُقَدَّمَةٌ عَلَى غَيْرِهَا فِي الْحَضَانَةِ، ثُمَّ أَصْلُ الشَّفَقَةِ بِاعْتِبَارِ الْوِلَادِ وَذَلِكَ لِلْجَدَّاتِ دُونَ الْأَخَوَاتِ وَالْخَالَاتِ فَلِهَذَا كَانَتْ أُمُّ الْأَبِ أَحَقُّ، وَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ، فَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا جَدُّ الْوَلَدِ، فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا أَجْنَبِيًّا، أَوْ كَانَتْ هِيَ مَيِّتَةً فَحَقُّ الْحَضَانَةِ إلَى الْأَخَوَاتِ وَالْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْلَى مِنْ الْأُخْتِ لِأُمٍّ.وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى هُمَا مُسْتَوِيَتَانِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ هَذَا الْحَقِّ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ وَهُمَا سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ وَلَكِنَّا نَقُولُ قَرَابَةُ الْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ مِنْ جِهَتَيْنِ، وَالشَّفَقَةُ بِالْقَرَابَةِ، فَذُو الْقَرَابَتَيْنِ يَكُونُ أَشْفَقَ فَكَانَ بِالْحَضَانَةِ أَحَقَّ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ التَّرْجِيحُ بِمَا لَا يَكُونُ عِلَّةَ الِاسْتِحْقَاقِ.أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَخَ لِأَبٍ وَأُمٍّ مُقَدَّمٌ فِي الْعُصُوبَةِ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ بِسَبَبِ قَرَابَةِ الْأُمِّ، وَقَرَابَةُ الْأُمِّ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِاسْتِحْقَاقِ الْعُصُوبَةِ بِهَا ثُمَّ الْأُخْتُ لِأُمٍّ تُقَدَّمُ عَلَى الْأُخْتِ لِأَبٍ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْحَضَانَةِ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ وَهِيَ تُدْلِي بِقَرَابَةِ الْأُمِّ وَالْأُخْرَى إنَّمَا تُدْلِي بِقَرَابَةِ الْأَبِ، ثُمَّ بَعْدَ الْأُخْتِ لِأُمٍّ قَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ الْأُخْتُ لِأَبٍ أَوْلَى مِنْ الْخَالَةِ وَفِي كِتَابِ الطَّلَاقِ قَالَ: الْخَالَةُ أَوْلَى مِنْ الْأُخْتِ لِأَبٍ فَفِي رِوَايَةِ كِتَابِ النِّكَاحِ اعْتَبَرَ قُرْبَ الْقَرَابَةِ، وَالْأُخْتُ لِأَبٍ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّهَا وَلَدُ الْأَبِ وَالْخَالَةُ وَلَدُ الْجَدِّ وَفِي كِتَابِ الطَّلَاقِ اعْتَبَرَ الْمُدْلِي بِهِ فَقَالَ: الْخَالَةُ تُدْلِي بِالْأُمِّ وَالْأُخْتُ لِأَبٍ تُدْلِي بِالْأَبِ وَالْأُمُّ فِي حَقِّ الْحَضَانَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأَبِ، فَكَذَلِكَ مَنْ يُدْلِي بِقَرَابَةِ الْأُمِّ يَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى مِنْ يُدْلِي بِقَرَابَةِ الْأَبِ، ثُمَّ بَعْدَ الْأَخَوَاتِ بَنَاتُهُنَّ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْأَخَوَاتِ.وَبَنَاتُ الْأَخَوَاتِ فِي الْحَضَانَةِ أَحَقُّ مِنْ بَنَاتِ الْإِخْوَةِ؛ لِأَنَّ الْمُدْلِي بِهِ فِي بَنَاتِ الْإِخْوَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ بِخِلَافِ بَنَاتِ الْأَخَوَاتِ، ثُمَّ بَعْدَهُنَّ الْخَالَةُ لِأَبٍ وَأُمٍّ، ثُمَّ بَعْدَهَا الْخَالَةُ لِأَبٍ.وَالدَّلِيلُ عَلَى ثُبُوتِ حَقِّ الْحَضَانَةِ لِلْخَالَاتِ مَا رُوِيَ «أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَجَعْفَرًا وَزَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ اخْتَصَمُوا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ابْنَةِ حَمْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِنْتُ عَمِّي فَأَنَا أَحَقُّ بِهَا وَقَالَ جَعْفَرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ابْنَةُ عَمِّي وَخَالَتُهَا عِنْدِي وَقَالَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ابْنَةُ أَخِي آخَيْت بَيْنِي وَبَيْنَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَعْفَرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ» فَقَالَ الْخَالَةُ أُمٌّ.وَالتَّرْتِيبُ فِي الْخَالَاتِ عَلَى قِيَاسِ التَّرْتِيبِ فِي الْأَخَوَاتِ وَهُنَّ أَحَقُّ بِالْحَضَانَةِ مِنْ الْعَمَّاتِ؛ لِأَنَّ الْخَالَةَ تُدْلِي بِالْأُمِّ وَالْعَمَّةُ تُدْلِي بِالْأَبِ وَاسْتِحْقَاقُ الْحَضَانَةِ بِقَرَابَةِ الْأُمِّ فَلِهَذَا قُدِّمَتْ الْخَالَةُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْعَمَّةِ، ثُمَّ بَعْدَ الْخَالَاتِ الْعَمَّاتُ فَاَلَّتِي مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ تُقَدَّمُ، ثُمَّ بَعْدَهَا الَّتِي مِنْ الْأُمِّ، ثُمَّ الَّتِي مِنْ الْأَبِ عَلَى قِيَاسِ الْخَالَاتِ وَبِنْتُ الْأَخِ أَوْلَى مِنْ الْعَمَّاتِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تُدْلِي بِمَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْحَضَانَةِ وَلَكِنْ بِنْتُ الْأَخِ أَقْرَبُ وَالْخَالَةُ أَوْلَى مِنْ بِنْتِ الْأَخِ؛ لِأَنَّ الْخَالَةَ تُدْلِي بِمَنْ لَهَا حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ وَهِيَ الْأُمُّ وَابْنَةُ الْأَخِ تُدْلِي بِمَنْ لَيْسَ لَهُ حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ فَلِهَذَا كَانَتْ الْخَالَةُ أَحَقَّ.(قَالَ:) وَلَيْسَ لِمَنْ سِوَى الْأُمِّ وَالْجَدَّتَيْنِ حَقٌّ فِي الْوَلَدِ إذَا أَكَلَ وَشَرِبَ وَلَبِسَ وَحْدَهُ جَارِيَةً كَانَتْ، أَوْ غُلَامًا؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْجَارِيَةِ عِنْدَ الْأُمِّ وَالْجَدَّتَيْنِ لِتَعْلِيمِ أَعْمَالٍ دَاخِلَ الْبَيْتِ وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ بِالِاسْتِخْدَامِ وَلِلْأُمِّ وَالْجَدَّتَيْنِ حَقُّ الِاسْتِخْدَامِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِنَّ مِمَّنْ سَمَّيْنَا حَقُّ الِاسْتِخْدَامِ وَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ تَعْلِيمِ الْأَعْمَالِ إلَّا بِذَلِكَ فَلِهَذَا أُخِذَ مِنْهُنَّ، ثُمَّ بَعْدَمَا اسْتَغْنَى الْغُلَامُ، أَوْ حَاضَتْ الْجَارِيَةُ عِنْدَ الْأُمِّ وَالْجَدَّتَيْنِ، أَوْ اسْتَغْنَتْ عِنْدَ غَيْرِهِنَّ فَالْأَبُ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ، ثُمَّ بَعْدَهُ الْجَدَّاتُ لِأَبٍ، ثُمَّ الْأَخُ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ، ثُمَّ الْأَخُ مِنْ الْأَبِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الضَّمِّ إلَى نَفْسِهِ بَعْدَ هَذَا بِاعْتِبَارِ الْعُصُوبَةِ فَمَنْ يَكُونُ مُقَدَّمًا فِي الْعُصُوبَةِ مِنْ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ أَوْلَى بِذَلِكَ وَقَدْ بَيَّنَّا تَرْتِيبَ الْعَصَبَاتِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَلَا حَقَّ لِابْنِ الْعَمِّ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رَحِمٌ غَيْرُ مَحْرَمٍ فَلَا يُؤْمَنُ مِنْهُ أَنْ يَطْمَعَ فِيهَا فَلِهَذَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَضُمَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ لَهُ بِاعْتِبَارِ الْعُصُوبَةِ.(قَالَ:) وَإِذَا اجْتَمَعَ إخْوَةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَأَفْضَلُهُمْ صَلَاحًا وَوَرَعًا أَحَقُّ بِهِ؛ لِأَنَّ ضَمَّهُ إلَى أَقْرَبِ الْعَصَبَاتِ لِمَنْفَعَةِ الْوَلَدِ؛ وَلِهَذَا قُدِّمَ الْأَقْرَبُ.وَضَمُّهُ إلَى أَبْيَنِهِمْ صَلَاحًا أَنْفَعُ لِلْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ يَتَخَلَّقُ بِأَخْلَاقِهِ فَإِنْ كَانُوا فِي ذَلِكَ سَوَاءً فَأَكْبَرُهُمْ أَحَقُّ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْكِبَرُ الْكِبَرُ» وَلِأَنَّ حَقَّ أَكْبَرِهِمْ أَسْرَعُ ثُبُوتًا فَعِنْدَ التَّعَارُضِ يَتَرَجَّحُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْأَعْمَامُ بَعْدَ الْإِخْوَةِ ثُمَّ الْغُلَامُ إذَا بَلَغَ رَشِيدًا فَلَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالسُّكْنَى وَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَضُمَّهُ إلَى نَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُفْسِدًا مَخُوفًا عَلَيْهِ فَحِينَئِذٍ لَهُ أَنْ يَضُمَّهُ إلَى نَفْسِهِ اعْتِبَارًا لِنَفْسِهِ بِمَالِهِ فَإِنَّهُ بَعْدَ مَا بَلَغَ رَشِيدًا لَا يَبْقَى لِلْأَبِ يَدٌ فِي مَالِهِ فَكَذَلِكَ فِي نَفْسِهِ وَإِذَا بَلَغَ مُبَذِّرًا كَانَ لِلْأَبِ وِلَايَةُ حِفْظِ مَالِهِ، فَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يَضُمَّهُ إلَى نَفْسِهِ إمَّا لِدَفْعِ الْفِتْنَةِ، أَوْ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُعَيَّرُ بِفَسَادِ وَلَدِهِ.فَأَمَّا الْجَارِيَةُ إذَا كَانَتْ بِكْرًا فَلِلْأَبِ أَنْ يَضُمَّهَا إلَى نَفْسِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْتَبِرْ الرِّجَالَ فَتَكُونُ سَرِيعَةَ الِانْخِدَاعِ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ ثَيِّبًا فَلَهَا أَنْ تَنْفَرِدَ بِالسُّكْنَى؛ لِأَنَّهَا قَدْ اخْتَبَرَتْ الرِّجَالَ وَعَرَفَتْ كَيْدَهُمْ وَمَكْرَهُمْ فَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَضُمَّهَا إلَى نَفْسِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ قَدْ زَالَتْ بِالْبُلُوغِ وَإِنَّمَا بَقِيَ حَقُّ الضَّمِّ فِي الْبِكْرِ؛ لِأَنَّهَا عُرْضَةٌ لِلْفِتْنَةِ وَلِلِانْخِدَاعِ وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي حَقِّ الثَّيِّبِ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرٌ» وَقَالَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» يَعْنِي فِي التَّفَرُّدِ بِالسُّكْنَى وَلَكِنَّ هَذَا إذَا كَانَتْ مَأْمُونَةً عَلَى نَفْسِهَا.وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ أَنَّ الثَّيِّبَ إذَا كَانَتْ مَخُوفَةً عَلَى نَفْسِهَا لَا يُوثَقُ بِهَا فَلِلْأَبِ أَنْ يَضُمَّهَا إلَى نَفْسِهِ لِبَقَاءِ الْخَوْفِ.وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ وِلَايَةَ الضَّمِّ فِي الْبِكْرِ لِكَوْنِهَا مَخُوفًا عَلَيْهَا فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الثَّيِّبِ كَانَ لَهُ أَنْ يَضُمَّهَا إلَى نَفْسِهِ وَأَمَّا الْبِكْرُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَبٌ وَلَا جَدٌّ وَكَانَ لَهَا أَخٌ، أَوْ عَمٌّ فَلَهُ أَنْ يَضُمَّهَا إلَيْهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مُشْفِقٌ عَلَيْهَا فَيَقُومُ بِحِفْظِهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَبْلُغُ شَفَقَتُهُ شَفَقَةَ الْأَبِ بِمَنْزِلَةِ وِلَايَةِ التَّزْوِيجِ يَثْبُتُ لِلْعَمِّ وَالْأَخِ بَعْدَ الْأَبِ وَالْجَدِّ، فَإِنْ كَانَ أَخُوهَا، أَوْ عَمُّهَا مُفْسِدًا مَخُوفًا لَمْ يُخَلَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا؛ لِأَنَّ ضَمَّهَا إلَيْهِ لِدَفْعِ الْفِتْنَةِ فَإِذَا كَانَ سَبَبًا لِلْفِتْنَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ ضَمِّهَا إلَيْهِ بَلْ يُجْعَلُ هُوَ كَالْمَعْدُومِ فَتَكُونُ وِلَايَةُ النَّظَرِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي يَنْظُرُ امْرَأَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثِقَةً فَيَضَعُهَا عِنْدَهَا وَكَمَا يَثْبُتُ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ النَّظَرِ فِي مَالِهَا عِنْدَ عَجْزِهَا عَنْ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ نَفْسِهَا، فَإِنْ كَانَتْ الْبِكْرُ قَدْ دَخَلَتْ فِي السِّنِّ فَاجْتَمَعَ لَهَا رَأْيُهَا وَعَقْلُهَا وَأَخُوهَا أَوْ عَمُّهَا مَخُوفٌ عَلَيْهَا فَلَهَا أَنْ تَنْزِلَ حَيْثُ شَاءَتْ فِي مَكَان لَا يُخَافُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الضَّمَّ كَانَ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ بِسَبَبِ الِانْخِدَاعِ وَفَرْطِ الشَّبَقِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ حِينَ دَخَلَتْ فِي السِّنِّ وَاجْتَمَعَ لَهَا رَأْيُهَا وَعَقْلُهَا (قَالَ:) وَأُمُّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا فِي الْوَلَدِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرَّةِ الْمُطَلَّقَةِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ هَذَا الْحَقِّ لِلْأُمِّ بِاعْتِبَارِ شَفَقَتِهَا عَلَى الْوَلَدِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي حَقِّ أُمِّ الْوَلَدِ، بَلْ شَفَقَتُهُنَّ عَلَى أَوْلَادِهِنَّ أَظْهَرُ مِنْ شَفَقَةِ الْحَرَائِرِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ كَانَ سَبَبَ عِتْقِهَا إلَّا أَنَّ قَبْلَ الْعِتْقِ لَيْسَ لَهَا حَقُّ الْحَضَانَةِ لِاشْتِغَالِهَا بِخِدْمَةِ مَوْلَاهَا وَلِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَا عَلَى نَفْسِهَا وَحَقُّ الْحَضَانَةِ نَوْعُ وِلَايَةٍ فَكَمَا لَا يَثْبُتُ سَائِرُ الْوِلَايَاتِ لِلرَّقِيقِ، فَكَذَلِكَ فِي الْحَضَانَةِ وَهَذَا الْمَعْنَى يَزُولُ بِالْعِتْقِ فَكَانَتْ فِي الْحَضَانَةِ بَعْدَ الْعِتْقِ كَالْحُرَّةِ الْأَصْلِيَّةِ (قَالَ:) وَالْأَمَةُ إذَا فَارَقَهَا زَوْجُهَا فَإِنَّ الْوَلَدَ رَقِيقٌ لِمَوْلَى الْأَمَةِ يَأْخُذُهُمْ الْمَوْلَى وَهُوَ أَوْلَى بِهِمْ مِنْ الْأَبِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ تَبَعُ الْأُمِّ فِي الْمِلْكِ وَالْمَمْلُوكُ مَالِكُهُ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا لَمْ يُفَارِقْ أُمَّهُ فَالْمَوْلَى أَوْلَى بِالْوَلَدِ لِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا وَلَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ وَبَيْنَ أُمِّهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدَهَا فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.
|