فصل: تفسير الآية رقم (66):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.تفسير الآية رقم (66):

{قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)}
{رَشَدًا} قرئ: (بفتحتين) و (بضمة وسكون) أي: علما ذا رشد، أرشد به في ديني.
فإن قلت: أما دلت حاجته إلى التعلم من آخر في عهده أنه- كما قيل- موسى بن ميشا، لا موسى بن عمران لأنّ النبي يجب أن يكون أعلم أهل زمانه وإمامهم المرجوع إليه في أبواب الدين؟ قلت: لا غضاضة بالنبي في أخذ العلم من نبيّ مثله: وإنما يغض منه أن يأخذه ممن دونه.
وعن سعيد ابن جبير أنه قال لابن عباس: إن نوفا ابن امرأة كعب يزعم أنّ الخضر ليس بصاحب موسى، وأنّ موسى هو موسى بن ميشا، فقال: كذب عدوّ الله.

.تفسير الآيات (67- 68):

{قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68)}
نفي استطاعة الصبر على وجه التأكيد، كأنهما مما لا يصحّ ولا يستقيم، وعلل ذلك بأنه يتولى أموراً هي في ظاهرها مناكير. والرجل الصالح فكيف إذا كان نبياً لا يتمالك أن يشمئز ويمتعض ويجزع إذا رأى ذلك ويأخذ في الإنكار. و{خُبْراً} تمييز، أي: لم يحط به خبرك أو لأن لم تحط به بمعنى لم تخبره، فنصبه نصب المصدر.

.تفسير الآية رقم (69):

{قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)}
{وَلاَ أَعْصِى} في محل النصب عطفاً على {صَابِراً} أي: ستجدني صابراً وغير عاص. أو لا في محل، عطفاً على ستجدني. رجا موسى عليه السلام لحرصه على العلم وازدياده، أن يستطيع معه صبراً بعد إفصاح الخضر عن حقيقة الأمر، فوعده بالصبر معلقاً بمشيئة الله، علماً منه بشدّة الأمر وصعوبته، وإن الحمية التي تأخذ المصلح عند مشاهدة الفساد شيء لا يطاق، هذا مع علمه أن النبيّ المعصوم الذي أمره الله بالمسافرة إليه واتباعه واقتباسه العلم منه، بريء من أن يباشر ما فيه غميزة في الدين، وأنه لابد لما يستسمج ظاهره من باطن حسن جميل، فكيف إذا لم يعلم.

.تفسير الآية رقم (70):

{قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70)}
قرئ: {فلا تسئلني} بالنون الثقيلة، يعني: فمن شرط اتباعك لي أنك إذا رأيت مني شيئاً- وقد علمت أنه صحيح إلاّ أنه غبي عليك وجه صحته فحميت وأنكرت في نفسك- أن لا تفاتحني بالسؤال، ولا تراجعني فيه، حتى أكون أنا الفاتح عليك. وهذا من آداب المتعلم مع العالم والمتبوع مع التابع.

.تفسير الآيات (71- 72):

{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72)}
{فانطلقا} على ساحل البحر يطلبان السفينة، فلما ركبا قال أهلها: هما من اللصوص، وأمروهما بالخروج، فقال صاحب السفينة: أرى وجوه الأنبياء. وقيل: عرفوا الخضر فحملوهما بغير نول، فلما لججوا أخذ الخضر الفأس فخرق السفينة بأن قلع لوحين من ألواحها مما يلي الماء فجعل موسى يسدّ الخرق بثيابه ويقول: {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا} وقرئ: {لتغرّق} بالتشديد و {ليغرق أهلها} من غرق وأهلها مرفوع {جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} أتيت شيئاً عظيماً، من أَمر الأمر: إذا عظم، قال:
دَاهِيةً دَهْيَاءَ إدًّا إمْراً

.تفسير الآية رقم (73):

{قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73)}
{بِمَا نَسِيتُ} بالذي نسيته، أو بشيء نسيته، أو بنسياني: أراد أنه نسي وصيته ولا مؤاخذة على الناسي. أو أخرج الكلام في معرض النهي عن المؤاخذة بالنسيان يوهمه أنه قد نسي ليبسط عذره في الإنكار وهو من معاريض الكلام التي يتقي بها الكذب، مع التوصل إلى الغرض، كقول إبراهيم: هذه أختي، وإني سقيم. أو أراد بالنسيان: الترك، أي: لا تؤاخذني بما تركت من وصيتك أول مرّة. يقال: رهقه إذا غشيه، وأرهقه إياه. أي: ولا تغشني {عُسْراً} من أمري، وهو اتباعه إياه، يعني: ولا تعسر عليَّ متابعتك، ويسرها عليّ بالإغضاء وترك المناقشة. وقرئ: (عُسُراً)، بضمتين.

.تفسير الآيات (74- 75):

{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75)}
{فَقَتَلَهُ} قيل: كان قتله فتل عنقه. وقيل: ضرب برأسه الحائط، وعن سعيد بن جبير: أضجعه ثم ذبحه بالسكين.
فإن قلت: لم قيل {حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السفينة خَرَقَهَا} بغير فاء و{حتى إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا فَقَتَلَهُ} قلت: جعل خرقها جزاء للشرط، وجعل قتله من جملة الشرط معطوفاً عليه، والجزاء {قَالَ أَقَتَلْتَ}.
فإن قلت: فلم خولف بينهما؟ قلت: لأن خرق السفينة لم يتعقب الركوب، وقد تعقّب القتل لقاء الغلام. وقرئ: {زاكية} و {زكية}، وهي الطاهرة من الذنوب، إما لأنها ظاهرة عنده لأنه لم يرها قد أذنبت، وإما لأنها صغيرة لم تبلغ الحنث {بِغَيْرِ نَفْسٍ} يعني لم تقتل نفساً فيقتص منها.
وعن ابن عباس: أن نجدة الحروري كتب إليه: كيف جاز قتله، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الولدان؟ فكتب إليه: إن علمت من حال الولدان ما علمه عالم موسى فلك أن تقتل {نُّكْراً}. وقرئ: (بضمتين) وهو المنكر وقيل النكر أقل من الإمر؛ لأن قتل نفس واحدة أهون من إغراق أهل السفينة. وقيل: معناه جئت شيئاً أنكر من الأوّل، لأن ذلك كان خرقاً يمكن تداركه بالسدّ، وهذا لا سبيل إلى تداركه.
فإن قلت: ما معنى زيادة {لَكَ}؟ قلت: زيادة المكافحة بالعتاب على رفض الوصية، والوسم بقلة الصبر عند الكرة الثانية.

.تفسير الآية رقم (76):

{قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76)}
{بَعْدَهَا} بعد هذه الكرة أو المسألة {فَلاَ تُصَاحِبْنِى} فلا تقاربني، وإن طلبت صحبتك فلا تتابعني على ذلك. وقرئ: {فلا تصحبني} فلا تكن صاحبي. وقرئ: {فلا تصحبني} أي فلا تصحبني إياك ولا تجعلني صاحبك {مِن لَّدُنّى عُذْراً} قد أعذرت. وقرئ: {لدني}، بتخفيف النون {ولدْنِي} بسكون الدال وكسر النون، كقولهم في عضد: عضد.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رحم الله أخي موسى استحيا فقال ذلك»، وقال: «رحمة الله علينا وعلى أخي موسى، لو لبث مع صاحبه لأبصر أعجب الأعاجيب».

.تفسير الآية رقم (77):

{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77)}
{أَهْلَ قََرْيَةٍ} هي إنطاكية. وقيل: الأبلة، وهي أبعد أرض الله من السماء {أَن يُضَيّفُوهُمَا}. وقرئ: {يضيفوهما} يقال: ضافه إذا كان له ضيفاً. وحقيقته: مال إليه، من ضاف السهم عن الغرض، ونظيره: زاره من الازورار. وأضافه وضيفه: أنزله وجعله ضيفه وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «كانوا أهل قرية لئاماً» وقيل: شر القرى التي لا يضاف الضيف فيها ولا يعرف لابن السبيل حقه {يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ} استعيرت الإرادة للمداناة والمشارفة، كما استعير الهمّ والعزم لذلك. قال الراعي:
فِي مَهْمَهٍ قَلِقَتْ بِهِ هَامَاتُهَا ** قَلَقَ الْفُئُوسِ إذَا أَرَدْنَ نُصُولاَ

وقال:
يُرِيدُ الرُّمْحُ صَدْرَ أَبِي بَرَاء ** وَيَعْدِلُ عَنْ دِمَارِ بَنِي عَقِيلٍ

وقال حسان:
إنَّ دَهْراً يَلِفُّ شَمْلِي بِجُمْلٍ ** لَزَمَانٌ يَهُمُّ بِالإحْسَانِ

وسمعت من يقول: عزم السراج أن يطفأ، وطلب أن يطفأ. وإذا كان القول والنطق والشكاية والصدق والكذب والسكوت والتمرد والإباء والعزة والطواعية وغير ذلك مستعار للجماد ولما لا يعقل، فما بال الإرادة؟ قال:
إذَا قَالَتِ الأَنْسَاعُ لِلْبَطْنِ الْحَقِ

تَقُولُ سِنِّي لِلنَّوَاةِ طِنِّي

لاَ يَنْطقُ اللَّهْوُ حَتَّى يَنْطِقَ العُودُ

وَشَكا إلَيَّ بَعْبرَةٍ وَتَحَمْحُمِ

فَإنْ يَكُ ظَنِّي صَادِقاً وَهْوَ صَادِقِي

{وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الغضب} [الأعراف: 154]:
تَمَرَّدَ مَارِدٌ وَعَزَّ الأَبْلَقُ

ولبعضهم:
يَأْبَى عَلَى أَجْفَانِهِ إغْفَاءَه ** هَمٌّ إذَا انْقَادِ الْهُمُومُ تَمَرَّدَا

أَبَتِ الرَّوَادِفُ وَالثُّدِيُّ لِقُمْصِهَا ** مَسَّ الْبُطُونِ وَأَنْ تَمَسَّ ظُهُورَا

{قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11] ولقد بلغني أن بعض المحرفين لكلام الله تعالى ممن لا يعلم، كان يجعل الضمير للخضر؛ لأنّ ما كان فيه من آفة الجهل وسقم الفهم، أراه أعلى الكلام طبقة أدناه منزلة، فتمحل ليردّه إلى ما هو عنده أصحّ وأفصح، وعنده أن ما كان أبعد من المجاز كان أدخل في الإعجاز. وانقض: إذا أسرع سقوطه، من انقضاض الطائر وهو انفعل، مطاوع قضضته. وقيل: افعلّ من النقض، كاحمرّ من الحمرة. وقرئ: {أن ينقض} من النقض، {وأن ينقاص} من انقاصت السن إذا انشقت طولاً، قال ذو الرمّة:
......... مِنْقَاصٌ وَمُنْكَثِبُ

بالصاد غير معجمة {فَأَقَامَهُ} قيل: أقامه بيده. وقيل: مسحه بيده فقام واستوى. وقيل: أقامه بعمود عمده به. وقيل: نقضه وبناه. وقيل: كان طول الجدار في السماء مائة ذراع، كانت الحال حال اضطرار وافتقار إلى المطعم، ولقد لزتهما الحاجة إلى آخر كسب المرء وهو المسألة، فلم يجدا مواسياً، فلما أقام الجدار لم يتمالك موسى لما رأى من الحرمان ومساس الحاجة أن {قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} وطلبت على عملك جعلاً حتى ننتعش ونستدفع به الضرورة وقرئ: {لتخذت}، والتاء في تخذ، أصل كما في تبع، واتخذ افتعل منه، كاتبع من تبع، وليس من الأخذ في شيء.

.تفسير الآية رقم (78):

{قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78)}
فإن قلت: {هذا} إشارة إلى ماذا؟ قلت: قد تصوّر فراق بينهما عند حلول ميعاده على ما قال موسى عليه السلام: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني، فأشار إليه وجعله مبتدأ وأخبر عنه، كما تقول: هذا أخوك، فلا يكون (هذا) إشارة إلى غير الأخ، ويجوز أن يكون إشارة إلى السؤال الثالث، أي: هذا الاعتراض سبب الفراق، والأصل: هذا فراق بيني وبينك. وقد قرأ به ابن أبي عبلة، فأضيف المصدر إلى الظرف كما يضاف إلى المفعول به.

.تفسير الآية رقم (79):

{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79)}
{لمساكين} قيل كانت لعشرة إخوة، خمسة منهم زمنى، وخمسة يعملون في البحر {وَرَاءهُم} أمامهم، كقوله تعالى: {مّن وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ} [المؤمنون: 100] وقيل: خلفهم، وكان طريقهم في رجوعهم عليه وما كان عندهم خبره، فأعلم الله به الخضر وهو (جلندي).
فإن قلت: قوله: {فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا} مسبب عن خوف الغصب عليها فكان حقه أن يتأخر عن السبب، فلم قدّم عليه؟ قلت: النية به التأخير، وإنما قدم للعناية، ولأن خوف الغصب ليس هو السبب وحده، ولكن مع كونها للمساكين، فكان بمنزلة قولك: زيد ظني مقيم.
وقيل في قراءة أبيّ وعبد الله: كل سفينة صالحة.

.تفسير الآيات (80- 82):

{وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)}
وقرأ الجحدري: {وكان أبواه مؤمنان} على أن (كان) فيه ضمير الشأن {فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طغيانا وَكُفْراً} فخفنا أن يغشى الوالدين المؤمنين طغياناً عليهما، وكفراً لنعمتهما بعقوقه وسوء صنيعه، ويلحق بهما شراً وبلاء، أو يقرن بإيمانهما طغيانه وكفره، فيجتمع في بيت واحد مؤمنان وطاغ كافر. أو يعديهما بدائه ويضلهما بضلاله فيرتدّا بسببه ويطغيا ويكفرا بعد الإيمان وإنما خشي الخضر منه ذلك؛ لأن الله تعالى أعلمه بحاله وأطلعه على سرّ أمره. وأمره إياه بقتله كاخترامه لمفسدة عرفها في حياته. وفي قراءة أبيّ: {فخاف ربك} والمعنى: فكره ربك كراهة من خاف سوء عاقبة الأمر فغيره. ويجوز أن يكون قوله {فَخَشِينَا} حكاية لقول الله تعالى، بمعنى: فكرهنا، كقوله {لأهَبَ لَكِ} [مريم: 19]. وقرئ: {يبدّلهما} بالتشديد. والزكاة: الطهارة والنقاء من الذنوب. والرحم: الرحمة والعطف.
وروي أنه ولدت لهما جارية نزوّجها نبيّ، فولدت نبياً هدى الله على يديه أمّة من الأمم.
وقيل ولدت سبعين نبياً. وقيل: أبدلهما ابناً مؤمناً مثلهما. قيل اسما الغلامين: أصرم، وصريم. والغلام المقتول: اسمه الحسين. واختلف في الكنز، فقيل: مال مدفون من ذهب وفضة. وقيل: لوح من ذهب مكتوب فيه: (عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن، وعجبت لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب، وعجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح، وعجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل. وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها. لا إله إلاّ الله محمد رسول الله). وقيل: صحف فيها علم. والظاهر لإطلاقه: أنه مال.
وعن قتادة: أحل الكنز لمن قبلنا وحرّم علينا، وحرّمت الغنيمة عليهم وأحّلت لنا: أراد قوله تعالى: {والذين يَكْنِزُونَ الذهب والفضة} [التوبة: 34]. {وَكَانَ أَبُوهُمَا صالحا} اعتداد بصلاح أبيهما وحفظ لحقه فيهما.
وعن جعفر بن محمد الصادق: كان بين الغلامين وبين الأب الذي حفظا فيه سبعة آباء.
وعن الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما أنه قال لبعض الخوارج في كلام جرى بينهما: بم حفظ الله الغلامين؟ قال: بصلاح أبيهما. قال: فأبي وجدّي خير منه. فقال: قد أنبأنا الله أنكم قوم خصمون {رَحْمَةً} مفعول له. أو مصدر منصوب بأراد ربك، لأنه في معنى رحمهما {وَمَا فَعَلْتُهُ} وما فعلت ما رأيت {عَنْ أَمْرِى} عن اجتهادي ورأيي، وإنما فعلته بأمر الله.