الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال الشعراوي: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ}ثم يعود سبحانه وتعالى إلى الأحكام التكليفية، وعادة تكون الأحكام التكليفية من الله كلها على الذكورة، وليس فيها على الأنوثة إلا عدد قليل من الآيات مثل قوله تعالى: {يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عسى أَن يَكُونُواْ خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عسى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ...} [الحجرات: 11].وقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى...} [النحل: 97].أما باقي الأحكام فتنصبُّ على الذكورة، وتدخل الإناث في الأحكام لأن الأنوثة مبنية على السِّتْر في الذكورة. ولكنه لابد هنا من ذكر المنافقين والمنافقات على كل حدة؛ لأن للرجال مجالس، وللنساء مجالس، ولكل منهما أفعال وأقوال تختلف عن الآخرين.. ولذلك كان لابد من النص على المنافقات.وقول الحق سبحانه: {بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ} أي: لا يتميز أحد من المنافقين والمنافقات عن الآخر في الخسة والقبح والفضائح، ويحدد الاله خصالهم في قوله تعالى: {يَأْمُرُونَ بالمنكر وَيَنْهَوْنَ عَنِ المعروف وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ} فهم إن فعل الناس معروفًا ينهونهم عنه، بل إنهم يشجعونهم على فعل المنكر، وهم لا ينفقون في سبيل الله إذا طُلِبَ منهم الإنفاق.ثم يقول الحق سبحانه: {نَسُواْ الله فَنَسِيَهُمْ} وهل يُنْسَى الحق سبحانه وتعالى بالفطرة؟ لا، ولكن المقصود أنهم نسوا مطلوبات الله وتكاليفه فنساهم الله أي أهملهم، فمن يبعد عن الله يزده الله بُعْدًا، مصداقًا لقوله تعالى: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ الله مَرَضًا...} [البقرة: 10].فإن كنت مسرورًا من أنك نسيت الله فسيزيدك نسيانًا، ويختم على قلبك فلا يخرج منه الكفر أبدًا.ثم يعطي الحق سبحانه الحكم: {إِنَّ المنافقين هُمُ الْفَاسِقُونَ} وكلمة منافق- كما نعرف- مأخوذة من نفقاء اليربوع، وهو حيوان يشبه الفأر ويسكن في الصحراء ويحفر لنفسه نفقًا في الأرض؛ له بابان، وإنْ ترصَّد له الصائد عند أحدهما خرج من الثاني، وهكذا ترى أن المنافق له وجهان. والفسوق معناه الخروج عن منهج الطاعة؛ وهو مأخوذ من فسق الرطب أي: انفصلت القشرة عن الثمرة. والقشرة- كما نعلم- مخلوقة لصيانة الثمرة؛ فإذا فسقت عنها تلفت الثمرة. والإنسان إذا فسق خرج عن طاعة الله. اهـ..من لطائف وفوائد المفسرين: من لطائف القشيري في الآية:قال عليه الرحمة:قوله جلّ ذكره: {المُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المَعْرُوفِ}.المؤمِنُ بالمؤمِن يَتَقَوَّى، والمنافقُ بالمنافق يتعاضد، وطيور السماء على أُلاَّفِها تَقَعُ. فالمنافِقُ لصاحبه أسٌّ به قوامه، وأصلٌ به قيامه؛ يُعِينُه على فساده، ويُعَمِّي عليه طريقَ رشادِه.والمؤمِنُ ينصر المؤمنَ ويُبَصِّره عيوبَه، ويُبغضُ لديه ويُقَبِّحُ- في عينيه- ذنوبَه، وهو على السدادِ يُنْجِدُه، وعن الفسادِ يُبْعِده.قوله جلّ ذكره: {وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ}.عن طلب الحوائج من الله تعالى.قوله جلّ ذكره: {نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ}.جازاهم على نسيانهم، فسمَّى جزاءَ النسيانِ نسيانًا. تركوا طاعتَه، وآثروا مُخالَفَته، فَتَرَكَهُم وما اختاره لأنفسهم، قال تعالى: {وَتَرَكَهُمْ في ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ} [البقرة: 17]. اهـ..تفسير الآية رقم (68): قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)}.مناسبة الآية لما قبلها: .قال البقاعي: ولما بين كثيرًا من أحوالهم فاشتد التشوف إلى مآلهم وكان مقصودها بإظهار الإيمان والاعتذار عن النقائض بتأكيد الأيمان إنما هو التقرب إلى المؤمنين والتحبب طمعًا في العيش في أكنافهم وفرقًا من المعاجلة بما يستحقون من إتلافهم، بين أن لهم على هذا الخداع العذاب الدائم والطرد اللازم، وجمع معهم المصارحين بالكفر إعلامًا بأنهم إن لم يكونوا أعظم عنادًا منهم فهم سواء، فقال: {وعد الله} وساقه بصيغة البشارة تهكمًا بهم وإبلاغًا في مساءتهم {المنافقين والمنافقات} أي المساترين باعتقادهم {والكفار} أي المجاهرين في عنادهم.ولما كانوا مجبولين على تجهم المؤمنين والانقباض عنهم، وإن أظهروا خلاف ذلك فهو تصنع، قال: {نار جهنم} أي النار التي من شأنها تجهم أهلها ولقاؤهم بالعبوسة الزائدة {خالدين فيها} أي لا براح لهم عنها {هي حسبهم} أي كافيتهم في العذاب، لكن لما كان الخلود قد يتجوز به عن الزمن الطويل فيكون بعده فرج، قال: {ولعنهم الله} أي طردهم وأبعدهم من رحمته وهو الملك العليم الحكيم الذي لا أمر لأحد معه فأفهم أنه لا فرج لهم، ثم نفي كل احتمال بقوله: {ولهم} أي بالأمرين {عذاب مقيم} أي لا وصف له غير الإقامة في الدنيا بما هم مقهورون به من سطوة الإسلام وجنوده الكرام الأعلام، وفي الآخرة بما لا يعلمه حق علمه إلا الله الملك العلام. اهـ..قال الفخر: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)}اعلم أنه تعالى لما بين من قبل في المنافقين والمنافقات أنه نسبهم، أي جازاهم على تركهم التمسك بطاعة الله أكد هذا الوعيد وضم المنافقين إلى الكفار فيه، فقال: {وَعَدَ اللهُ المنافقين والمنافقات والكفار نَارَ جَهَنَّمَ خالدين فِيهَا} ولا شك أن النار المخلدة من أعظم العقوبات.ثم قال: {هِىَ حَسْبُهُمْ} والمعنى: أن تلك العقوبة كافية لهم ولا شيء أبلغ منها، ولا يمكن الزيادة عليها.ثم قال: {وَلَعَنَهُمُ الله} أي ألحق بتلك العقوبة الشديدة الإهانة والذم واللعن.ثم قال: {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} ولقائل أن يقول: معنى كون العذاب مقيمًا وكونه خالدًا واحد، فكان هذا تكرارًا؟والجواب: ليس ذلك تكريرًا، وبيان الفرق من وجوه: الأول: أن لهم نوعًا آخر من العذاب المقيم الدائم سوى العذاب بالنار والخلود المذكور أولًا، ولا يدل على أن العذاب بالنار دائم.وقوله: {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} يدل على أن لهم مع ذلك نوعًا آخر من العذاب.ولقائل أن يقول: هذا التأويل مشكل لأنه قال في النار المخلدة: {هِىَ حَسْبُهُمْ} وكونها حسبًا بمنع من ضم شيء آخر إليه.وجوابه: أنها حسبهم في الإيلام والإيجاع، ومع ذلك فيضم إليه نوع آخر زيادة في تعذيبهم.والثاني: أن المراد بقوله: {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} العذاب العاجل الذي لا ينفكون عنه، وهو ما يقاسونه من تعب النفاق والخوف من اطلاع الرسول على بواطنهم، وما يحذرونه أبدًا من أنواع الفضائح. اهـ..من أقوال المفسرين: .قال السمرقندي: {وَعَدَ الله المنافقين}الوعد يكون بالخير، ويكون بالشر إذا قيد به، والوعيد لا يكون إلاّ بالشر؛ فقال: {وَعَدَ الله المنافقين والمنافقات}، يعني: المنافقين الذين كانوا بالمدينة ومن كان على مذهبهم ويكون إلى يوم القيامة؛ {والكفار}؛ وهم أهل مكة ومن كان بمثل حالهم.{نَارَ جَهَنَّمَ خالدين فِيهَا هي حَسْبُهُمْ}، يعني: تكفيهم النار جزاءً لكفرهم، {وَلَعَنَهُمُ الله}؛ يعني: طردهم الله من رحمته.{وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ}، يعني: دائم. اهـ..قال ابن عطية: قوله: {وعد الله المنافقين} الآية.لما قيد الوعد بالتصريح بالشر صح ذلك وحسن وإن كانت آية وعيد محض، و{الكفار} في هذه الآية المعلنون، وقوله: {هي حسبهم} أي كافيتهم وكافية جرمهم وكفرهم نكالًا وجزاء، فلو تمنى أحد لهم عذابًا لكان ذلك عنده حسبًا لهم، {ولعنهم الله} معناه أبعدهم عن رحمته، {عذاب مقيم} معناه مؤبد لا نقلة له. اهـ..قال القرطبي: قوله تعالى: {وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ}يُقال: وعد الله بالخير وَعَدًْا.ووعد بالشر وعِيدًا.{خَالِدِينَ} نصب على الحال والعامل محذوف؛ أي يصلَوْنها خالدين.{هِيَ حَسْبُهُمْ} ابتداء وخبر، أي هي كفاية ووفاء لجزاء أعمالهم.واللّعن: البعد، أي من رحمة الله: وقد تقدّم.{وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} أي واصب دائم. اهـ..قال الخازن: {وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار}يقال: وعده بالخير وعدًا، ووعده بالشر وعيدًا.فالوعد يكون في الخير والشر {نار جهنم خالدين فيها} فيه حذف تقديره يصلونها خالدين يعني مقيمين فيها {هي حسبهم} يعني هي كافيتهم جزاء على كفرهم ونفاقهم وتركهم الإيمان والطاعة {ولعنهم الله} يعني وأبعدهم من رحمته وطردهم عن بابه {ولهم عذاب مقيم} أي دائم لا ينقطع.فإن قلت قوله خالدين فيها بمعنى ولهم عذاب مقيم وهذا تكرار فما معناه؟ قلت ليس ذلك تكرارًا.وبيان الفرق من وجهين الأول أن معناه ولهم نوع آخر من العذاب المقيم سوى الصلي بالنار.ولقائل أن يقول: هذا التأويل مشكل لأنه سبحانه وتعالى قال في النار: {هي حسبهم} وذلك يمنع من ضم شيء آخر إلى عذاب النار.وأجيب عن هذا الإشكال بأن قوله هي حسبهم في الإيلام ولا يمتنع أن لا يحصل نوع آخر من العذاب من غير جنس النار كالزمهرير ونحوه ويكون ذلك زيادة في عذابهم.الوجه الثاني: أن العذاب المقيم هو العذاب المعجل لهم في الدنيا وهو ما يقاسونه من خوف اطلاع المسلمين عليهم وما هم فيه من النفاق وكشف فضائحهم وهذا هو العذاب المقيم. اهـ.
|