الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الإمام في بيان أدلة الأحكام
وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إِلَى ذَمِّ الْفَاعِلِ فَلَهُ أَمْثِلَةٌ: الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {ولاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً} [النَّحْل: 92] شَبَّهَ نَاقِضَ الْعَهْدِ فِي الْحُمْقِ بِنَاقِضَةِ الْغَزْلِ تَنْفِيْرًا مِّنْ نَقْضِ الْعَهْدِ. الثَّانِيْ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَّاَ يَعْقِلُونَ} [الْأَنْفَال: 22] جَعَلَهُم مِّنْ جُمْلَةِ الدَّوَابِّ مُبَالَغَةً فِي الذَّمِّ تَنْفِيْرًا عَنِ التَّعَامِيْ عَنِ الْحَقِّ وَتَرْكِ النُّطْقِ بِهِ. الثَّالِثُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {ومَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَّاَ يَسْمَعُ إِلَّاَّ دُعَاء ونِدَاء} [الْبَقَرَة: 171]. وَفِيْهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أُنْه شَبَّهَ دُعَاءَهُمُ الْأَصْنَامَ بِالنَّاعِقِ بِمَا لَا يَسْمَعُ إلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً وَفِيْهِ زَجْرٌ عَنْ دُعَاءِ الْأَصْنَامِ. والقول الثَّانِيْ: فِيْهِ حَذْفٌ تَقْدِيْرُهُ: وَمَثَلُ دَاعِي الَّذِيْنَ كَفَرُوْا إِلَى الْإِيْمَانِ كَمَثَلِ النَّاعِقِ فَيَكُوْنُ تَشْبِيْهًا لَهُمْ بِالْبَهَائِمِ فِيْ عَدَمِ الْفَهْمِ ولَا يَخْفَى مَا فِيْهِ مِنَ الزَّجْرِ. وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إِلَى مَا مَدَحَ الْفَاعِلَ وَذَمَّهُ فَلَهُ أَمْثِلَةٌ: الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى والأَصَمِّ والْبَصِيرِ والسَّمِيعِ} [هُود: 24]. فِيْه ذَمٌّ لِمَنْ تَعَامَى عَنِ الَحَقِّ وَلَمْ يُصْغِ إِلَيْهِ وَمَدْحٌ لِمَنِ اسْتَمَعَ لِلْحَقِّ وَعَرَفَهُ فَيَتَضَمَّنُ الْحَثَّ وَالْمَنْعَ. الثَّانِيْ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النُّحْل: 75] الْآيَةَ. شَبَّهَ تَعَذُّرَ الْإِيْمَانِ وَالصَّلَاحِ عَلَى الْكَافِرِ بِتَعَذُّرِ النَّفَقَةِ عَلَى الْعَبْدِ الْعَاجِزِ وَشَبَّهَ تَيَسُّرَ الْإِيْمَانِ عَلَى المُؤْمِنِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى الطَّاعَةِ بِالْغَنِيِّ الْبَاذِلِ لِمَا فِيْ يَدَيْهِ سِرًّا وَجَهْرًا. وَقِيْلَ: إِنَّ اللَه عَزَّ وَجَلَّ ضَرَبَ الْعَبْدَ الْعَاجِزَ مَثَلًا لِلصَّنَمِ وَضَرَب الْغَنِيَّ الْبَاذِلَ الْكَائِنَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيْمٍ لِنَفْسِهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى تَزْهِيْدًا فِيْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَتَرْغِيْبًا فِيْ عِبَادَتِهِ. الثَّالِثُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمَاً لِّرَجُلٍ} [الزُّمَر: 29] شَبَّهَ الْمُشْرِكَ فِي سُوْءِ حَالِهِ بِالْعَبْدِ الْمُشْتَرِكِ بَيْنَ الْمُتَشَاكِسِيْنَ وَشَبَّهَ المُؤْمِنَ فِيْ حُسْنِ حَالِهِ بِالرَّجُلِ السَّالِمِ تَرْغِيْبًا فِيْ عِبَادَتِه وَزَجْرًا عَنْ عِبَادَةِ غَيْرِهِ وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إِلَى الْوَعِيْدِ فَلَهُ مِثَالَانِ: الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الْحَجّ: 31] شَبَّهَ الْكَافِرَ فِيْ هَلَاكِهِ الَّذِيْ لَا يَتَدَارَكُ بِهَلَاكِ الْخَارِّ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُوْرِ تَنْفِيْرًا مِنَ الشِّرْكِ. الثَّانِيْ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ} [الْبَقَرَة: 17] وَفِيْهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ نَزَلَ فِي الْمُنَافِقِيْنَ شَبَّهَ أسْمَاعَهُمْ بِمَا أَظْهَرُوْهُ مِنَ الْإِيْمَانِ بِانْتِفَاعِ الْمُسْتَوْقِدِ بِالنَّارِ وَشَبَّه انْتِهَاءَ أَمْرِهِمْ إِلَى عَذَابِ الآخِرَةِ وَشَدَائِدِهَا بِانْطِفَاءِ النَّارِ وَبَقَاءِ مُسْتَوْقِدِهَا فِي الظُّلُمَاتِ. فَكَذَلِكَ حُصُوْلُ الْمُنَافِقِيْنَ فِي الْخَوْفِ بَعْدَ الْأَمْنِ وَفِي الشَّدَائِدِ بَعْدَ الرَّخَاءِ إِذْ يُعَبَّرُ بِالظُّلُمَاتِ عَنِ الشَّدَائِدِ قَالَ اللُه تَعَالَى: {قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ والْبَحْرِ} [الأَنعام: 63] وَفِيْ ذَلِكَ زَجْرٌ عَنِ النِّفَاقِ. والثَّانِيْ: نَزَلَ فِي مُنَافِقِي الْيَهُوْدِ وَكَانُوْا يَسْتَفْتِحُوْنَ عَلَى الْكُفَّارِ بِرَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَيُؤْمِنُوْنَ بِه فَلَمَّا بُعِثَ كَفَرُوْا بِهِ فَشَبَّهَ إِيمَانَهُمْ بِهِ وَاسْتِفْتَاحَهُمْ بِاسْتِيْقَادِ النَّارِ وَشَبَّهَ كُفْرَهُمْ بِانْطِفَاءِ النَّارِ وَالحُصُوْلِ فِي الظُّلُمَاتِ مَدْحًا لِلْإِيْمَانِ وَذَمًّا لِلْكُفْرَانِ. وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إِلَى العَذَابِ الْعَاجِلِ فَقَوْلُهُ: {وضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ والْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} [النُّحْل: 112]. وَذَلِكَ تَهْدِيْدٌ بِالْعَذَابِ الْعَاجِلِ يَتَضَمَّنُ الزَّجْرَ عَنِ الْكُفْرِ بِأَنْعُمِ اللِه وَعَنْ تَكْذِيْبِ رُسُلِهِ. وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إِلَى تَسْفِيْهِ الْفَاعِلِ وَذَمِّهِ بِسَخَافَةِ الْعَقْلِ فَلَهُ مِثَالَانِ: الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللُهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} [الْحَج: 73] الْآيَةُ وَهَذَا الْمَثَلُ يَتَضَمَّنُ تَسْفِيْهَ عَقْلِ مَنْ عَبَدَ صَنَمَ الَّذِيْ لَا يَقْدِرُ عَلَى جَلْبِ نَفْعٍ وَلَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ ضُرًّا. الثَّانِيْ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللُهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً} [العَنكبوت: 41] شَبَّهَ الِاعْتِمَادَ عَلَى شَفَاعَةِ الْأَصْنَامِ وَتَقْرِيْبِهَا إِلَى اللهِ زُلْفَى بِاعْتِمَادِ الْعَنْكَبُوْتِ عَلَى بَيْتِهَا أَنْ يَدْفَعَ عَنْهَا وَهُوَ أَوْهَنُ الْبُيُوْتِ فَكَذَلِكَ الْأَصْنَامُ أَوْهَنُ مُعْتَمَدٍ عَلَيْهِ وَلَقَدْ سَفِهَ مَنِ اعْتَمَدَ فِيْ عَظَائِمِ الْأُمُوْرِ عَلَى أَوْهَنِ الْأَشْيَاءِ وَأَبْعَدِهَا فِي الْغِنَاءِ عَنْهُ. وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إِلَى التَّزْهِيْدِ بِتَحْقِيْر الْمُزْهَدِ فِيْهِ فَكَقَوْلِهِ: {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ} [الْكَهْف: 45]. وَقَوْلِهِ: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ} [يُونُس: 24] شَبَّهَ سُرْعَةَ زَوَالِهَا مَعَ الِاعْتِمَادِ عَلَيْهَا وَالِاغْتِرَارِ بِهَا بِسُرْعَةِ فَسَادِ زَرْعٍ ظَنَّ أَهْلُهُ أَنَّهُمْ قَادِرُوْنَ عَلَيْهِ فَطَرَقَتْهُ جَائِحَةٌ جَعَلَتْهُ هَشِيْمًا تَذْرُوْهُ الرِّيَاحُ كُلُّ ذَلِكَ تَزْهِيْدٌ فِي الِاعْتِمَادِ عَلَى الْحَيَاةِ السَّرِيْعَةِ الزَّوَالِ وَتَرْغِيْبٌ فِيْ تَرْكِ السَّعْيِ لَهَا فَإِنَّ التَّحْقِيْرَ لِلشَّيْءِ فِيْ سِيَاقِ الْوَعْظِ وَالنُّصْحِ يَتَضَمَّنُ التَّزْهِيْدَ فِيْهِ بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إِلَى مَدْحِ الْفِعْلِ وذَمِّهِ فهُوَ كَتَشْبِيْهِ الْمَعْرِفَةِ بِالنُّوْرِ وَالْحَيَاةِ وَتَشْبِيْهِ الْجَهْلِ بِالظُّلْمَةِ وَالْمَوْتِ وَكَتَشْبِيْهِ الَحَقِّ النَّافِعِ بِالمْاَءِ النَّافِعِ وَبِالْحُلِيِّ وَالْأَمْتِعَةِ النَّافِعةِ وَتَشْبِيْهِ الْبَاطِلِ بِالزَّبَدِ الذَّاهِبِ جُفَاءً مَدْحًا لِأَحَدِهِمَا وَذَمًّا لِلْآخِرِ: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} [الأَنعام: 122] أَيْ كَافِرًا فَهَدَيْنَاهُ. {كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ} [الأَنعام: 122] أَيْ ظُلُمَاتِ الْجَهْلِ وَكَذَلِكَ ضَرَبَ نُوْرَ الْمِشْكَاةِ مَثَلًا لِنُوْرِهِ فِيْ قَلْبِ المُؤْمِنِ فَالْمِشْكَاةُ كَصَدْرِ المُؤْمِنِ وَالزُّجَاجَةُ كَقَلْبِهِ وَالْمِصْبَاحُ كَالْمَعْرِفَةِ وَالزَّيْتُ كَفِطْنَةِ المُؤْمِنِ الَّتِيْ تَكَادُ تُدْرِكُ الصَّوَابَ مِنْ غَيْرِ تَوْقِيْفٍ وَلَا كِتَابٍ. وَكَذَلِكَ مَثَلُ الْقُرْآنِ الَّذِيْ هُوَ بِمَعْنَى الْقِرَاءَةِ بِمَا أَنْزَلَهُ مِنَ السَّمَاءِ فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدْرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زُبَدًا رَّابِيًا ثُمَّ انْدَفَعَ الزَّبَدُ وَبَقِيَ المَاءُ النَّافِعُ. شَبَّهَ الْقُرْآنَ بِالمْاَءِ النَّافِعِ لِأَنَّهُ حَيَاةٌ لِلْقُلُوْبِ كَمَا أَنَّ الْمَاءَ حَيَاةٌ لِلنَّبَاتِ وَشَبَّهَ الْقُلُوْبَ بِالْأَوْدِيَةِ إِذَا أَخَذَ كُلُّ قَلْبٍ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ مَا كُتِبَ لَهُ كَمَا أَخَذَ كُلُّ وَادٍ مِنَ الْمَاءِ بِقَدْرِ مَا كُتِبَ لَهُ. ثُمُّ شَبَّهَ ارْتِفَاعَ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى كَلِمَةِ الْإِيْمَانِ وَالْقُرْآنِ بِارْتِفَاعِ الزَّبَدِ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ شَبَّهَ زُهُوْقَ الْبَاطِلِ وَذَهَابَ الْكُفْرِ بِذَهَابِ الزَّبَدِ جُفَاءً وَشَبَّهَ بَقَاءَ الْمَعْرِفَةِ وَالْقُرْآنِ بِبَقَاءِ الْمَاءِ النَّافِعِ مَدْحًا لِلْمَعْرِفَةِ وَالْقُرْآنِ وَذَمًّا لِلْجَهْلِ وَالْكُفْرَانِ وَكَذَلِكَ شَبَّهَ ذَهَابَ الْكُفْرِ وَزَوَالَهُ بِذَهَابِ زَبَدِ الْجَوَاهِرِ إِذَا أُحْمِيَتْ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ مِنَ الْأَمْتِعَةِ. وَشَبَّهَ بَقَاءَ الْقُرْآنِ بِبَقَاءِ الْحُلِيِّ وَالْأَمْتِعَةِ النَّافِعَةِ وَالتَّشْبِيْهُ بِالزَّبَدِ يَتَضَمَّنُ ذَمَّ الْمُشَبَّهِ بِهِ فَإِنَّهُمْ يُشَبِّهُوْنَ الْحَسَنَ بِالْحَسَنِ وَالْقَبِيْحَ بْالْقَبِيْحِ وَالْمَحْمُوْدَ بِالْمَحْمُوْدِ وَالْمَذْمُوْمَ بِالْمَذْمُوْمِ وَالنَّافِع بِالنَّافِعِ وَالضَّارَّ بِالضَّارِّ: {وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النُّور: 35] وَقَدْ يُعَبَّرُ بِالْكُفْرِ عَنِ الْهَلَاكِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْهَلَاكِ وَيُعَبَّرُ عَنِ الْإِيْمَانِ بِالْحَيَاةِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ قَالَ تَعَالَى: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ} [الْأَنْفَال: 42] أَيْ لِيُؤْمِنَ مَنْ آمَنَ عَنْ يَقِيْنٍ وَبَصِيْرَةٍ وَيَكْفُرَ مَنْ كَفَرَ عَنْ يَقِيْنٍ وَمَعْرِفَةٍ. وَقَدْ شَبَّهَ اللُه سُبْحَانَهُ بِالْأَنْعَامِ وَالْحُمُرِ وَالْكِلَابِ احْتِقَارًا لِلْمُشَبَّهِ وَذَمًّا لَهُ وَلِذَلِكَ قَالَ: {سَاءَ مَثَلاً} [الْأَعْرَاف: 177]. وَقَالَ: {بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللُهِ} [الْجُمْعَة: 5] وَلَمَّا شَبَّهَهُمْ بِالْحُمُرِ كَانَ فِيْ تَشْبِيْهِهِ مَا يَقْتَضِيْ أَنَّهُمُ أَسْوَأُ حَالًا مِّنَ الْحُمُرِ لِأَنَّ الْحُمُرَ فَرَّتْ مِنْ سَبَبِ هَلَاكِهَا وَهُوَ الْأَسَدُ وَهَؤُلَاء فَرُّوْا مِنَ التَّذْكِرَةِ وَهِيَ سَبَبُ نَجَاتِهِمْ كَفِرَارِ الْحُمْر مِنْ سَبَبِ هَلَاكِهَا. وهذا مِثْلُ قَوْلِهِ عَزّ وَجَلّ: {أَوْ كَصَيِّبٍ} [الْبَقَرَة: 19] مَعْنَاهُ: أَوْ كَأَصْحَابِ الصَّيِّبِ. شَبَّهَ الْقُرْآنَ بِالصَّيِّبِ، وَالصَّيِّبُ إِذَا نَزَل كَانَ رَحْمَةً لِلزَّارِعِ وَبَلِيَّةً عَلَى الْمُسَافِرِ فَكَذَلِكَ الْقُرْآنُ كَانَ نُزُولُهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِين وَبَلَاء عَلَى الْكَافِرِين: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُو شِفَاء ورَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَلاَ يَزِيْدُ الظَّالِمِيْنَ إلَّا خَسَاراً} [الْإِسْرَاء: 82] فَجَعَلَ ثِقْلَ الْقُرْآنِ عَلَيْهِمْ وَمَشَقَّتَهُ عِنْدَهُمْ كَثِقْلِ الصَّيِّبِ وَمَشَقَّتِهِ عَلَى الْمُسَافِرِ لَكِنَّ الْقُرْآنَ ثِقْلٌ عَلَيْهِمْ مَعَ كَوْنِهِ سَبَبًا لِنَجَاتِهِمْ وَالصَّيِّبُ ثِقْلٌ عَلَى أَصْحَابِهِ لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِهَلَاكِهِمْ وَتَضَرُّرُهُمْ كَمَا فَرَّتِ الْحُمُر ُمِنَ الْقَسْوَرَةِ وَهُوَ سَبَبُ هَلَاكِهَا وَفَرَّ الْمُشْرِكُوْنَ مِنَ التَّذْكِرَةِ وَهِي سَبَبُ نَجَاتِهِمْ. .الْفَصْلُ السَّابِعُ: فِيْ فَوَائِدَ مُتَفَرِّقَةٍ: الْأُوْلَى: السِّيَاقُ مُرْشِدٌ إِلَى تَبَيُّنِ اْلُمجْمَلَاتِ وَتَرْجِيْحِ الْمُحْتَمَلَاتِ وَتَقْرِيْرِ الْوَاضِحَاتِ وَكُلُّ ذَلِكَ بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ.فَكُلُّ صِفَةٍ وَقَعَتْ فِيْ سِيَاقِ الْمَدْحِ كَانَتْ مَدْحًا وَكُلُّ صِفَةٍ وَقَعَتْ فِيْ سِيَاقِ الذَّمِّ كَانَتْ ذَمًّا فَمَا كَانَ مَدْحًا بِالْوَضْعِ فَوَقَعَ فِيْ سِيَاقِ الذَّمِّ صَارَ ذَمًّا وَاسْتِهْزَاءً وَتَهَكُّمًا بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالْ مِثَالُهُ: {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدُّخَان: 49] أَيْ الذَّلِيْلُ الْمُهَانُ لِوُقُوْعِ ذَلِكَ فِيْ سِيَاقِ الذَّمِّ وَكَذَلِكَ قَوْلُ قَوْمِ شُعَيْبٍ: {إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هُود: 87] أَيْ السَّفِيْهُ الْجَاهِلُ لِوُقُوْعِهِ فِيْ سِيَاقِ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ: {إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا} [الْأَحْزَاب: 67] لِوُقُوْعِهِ فِيْ سِيَاقِ ذَمِّهِمْ بِإْضْلَالِ الْأَتْبَاعِ. وَأمَّا مَا يَصْلُحُ لِلْأَمْرَيْنِ فَيَدُلُّ عَلَى الْمُرَادِ بِهِ السِّيَاقُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [الْقَلَم: 4] أَرَادَ بِهِ عَظِيْمًا فِيْ حُسْنِهِ وَشَرَفِهِ لِوُقُوْعِ ذَلِكَ فِيْ سِيَاقِ الْمَدْحِ. وَقَوْلِهِ: {إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيمَاً} [الْإِسْرَاء: 40] أَرَادَ بِهِ عَظِيْمًا فِيْ قُبْحِهِ لِوُقُوْعِ ذَلِكَ فِيْ سِيَاقِ الذَّمِّ. وَكَذَلِكَ صِفَاتُ الرَّبِّ الْمُحْتَمِلَةِ لِلْمَعَانِي اْلُمَتَعَدِّدَةِ تُحْمَلُ فِيْ كُلِّ سِيَاقٍ عَلَى مَا يَلِيْقُ بِهِ كَقَوْلِهِ: {إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ} [الْحَج: 70] تَمَدُّحٌ بِسُهُوْلَةٍ فِيْ قُدْرَتِهِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} [ق: 44]. وَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً} [النِّسَاء: 30]. وَقَوْلُهُ: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً} [الْأَحْزَاب: 30] فَإِنَّ الْمُرَادَ فِيْ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ احْتِقَارُ الْمُعَذَّبِ وَعَنَتُهُ وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِأَنّ َمَنْ هَانَ عَلَيْكَ سَهُل عَلَيْكَ عَذَابُهُ وَعَنَتُه وَمَنْ عَزَّ عَلَيْكَ صَعُبَ عَلَيْكَ مُصَابُهُ وَمَشَقَّتُهُ وَإِنَّمَا حُمِلَ عَلَى الِاسْتِهَانَةِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ مِنَ الرَّبِّ التَّمَدُّحُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى تَعْذِيْبِ امْرَأَةٍ أَوْ رَجُلٍ إِذِ التَّمَدُّحُ مِنَ الرَّبِّ بِأَدْنَى الصِّفَاتِ قَبِيْحٌ فِيْ عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ وَلِذَلِكَ يَقْبَحُ أَنْ يُقَالَ: سِيْبَوَيْه يَعْرِفُ أَنَّ الْفَاعِلَ مَرْفُوْعٌ وَالْمَفْعُوْلَ َمَنْصُوْبٌ وَالشَّافِعِيُّ يَعْرِفُ مَسْأَلَةَ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَجَالِيْنُوْسُ يَعْرِفُ أَنَّ الصَّفْرَاءَ حَادَّةٌ يَابِسَةٌ وَكَذَلِكَ الْعَزِيْزُ فِيْ أَوْصَافِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ يُطْلَقُ بِمَعْنَى الْغَالِبِ الْقَاهِرِ وَيُطْلَقُ بِمَعْنَى الْمُمْتَنِعِ مِنَ الْعَيْبِ وَالضَّيْمِ وَيُطْلَقُ بِمَعْنَى الَّذِيْ لَا نَظِيْرَ لَهُ وَيُحْمَلُ كُلُّ سِيَاقٍ عَلَى مَا يَلِيْقُ بِهِ. الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: إِخْبَارُ الشَّارِعِ عَنْ مَّا يُعْلَمُ بِالْعَادَةِ أَوْ بِالْعَقْلِ أَوْ بِالْحِسِّ لَيْسَ الْغَرَضُ مِنْهُ الْإِعْلَامُ بِذَلِكَ الْمُخْبَرِ عَنْهُ بَلْ بِهِ فَوَائِدُ تَنْثَنِيْ عَلَيْهِ. الْأَوْلَى: أَنْ يُذْكَرَ رَدًّا عَلَى دَعْوَى مُدَّعٍ وَتَكْذِيْبًا لِافْتِرَاءِ مُفْتَرٍ كَقَوْلِهِ {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَيِّتُوْنَ} [الزُّمَر: 30]. {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ} [الجمعة: 8]. كَذَلِكَ مَا تَوَاتَر مِنْ قِصَصِ الْمُكَذِّبِيْنَ الْمُهْلَكِيْنَ فَإِنَّهُ ذُكِرَ لِلِاعْتِبَارِ وَالِاتِّعَاظِ وَكَذَلِكَ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ إِهْلَاكِهِمْ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق: 37] أَيْ اتِّعَاظًا لِمَنْ كَانَ لَهُ عَقْلٌ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يُخْرِبُوْنَ بُيُوْتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الْحَشْر: 2] أَيْ فَاتَّعِظُوْا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحَمَن: 26]. الثَّالِثَةُ: أَنْ يَذْكُرَ لِلدِّلَالَةِ عَلَى صِدْقِ الرَّسُوْلِ صَلَّى اللَهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [آل عِمْرَان: 44]. الْآيَةُ: {ومَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ} [يُوسُف: 102] ذَكَرَ أَخْفَى مَا فِي الْقَضِيَّةِ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الدِّلَالَةِ: {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ} [الْقَصَص: 44]. {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا} [الْقَصَص: 46]. {وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ} [الْقَصَص: 45]. {ومَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ ولَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [الْعَنْكَبُوت: 48]. وَكَذَلِكَ الْقِصَصُ الْمُوَافِقَةُ لِمَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيْلِ ذُكِرَتْ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى صِحَّةِ النُّبُوَّةِ وَلِذَلِكَ قَالَ: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ} [يُوسُف: 111] أَيْ عُبُوْرٌ َمِنْ حَيِّزِ الْجَهْلِ إِلَى حَيِّزِ الْعِلْمِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِعْلَةٌ مِنَ الْعُبُوْرِ فَجَازَ أَنْ تُسْتَعْمَلَ فِي الْعُبُوْرِ مِنْ حَيِّزِ الْجَهْلِ إِلَى حَيِّزِ الْعِلْمِ كَمَا اسْتُعْمِلَتْ فِي الْعُبُوْرِ مِنَ الِاغْتِرَارِ إِلَى حَيِّزِ الِاتِّعَاظِ. الرَّابِعَةُ: أَنْ يَذْكُرَ عَتَبًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الْأَحْزَاب: 37] إِلَى قَوْلِهِ: {واللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ} [الْأَحْزَاب: 37]. وَقَوْلِهِ: {عَبَسَ وتَولَّى} [عَبْس: 1] إِلَى قَوْلِهِ: {فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى} [عَبْس: 6]. الْخَامِسَةُ: أَنْ يَذْكَرَ تَوْبِيْخًا وَلَوْمًا كَقَوْلِهِ: {إِذْ تُصْعِدُونَ ولاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ والرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ} [آل عِمْرَان: 153]. {مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا ومِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ} [آل عِمْرَان: 152]. {ولَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ} [آل عمران: 143]. {يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ} [الأنفال: 6]. السَّادِسَةُ: أَنْ يَذْكُرَ تَمَنُّنًا كَقَوْلِهِ: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ} [الأنفال: 11]. وَقَوْلِهِ: {إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ} [الأنفال: 26] الْآيَةُ {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ} [الأنفال: 11]. |